Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

الناس والحرب الحلقه العاشره

وما نيل المطالب بالتمنى

    

     هذا هو الأسبوع الاول من شهر سبتمبر عام73 وقائد الفرقة العميد أركان حرب فؤاد عزيز غالى اصدر أمرا بعقد اجتماع لجميع قيادات الفرقة حتى مستوى قائد السرية فى المنطقة التى خلف مستشفى القصاصين العسكرى وهى منطقة صحراء قاحلة ، حضر جميع القادة بالفرقة وهم ُنخبة كبيرة من قادة الألوية المشاة والمدرعات ومدفعية الميدان والدفاع الجوى ومدفعية قيادة عامة وعدة وحدات مهندسين عسكريين وصواريخ مضادة للدبابات وقواذف لهب والكتيبة الطبية وحشد كبير من القادة.

     العيون تتطلع الى سيارة القيادة التى يستقلها قائد الفرقة والتى وصلت وهبط منها بجسده الضخم وقامته الممشوقة وبعد ان رحب بالجميع اخذ يتفحص فى وجوه الموجودين والمصطفين. عادة فى تلك الأحوال يكون الوقوف او الانتظار حسب اقدمية الرتب. فالعمداء فى الصدارة وخلفهم او يجاورهم العقداء ثم المقدمين ثم الرواد رؤساء العمليات والتخصصات ثم قادة السرايا من رتبتى الرائد والنقيب. عدد القادة المتواجدين يفوق المائة وانضم ألينا قائد أسراب قاذفات مقاتلة وقائد القاعدة البحرية ببورسعيد.

      ظل الرجل يبحث عن شخص ما. ولم تسعفه عيناه لالتقاط هذا الشخص من بين جموع الحاضرين. نظر فى أجنده صغيره وتسائل بصوت مرتفع: أين الرائد أسامه الصادق؟ أسرع البعض ينبهنى الى ان قائد الفرقة يطلبك. ُدهشت وُدهش الآخرون لأننا فى زيل الاهتمام فى مثل تلك الأحوال. اتجهت إليه مؤديا التحية العسكرية. تمام يا أفندم رائد/ اسامة الصادق قائد السرية الثالثة مشاه ميكانيكى بالكتيبة 537 اللواء 136.

      صافحنى وشد على يدى بقوة متحدثا أمام الجميع: وانا مازلت واقفا فى وضع الانتباه. أسامه. سوف أكلفك بمهمة واعرض عليك موقف قتال وأريد منك قرارك.

الموقف: أنت قائد مفرزة قتال متقدمة ، تقدمت عن قواتنا مسافة من ستة الى سبعة كيلومترات وفاصل بينك وبين القوات الرئيسية مانع مائى وهو قناة السويس وليس معك عنصر مدرع ، كل الذي معك جنودك المائة والعشرون وسرية الهاون 82 وسرية الم/د بالكتيبة وفصيلة صواريخ "فهد" مضادة للدروع وجماعة"حية"صواريخ سترلا او سام (7) لإسقاط الطائرات المنخفضة وفصيلة مهندسين عسكريين وفصيلة قاذفات لهب.

    استطعت عبور المانع المائى بأقل خسائر سواء بشرية او فى المعدات وظللت تتقدم الى المسافة المحددة كما سبق وان ذكرت ، بعد اقل من ساعة هاجمك العدو بسرية دبابات وسرية مشاة ميكانيكى.

     اتفضل اشرح لى سير المعركة المتوقعة واخبرني عن المدى الزمنى الذى تستطيع ان تدمر فيه القوات المهاجمة علي قواتك حتى تنتهى القوات الرئيسية من إعداد الكبارى وتطوير الهجوم. تحدث الرجل بهذا الكلام وانا أقف أمامه كالعصفور نحيف الجسد أمام هذا الرجل قوي البنية والجميع يرغب معرفة ما سوف أقوله واجابتى عليه

