Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

الناس والحرب - الحلقه الثامنه

الانتقام من العــدو

 

     الحمد لله فقد اسبغ على الله نعمته وشفيت مما الم بى فى بداية شهر فبراير من هذا العام بعد ما الم بى فى حقل الالغام ونجاتى منه بفضل الله وعونه بان سخر لى كائنا من عنده ليرفع عنى هذا البلاء  .. لقد كان هذا الحادث بكل ما احاط به من ظروف سواء الوقوع فى تلك المنطقة المكشوفة والتى منع قائد الكتيبة اى فرد من السير بها بعد ذلك .. او من اغاثتى وانقاذى هو حديث الجنود والضباط بالوحدة وقد صدقه البعض ونفاه البعض مدعيا انها اضغاث وتهيئات حدثت لى نتيجة خوفى واصابتى مما الم بى وقد يعترينى فى بعض الحالات تلك الافكار وهل صحيح ما انا كنت فيه وانقاذ الله لى بهذا الكائن الذى لم اشاهد مثله حتى الان فى حياتى ولكن الوقائع تثبت انه صحيح وما المانع فى ان يسخر الله من كائناته وعباده من يرفع المقت والظلم والاذى عن الاخرين .. الم يدفع الله بعمال هيئة قناة السويس فى بداية يوليو من عام 67 للدفاع عنا ضد الهجمة التترية المفزعة المؤلمة لنا بعد عودتنا من سيناء ونحن بين الحياة والموت دون ان نطلب ذلك ولكنه علام الغيوب الذى يعلم بكل شىء يدور فى الكون وليس بالارض وحدها ولا فى جبهة القتال..

      فككت غرز خياطة الجرح بواسطة القدير الماهر فى عمله شنوده عبد المسيح وبعدها باسبوعان فك عنى الجبس طالبا منى عدم الضغط على كف ومفصل زراعى الايمن حتى تقوى العضلات .. نفذت ما طلبه منى رغم صعوبة تلك الفترة نظرا لاحتياجى لاستخدام يدى اليمنى خاصة فى حلاقة ذقنى وربط اربطة حذائى لكننى تحاملت وبمساعدة حنتيرة تم كل شىء على مايرام.

    قائد كتيبتنا هو المقدم/ عبد العزيز قطب .. انه قائد عاقل متزن صوته منخفض وهادىء ومعه رئيس العمليات الشجاع الرائد/ سعد يونس وكانا متفاهمين وطباعهم منسجمة ولهذا كانت الامور متوازنه وقد انعكس هذا على ضباط وجنود الكتيبة كما ان القائد ورئيس العمليات من المشجعين للعمليات مع العدو خاصة ان اليهود فى تلك الفترة اصابهم نوع من الجنون لتدمير قواعد الصواريخ التى تقيمها الدولة ممثلة فى وزارة الحربية على جبهة القتال بعد ما نجحت فى اقامتها فى عمق البلاد وحمت بذلك الاهداف الاستراتيجية للدولة من هجماتهم القاتلة مثل بحر البقر ومصنع ابو زعبل ومنطقة دهشور .. كان الطيران المعادى يفعل مايريد فقطعت اليد الطولى التى كان يتباهى بها ويخيف الجبهة الداخلية والان جاء الدور على القوات المواجهة له على خط القناة.

     لايمر يوم الا والاشتباكات دائرة على قدم وساق واصبحت منطقة القنطرة شرق بعمق اكثر من اثنين كيلو من خط القناة السيادة البرية لنا بفضل ضرباتنا لدرجة انهم عينوا مراقبين باجهزة تصنت تنذرهم بصفارات متتالية لضربات سريتنا وطلب قائد الكتيبة من قيادة اللواء ان تقوم مدفعية اللواء سواء كتيبة الهاوتزر 122مم او سرية الهاون 120مم بالمشاركة فى المعارك نظرا للمجهود الذى تقابله سرية الهاون ولكنهم اعترضوا لضخامة تلك الاسلحة والتى سوف توجه اليها طائرات العدو وتحدث بهم اصابات شديدة بعكس سرية الهاون 82مم التى تتحصن بين المبانى والتى تحميهم من تلك الغارات واخيرا رضخ القائد لقيادته العليا ومازلنا نواصل ضرباتنا لدرجة انهم طلبوا من مدفعية اللواء قصف هدف بالشرق ولكن قائد كتيبة الهاوتزر طلب منى باتصال تليفونى ان اشتبك انا بدلا من كتيبته خوفا من الخسائر والرجل كان محقا فى تخوفه نظرا لما قابلوه من خسائر سابقة .. وطلب منى الانتظار الى ان تقترب وحدات العدو وسيخبرنى بالمسافة التى تسمح لنا بقصفهم حسب مدى مدافعنا .. كانت تلك الامور تسعدنا وقد بدا الخوف والشك يتسلل الى جنودى بانهم يضحون بنا لحماية الوحدات الاكبر ولكننا كنا قادرين على تحقيق النجاح وكما قال قائد كتيبتنا المقدم /عبد العزيز قطب لو ان سريتكم ذات مدى طويل لكنا فعلنا بالعدو الافاعيل.    