      أول كلمة قلتها: سيادة القائد لن يكون هناك تكافأ بيننا وبين قوات العدو. اجابنى بصوته القوى ، لماذا؟ ان قطعة م/د فى الخنادق تدمر دبابة فى العراء وأنت معك الكثير من الصواريخ وقطع الـ م/د. أجبته: هذا فى كتاب التكتيك اما فى ظروف الحرب فلا يمكن حساب ذلك. صرخ الرجل كيف تقول هذا؟ اخبرنى ما يمكنك ان تدمره ومدة فترة ثباتك أمامهم وانا مازلت واقفا أمامه وأشاهد نظرات الاستنكار من القادة الكبار لجرأتى فى اجابتى على قائد الفرقة ودهشتهم من هذا الضابط الضعيف المتخاذل. ما زلت افكر.

      صمت قليلا ثم اجبته50% من قوتهم واصمد مابين ثلاث الى أربع ساعات. صفق قائلا هذا عظيم لو استطعت تدمير نصف قوتهم لارتدوا ثانية للخلف لأنهم لا يستطيعون استكمال الهجوم بالنصف الباقى خاصة قرب القناة وقواتنا ستكون كثيرة وقوية اما عن فترة الصمود فهى تعتبر رائعة بكل المقاييس. هيا أيها السادة لنتكلم عن مشروعنا..

      تحدث قائد الفرقة لجموع القادة موضحا أننا الآن سنتوجه لمكان ما(حدده) وتحركنا وتبعناه وهناك أعدت تختة رمل بمعرفة عمليات الفرقة موضحا فيها أماكن تمركز وحدات الفرقة والوحدات المعاونة والملحقة من القيادة العامة والمطارات التى تعمل فى مواجهة الفرقة والقاعدة البحرية التى ستغطى بنيران مدافعها مواجهة الفرقة لتكثيف القصف وتدمير اى أهداف بحرية معادية تحاول التدخل فى المعركة ضد الفرقة وقواتها. كان الرجل حاذقا دقيقا فى شرحه المسهب وكان واقفا وبيده عصا التأشير ويشير بها على مواقعنا وينبه كل قائد لمهمته كما وضح آماكن العدو طبقا لآخر معلومات حصل عليها من وحدات الاستطلاع والمخابرات الحربية والمخابرات العامة ووحدات خلف الخطوط التى تعمل خلف القوات الإسرائيلية فى عمق سيناء.

        بعد ُمضي أيام قليلة على هذا اللقاء تحرك اللواء بأسلحته كاملة الى منطقة القصاصين والبعالوة ترافقه أسلحة الدعم المزود بها من قيادة الفرقة والقيادة العامة وتم عمل نموذج كامل للعبور ومهاجمة القوات المعادية على الجهة الأخرى من ترعة الإسماعيلية والتى كانت تمثل قناة السويس وتلك الترعة لا تضارع القناة سواء فى اتساعها أو سرعة المياه والأمواج بها ولكنها اقرب مكان للوحدات المتمركزة فى قطاع الجيش الثانى.

    كل شىء كان مرتبا برقم القارب لكل جماعة مشاه وترتيب وضع الأسلحة بالقوارب أثناء عملية الهجوم ، كلفت بالمهمة التى اقرها قائد الفرقة لوحدتى وهى العمل كمفرزة نطاق امن الفرقة بقوة سريه مشاه ميكانيكى مدعمة أمام مواجهة الفرقة وفى الجانب الأيمن لمواجهة هجوم الفرقة 18مش وبدأ الهجوم بالنسبة لى الساعة الثانية وخمس دقائق أثناء غارات قواتنا الجوية ويرافق تلك الغارات قصف مدفعى لقوات وتجمعات العدو ونقاطه الحصينة فى مواجهة الفرقة واحتياطيه القريب المدرع ثم تكوين رأس كوبرى والتمسك به وإنشاء مواقع دفاعية فى الشرق وإقامة رؤوس كبارى ثم يلى هذا تطوير الهجوم.

     ُكنت في دهشة لموعد الهجوم وهو منتصف النهار ، كل ما تعلمناه فى تكتيكاتنا منذ نعومة أظفارنا ان يتم الهجوم اما فى الصباح الباكر لنأخذ العدو على غرة ليصبح أمامنا النهار بأكمله لننهى فيه جزء كبير من مهامنا معه او يتم في آخر ضوء وتتم عمليات ليلية تربك العدو لكن فى هذا التوقيت والعدو يلاحظ استعداداتنا ونهاجمه فى وضح النهار فهذا كان مستغربا لى ولباقى القادة على جميع المستويات ولكنه على كل حال هو نوع من التدريب مثل ما قمنا به من تدريبات سابقة مرات بالصباح ومرات أخرى فى المساء.

     لم يتبق على حلول شهر رمضان الكريم سوى عدة أيام وكان هذا دأب القيادة منذ عدة أعوام ان نعمل علي رفع درجات الاستعداد فى الأيام والمناسبات الدينية مثل رمضان أو الأعياد أو ذكرى المولد النبوى ولهذا فطن العدو إلى هذا فبعد ان كان يستعد لمثل تلك الاجراءات ويستدعى قوات الاحتياط أصبحت ألاعيبنا تلك مكشوفة عليه ولا يعيرها أدنى أهمية.

      انتهى التدريب والذى ظل عدة أيام وما عرف عنه وقتها بالمشروع التعبوى للقوات المسلحة أو ما عرف عنه بالمشروع الاستراتيجي للدولة وهو تدريب كل قطاعات الدولة على الاستعداد لظروف الحرب مع العدو وهى ظروف قهرية ولا بد أن تحدث فى يوم من الأيام والعدو يعلم هذا وأن مصر مصممة على شن حرب ضده مهما مضت الأيام لاستعادة الشرف العسكرى الذى فقد فى حرب الأيام الستة واسترجاع أراضينا المغتصبة خاصة أن الجبهة الداخلية كانت مشتعلة تنادى بالحرب وكان هذا الهاجس فى نفوس ووجدان جميع المصريين خاصة فى قطاعين هامين وهما طلبة الجامعات والعمال وهما أهم فئتين فى المجتمع تعمل لهم الدولة ألف حساب فى غضبهم ونفورهم مما حدث لبلدهم مصر.

      انتهى التدريب وعقد قائد اللواء العقيد/ احمد عبده اجتماعا لجميع القيادات باللواء شرح فيه السلبيات والايجابيات ولكن الرجل أشاد بوحدتى وقيادتى أمام الجميع شاهدا بأنه شاهد ولاحظ الرائد أسامه الصادق متواجدا ويقظا مع جنوده أثناء الليل وهم يعدون الموقع الدفاعى بشرق القناة أثناء التدريب. حدث هذا بالفعل.

     بعد ُمضى عدة أيام من التدريب التعبوى اتصل بى قائد كتيبتى طالبا منى أن استقل اللورى الذى سيصلنى الآن وعليّ التوجه الى "كوبرى المخابرات" الكائن على طريق المعاهدة جنوب القنطرة غرب واخبرني بان قائد الفرقة راغبا في لقاءك طالبا منك ان تحمل معك "راديو" يعمل .. أعدت سؤالى .. ماذا يريد؟ .. اجابنى يريد ان تقابله ومعك راديو يعمل يعنى شغال يعنى بيطلع اغانى.

    استفسر منه وما السبب؟ يجيبنى: لا اعلم. التعليمات تصدر ونحن نقول حاضر يافندم علم وسأنفذ أليس هذا صحيحا؟ أجبته: أفندم علم وسأنفذ. ضحك النقيب حسن من تلك التعليمات قائلا: "ان قائد الكتيبة بيعمل فيك مقلب وحتروح تلاقى قائد الفرقة منتظرك ومعاه كبار القادة وأنت داخل عليهم قالع راسك ومن غير غطا رأس ومعاك راديو وبيغنى "تحت السجر يا وهيبه".