      هذا هو اليوم الموعود الموافق 11/4/1970 وقائد السرية فى اجازته الميدانية       قبل الظهر يتصل بى رئيس العمليات ليخبرنى بان عناصر الاستطلاع ابلغت الكتيبة بان الاسرائيليين يفرغون شحنات ذخيرة بعدة لوارى ضخمة فى النقطة القوية رقم (3) وانه يطلب منى قصفهم بذخيرة فسفورية فابلغته اننا لانملك هذا النوع وهو مندهش قائلا كل يوم اليهود يقذفوننا بهذا النوع ولكننى اخبرته بانه غير متوفر لدينا واستفسر منى ماهو الحل؟ واجبته بانه يمكننى ان اقذفهم بقنبلة مضيئة ولكن بطبة طرقية تنفجر عند اصطدامها باى جسم مثل القنبلة شديدة الانفجار فاجابنى هل بها فوسفور فاكدت له ذلك لانها مضيئة ولهذا فالقنبلة مزودة بكمية من الفوسفور شديد الاشتعال والتوهج .. وافقنى على ذلك ولكنى طلبت منه ان يعتمد استهلاك تلك النوع من الذخيرة لان القنبلة مرتفعة الثمن وتعليمات الاسلحة والذخيرة الا تستخدم الا فى الحالات الخطرة مثل عبور قوات معادية علينا وبتصديق من القائد .. امرنى بالضرب قائلا احنا حنقعد نفكر دية غاليه والا رخيصة انها الحرب مش حتكون اغلى من البشر.. اضرب ولا يهمك يا اسامه…

     طلبت من حكمدار المدفع المخصص لتلك النقطة ضبط الفقاعات والتأكد من ان كل البيانات مضبوطه مع تردد الجنود رافضين استخدامها لانها ستعود علينا بالخصم كما سبق وحدث مع وحدات اخرى .. رفضت اعتراضهم طالبا من الجميع مغادرة الموقع والاختباء حتى اذا حدث مكروه فتقل الاصابات .. لم يتبقى سواى وحكمدار المدفع وقد سميت “بسم الله الرحمن الرحيم .. وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى” ووضعت القنبلة فى ماسورة المدفع بعد ان زودناها بطبة طرقية وهذا ليس عملى ولكنى قمت به حتى اتجنب ان تخصم على احد الجنود .. مضت دقيقتان وافاجأ بعناصر استطلاع المخابرات خلفى واحدهم ينظر الى من شباك صغير يقول الله اكبر اضرب تانى يافندم القنبلة ولعت فى الذخيرة ثم اعقبها تليفون من رئيس العمليات برافو عليك ياواد يا مجدع الله يسلم ايديك .. اضربهم تانى .. جمعت جنود السرية وقذفناهم بقنابل الشديدة الانفجار ونسمع رنين جرس التليفون بان الاصابات شديدة ويتعالى الصراخ بينهم وبعد فترة طلب منى قائد مدفعية اللواء التوقف عن الضرب لان الامم المتحدة تدخلت وطالبت بوقف الضرب لاجلاء الجرحى .. توقفت .. اتصل بى رئيس العمليات صارخا فى التليفون لماذا توقفت فاخبرته باوامر قائد المدفعية ..  صرخ عاليا سيبك منهم انا المسئول وهما اولاد الكلب اليهود بيراعو كده .. اضرب استأنفنا القصف ويعاد اتصال