       ضحكنا سويا ، وصل اللورى وقفزت فيه حاملا راديو معى وكأننى ذاهب لأعين مذيعا فى الإذاعة واحمل معى مصوغات التعيين ، توقف بى اللورى بجوار كوبرى المخابرات وبعد قليل حضر لورى آخر فنظرت إليه فشاهدت العميد فؤاد قائد الفرقة يقود اللورى بنفسه ومعه رجل كبير السن وشعره وشاربه ابيض اللون ولم أشاهده قبل ذلك ، صراحة اعتقدت انه احد أفراد قيادة الفرقة أتى مثلى لنلاعب العميد فؤاد عشرتين طاولة ونسمع الراديو بلا حرب بلا هباب.

     اشار إلىّ العميد فؤاد: أسامه اركب على ضهر اللورى. أجبته: حاضر يا فندم حاولت تأدية التحية العسكرية. استوقفنى قبل ان اقفز فوق اللورى مثل عمال التراحيل. هل أتيت براديو يعمل؟ ايوه يا فندم. أعاد حديثه مرة أخري: مش عايز أسمعك تقول يا فندم أو تؤدى التحية العسكرية. تقف وتتكلم معانا عادى لأننا طالعين مصطبة الروضة قدام اليهود مش عايزهم يعرفوا شخصياتنا. فاهم؟ أريد ان اصرخ فاهم يا فندم ولكني تراجعت. بهدوء قلت: ايوه فاهم. ضحك قائلا ايوه كده خليك واد عتره وبتفهم الدرس من أول مره. اطلع فوق. ثم أشار إلى سائقى قائلاً: وأنت خليك هنا. فاهم؟ أجابه السائق: معلوم فاهم دا انا بافهما وهيا طايره.. ضحك الرجل لان الجندى السائق تفهم حديث قائد الفرقة ونفذه على نفسه أيضا.

    وصلنا أسفل المصطبة وتحرك قائد الفرقة وضيفه ، الاثنان بدون رتب ونستعد لصعود المصطبة والتى يبلغ ارتفاعها أكثر من عشرين مترا بزاوية صعود ثلاثون درجة وانا الأصغر عمراً شعرت بإرهاق من صعود تلك المسافة ، نحن الآن فوق المصطبة وكأنك تقف فى بلكونة وتشاهد الناس بالشارع ، القناة أمامنا وبالأسفل مواقع اليهود ونكشف من سيناء ما يستطيع نظرنا الوصول إليه على مدى البصر.     

    تحدث فؤاد عزيز الى ضيفه شارحا له بدون ان يحرك يده بعد ان أمرني بتشغيل الراديو حيث قال: أسامه "شغل الراديو على اغانى بصوت مرتفع". أنفذ تعليماته بينما يواصل الرجل حديثه بان المفرزة المتقدمة بقيادة أسامه حتحتل التبة اللى قدامنا على طول ودية على مسافة اكتر من ستة كيلو يعنى مابين ستة وسبعة كيلو حسب طبيعة الأرض. التبة جنوب الطريق"المحور الشمالى" اللى جاى من العريش. فى الناحية التانية اى شمال الطريق منطقة سبخة ومش تتحمل تقل الدبابات والعربيات المدرعة. بأسلحة الدعم مع أسامه حيعطلهم ويعمل معاهم معارك وإرباك. انا محتاج تلات ساعات.

      اعترض الضيف بان هذا الوقت طويل على "مفرزة نطاق أمن الفرقة" وعلى هذه المسافة وبدون عنصر مدرع وان تتركهم علي هذا الوضع قائلاً: "أنت كده حتخليهم يتفرموا منك ، مش معقول يا فؤاد لحم قدام حديد" .. قائد الفرقة معلقاً سوف نسرع بعبور بعض الوحدات المدرعة والتى ستعاون الهجوم ولكن الضيف طلب منه سرعة الانتهاء بعبور قواته والعمل على تأمين عود المفرزة ثانية للنسق التانى بعد تلك المهمة.

    سألني الضيف والذى شعرت انه شخصية مهمة لأنه ُيحدث قائد الفرقة بدون ألقاب. أنت فاهم مهمتك كويس؟ أجبته فاهمها كويس. يعيد حديثه: حتقدر تنفذها زى ما قائدك بيشرحها كده؟ أجبته ح اقدر بس انا اعترضت قبل كده وسيادته عارف ان القوة اللى حاقابلها كبيرة. نظر إلي قائد الفرقة قائلا: طيب ماهو قائد العملية والمسئول عنها عرفك انها حتبقى فوق طاقتهم. مش ممكن تزيد فى أسلحة الدعم اكتر؟ اخبره قائد الفرقة ممكن بعد العبور بنصف ساعة لان كل قوات المشاة بتعبر ومش حيبقوا لوحدهم وينضربوا كهدف واحد وظاهر.

    شكره الضيف وُعدنا الى اللورى عند كوبرى المخابرات وهناك صافحنى الضيف متمنيا لى النجاح فى مهمتى قائلاً ومحذرا: أنت عارف لو نفدت منك دبابة  حتبقى فيه خطورة كبيرة على السبع نقط القوية اللى من موقعك فى البلاح لحد بورسعيد ،  يشير بأصبعه السبابة "خللى بالك لان كل المهاجمين على النقط القوية حيكونوا فى خطر ونجاحنا فى تدمير النقاط دية واحتلالنا مدينة القنطرة شرق متوقف عليك أنت ورجالتك. فاهم؟ أجبته: فاهم يا فندم. وانا مازالت جاهلاً شخصية هذا الأفندم.

     استقللت اللورى عائداً الى الكتيبة وتقابلت مع قائد الكتيبة الذي سألني عما حدث مع قائد الفرقة وعندما علم مني بان بصحبته ضيفا هاما سألنى اهو قائد الجيش؟ أخبرته باننى اعرف قائد الجيش عندما شاهدته مع الرئيس السادات فى معسكر الجلاء بالاسماعيلية. ثم تطرق في تحديد الشخصية ، احتمال ان يكون رئيس الأركان الفريق الشاذلى؟ أجبته اننى اعرف الفريق الشاذلى عندما كان برتبة عميد وهو قائد لقوات المظلات عام 66 .

    اليوم التالى طلبنى قائد الكتيبة فدخلت عليه المكتب وشاهدته جالسا ضاحكا وقال: فيه ظابط ما يعرفشى وزير الحربية ؟!! اسأله من هو وزير الحربية. يندهش ويكمل سيادة الفريق أول احمد إسماعيل. الحقيقة لم يسبق لى رؤية هذا القائد الفذ الهادىء الشبيه بالفهد وهو يقتنص فريسته ، كانت هذه أول مرة أشاهده ، سبق وشاهدت الفريق أول محمد فوزى ، ثم الفريق أول محمد صادق وقبلهم المشــير

عبد الحكيم عامر. لكن الفريق أول احمد إسماعيل على فلم أشاهده قبل ذلك أبدا حتى فى الصور.     

     نحن الآن نحتل الحد الامامى لقواتنا على الشاطىء الغربى لقناة السويس بداخل جزيرة البلاح أي أن أمامي قناة وخلفي قناة وقد انضغطت مواجهتى إلى خمسمائة متر بدلا من ألف وخمسمائة متر وهذا وضع الهجوم فى العمليات كما أن جميع أدواتنا ومعداتنا الإدارية سُحبت منا ولم يترك لنا سوى ملابسنا الشخصية وبعض البطاطين وكنا ننام أرضا ، الجميع سواسية من قائد الفرقة حتى احدث جندى.

    حادثنى حسن متسائلاً؟ تعتقد أننا سنحارب؟ نظرت إليه وأجبته: للان لا .. يعيد ولماذا كل تلك الاجراءات الجديدة علينا ولم تحدث من قبل؟ أجيبه .. حسن طالما لم تصل القوارب فكله تهويش وتدريب. الشىء الهام هو القوارب وللآن لم تصل القوارب. يكمل حديثه. ألا تتذكر أنهم فى الشهر الماضى حصلوا على توقيعاتنا جميعا ومن نرغب لنرشحه لاستلام رواتبنا بالنيابة عنا وما هو البنك الذى ترغب فى ان يحول عليه راتبك؟ ضحك وتذكر احد الجنود قادما إليه يحدثه وهو حزين لان رقيب فصيلته اقترح عليه ان يكتب رغبته بتحويل المرتب على بنك الإسكندرية وجاء يسأل حسن قائلا: بجى معجول يا فندم ابوى يدلى كلتها شهر ويسافر اسكندريه يروح يجُبض راتبى؟ ده يرضى ربنا؟ ليه الشاويش محمد يجولى على الفكرة الملخبطة دى؟ آه يا بوى!! ضحك حسن موضحا له ان بنك الإسكندرية هذا اسما وليس بلداً وان له أفرع فى كل مكان فى مصر وانه يمكن لوالدك ان يأخذ "نبوته" ويدلى على "ملوى" ويجبض لك راتبك!!!

       عصر اليوم التالى لهذا الحوار بينى وبين النقيب حسن ومازلنا مشغولين بانضمام وحدات معاونة لسريتنا وكلها وحدات لم نشاهدها ألا فى التدريب الذى سبق هذا منذ عشرة أيام وقد أنضم إلينا بعض الجنود الذين سرحوا من الخدمة منذ عدة أشهر وعادوا بناء على استدعاء القوات المسلحة لهم للتدريب وحضور هذا المشروع التعبوى.

    أشاهد حسن قادما وكنت جالسا أرضا وكان يحمل إناء به بعض القواقع لا اعرف كيف حصل عليها وقال لى حتاكل أكله حلوه النهاردة ، انا عارف ان مافيش فى الشرقية حاجات زى دى ، أسرع واحضر إناء وغلى ما به من ماء ثم وضع به تلك القواقع التي كانت صغيرة الحجم فى حجم قطعة الطعمية او اصغر قليلا. أشاهد القواقع والغطاء ينفصل عن بعضه البعض ورائحة الزفارة تنبعث ، بعد قليل احضر ملعقة واخرج شيئا متجانس مع بعضه مثل اللحم ولكنه ليس بلحم وأضاف بعض التوابل واعطانى طبقا صغيراً لأتناوله.

    الحقيقة لم أتناول طبقا فى حياتى أشهى من هذا فله طعم رائع ومذاقه أشهى من الجمبرى. لاحظت وانا أتناول الطعام بان شيئا مثل الحصوة او الزلطة أسفل اسنانى ، أخبرته بهذا فطلب منى إخراجها. فأخرجتها وتناولها منى فاحصا تلك الحصوة صارخا. الله لؤلؤ .. والله لؤلؤ .. وانا غير مصدقا ذلك!! لأنى اعلم ان هذا فى بلاد البحرين لكن هنا فى مصر لم اسمع بهذا وانهمك فى فرز المعجون الذى أعده فى الطبق. استطاع ان يستخرج منه حوالى خمسة عشرة حبة لؤلؤ. فى حجم حبة الذرة وهى دائرية الشكل ولون الحبة ابيض قاتم واخبرني انه بعد قليل يجف وسيصبح شفافا ، لاحظت هذا بعد ساعتين واعطانى سبع حبات وحصل هو على ثمانية.

     صباح الرابع من أكتوبر مجموعة من المهندسين العسكريين "خبراء فى إزالة الألغام" تصل الموقع لفتح عدد من الثغرات أمام مواجهة سريتى استعدادا للهجوم عبر قناة السويس. حددت لهم عدد الثغرات وأماكنها حيث شرعوا فى العمل تحت مراقبة الإسرائيليين. استمروا فى عملهم حوالى الساعتين. يرفعون ألغام الأفراد ثم ينزعون منه المفجر ثم يعيدون اللغم حتى يعلم اليهود أنهم يقومون بصيانة لحقل الألغام. بعد ان الانتهاء من عملهم قاموا باختبار ثغرتين من التغرات العشر المحددة لى. وإذا بالثغرتان تنفجران محدثة إصابات بينهم.

    أسرعوا بإصاباتهم الى السرية الطبية ونحن جالسين متخوفين ان تتم عمليات وندخل فى حقول الألغام ونلقي فيها مصرعنا قبل ان نصل الى الاسرائيليين. اليوم التالى اتصلت بسرية المهندسين العسكريين من اجل إعادة تأمين الثغرات واتصلت بقيادة الفرقة دون جدوى.

    مساء هذا اليوم بعد ان انتهينا من وضع ملابس "افرولات" جميع المقاتلين من مختلف الرتب فى مادة أحضرتها سرية الحرب الكيماوية بالفرقة ولا أتذكر اسمها لكن رائحتها مثل النشادر واخبرونى بأنها تقلل من اشتعال ملابسنا لو سقط عليها اى شىء مشتعل خاصة "النابالم".

        فى الثانية عشرة من منتصف ليلة 6,5 أكتوبر أوقظنى جندى الخدمة ليخبرنى بان المقدم خليل زايد قائد ثان الكتيبة مستقلا لورى وينتظرك. اندهشت واتجهت له يتبعنى النقيب حسن.وكانت الدهشة بان ياتى لورى إلي جزيرة البلاح. فلا معدات ميكانكية بالجزيرة لانها تحتاج معدية تعبر القناة وتحمل تلك المعدات الثقيلة كما ان تضاريس الجزيرة غير صالحة لسير المعدات. اتجهت إليه حيث قابلني قائد ثان الكتيبة باشا فى وجهى على غير عادته واخبرني: أسامه قوارب وحدتك موجودة باللورى. أرجو إحضار الجنود لإنزالها على انها بطاطين حتى لا تخرج الاصوات ويتلقفها العدو ويعلمون بما ننوى ان نفعله. حدث لي اضطراب ، فقد صدق حدثى وما تنبأت به ، قوارب يعنى حرب.

     فى العادة تحصل كل سرية مشاه على عشرة قوارب للعبور على موجة واحدة " اى عبور دفعة واحدة" اما بالنسبة لى فكان العدد اثنان وعشرون قارباً للعبور على ثلاث موجات كل موجة اثنان وعشرون قاربا اى ان عدد القوارب التى ستعبر فى منطقتى (ستة وستون قارباً ) وقد انضم إلينا منذ عدة أيام مائه جندى احتياط مهمتهم حمل الذخيرة لموقعنا المتقدم الى مسافة الموقع المختار الذي سوف احتله مع جنودى شرق القناة وعلى مسافة ستة كيلومترات. عُدت بذاكرتى الى الوراء أكثر من ستة سنوات .. الجنود الاحتياط الكسالى الخاملين .. كانوا كما رأيتهم فى سيناء .. الكروش المدفوعة لأعلى والسير ببطىء ويتعاملون معنا كأننا السبب فى استدعائهم وبتعالى كأنهم يعرفون ويعلمون أكثر منا لقد أصبحوا بعد المعركة السبب الرئيسي فى الخسائر الكبيرة التى حدثت فى حرب أكتوبر سواء للمقاتلين او بالنسبة لأنفسهم لان خسائرهم تحسب على وحداتنا.

       لقد اعد المهندسون العسكريون فى السابق اى من عدة أشهر أماكن إيواء مغطاة تحت الأرض لعدد اثنان وعشرون قاربا فى هذا الموقع. توجهنا بالقوارب الى تلك الأماكن وسلمني قائد ثان الكتيبة تعليمات قائد الجيش الثانى "الله يعطيك الصحة والعافية يا سيادة اللواء سعد مأمون" الذى سطر وخطط لتلك التعليمات. كما أشيد بهذا الإنسان البارع الذى فكر فى طبعها وتوزيعها على الوحدات فهو لا يقل براعة عنه. لقد ُفقدت منى تلك التعليمات أثناء العمليات الحربية والإصابة التى لحقت بى ولكنى أتذكر بعض ما جاء فيها حيث نقل لي بعض أجزاء منها احد الجنود أثناء علاجي في مستشفي المعادي:

ـــــــــ

قيادة الجيش الثانى الميداني

مكتب القائد

بسم الله الرحمن الرحيم:

ان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم وينصركم على القوم الكافرين"

صدق الله العظيم

الى شباب مصر الأوفياء .. الى رجالها المخلصين .. الى كل قائد وضابط وصف وجندى .. هذا هو اليوم الموعود .. يوم ان نزيل عن عاتقنا أمام شعبنا وأمام التاريخ عار هزيمة لحقت بنا دون دخولنا الحرب .. لقد أنهيتم استعدادكم لهذه الحرب بالتدريب والمعدات والأسلحة وتخطيط القيادة على أعلا مستوى .. ثقوا ان النصر حليفنا مع مراعاة الانضباط أثناء المعارك ولا داعى للتهليل بعد إصابة تحدث للعدو فى دباباته ومدرعاته لأنك بهذا تحدد للعدو مكانك وتعرض نفسك لان يقتلك كما أرجو الدقة فى التصويب والاحتراز من حقول الألغام وثقوا ان شعبكم خلفكم ينظر إليكم ولتكن هديتنا الكبرى الى أمنا مصر الحبيبة هى النصر على أعداء الله وأعدائنا هؤلاء هم الكفرة الإسرائيليين .. ومن يلقى الشهادة فهو عند الله حى ُيرزق لا يموت تصديقا لقول الله عز وجل:

       ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله "    صدق الله العظيم

     فى نهاية كلمتى أرجو ان يفتح الضباط اى راديو معهم على إذاعة البرنامج العام قبل الثامنة بعشرة دقائق صباحا ثم يستمعوا الى دقات ضبط الساعة الثامنة من الإذاعة لضبط الساعة التى ستكون توقيتاتها متطابقة فى جميع أفرع القوات المسلحة لهذا اليوم بدون تأخير او تقديم ثوان لانها هامة ومصيرية فى تلك المعركة وفقكم الله وسدد خطاكم .      

 

لواء أركان حرب / سعد مأمون                  

قائد الجيش الثانى الميدانى

فى يوم الجمعة الموافق التاسع من رمضان ..

الخامس من أكتوبر عام 1973

ـــــــ

   

      كانت تلك الرسالة التى وصلتنى مع القوارب ، قرأتها وشعرت بان خلفنا رجال ساهرون يعملون ويفكرون فى كل شىء ، لم يغمض لى جفن فغدا سنعبر. غدا اليوم الموعود ، لقد كنت افكر منذ انتقلنا الى جبهة القتال وانا أنظر الى الجهة الأخرى من صحراء سيناء متمنيا من الله ان يعطينى العمر والقوة وأن يأتى يوم لكي أعبر إلى الشرق وألقى الشهادة هناك ، كانت تلك الأمنية تراودنى وأقول لنفسى هل سيأتى هذا اليوم ، كنت اعتقد اننى وعدد كبير نفكر فى هذا ولكننى ويا للعجب فقد اكتشفت ان هذه رغبة الجميع ، ولماذا يا للعجب وان رسولنا الكريم ميزنا عن سائر المسلمين بحديثه الشريف:

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

"إذا فتح الله عليكم بمصر فاتخذوا منها جندا كثيفا فهم خير أجناد الأرض .. قيل لما يارسول الله .. قال لأنهم كنانة الله فى أرضه"

صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

    

      ويفسر أهل العلم والعلماء بان الكنانة هنا تعنى الجراب الذى يحمله المقاتل على ظهره ويضع به سهامه ، اى أن مصر والمصريين هم معقل الجيوش والمحاربين وليعيد التاريخ نفسه منذ "انتصار أحمس على الهكسوس وصلاح الدين الايوبى على الصليبيين فى معركة حطين والانتصار على التتار بقيادة المظفر قطز فى معركة عين جالوت. ثم فى العصر الحديث جولات وصولات محمد على وأبنائه حتى وصلوا لتهديد دولة الخلافة العثمانية"

 

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech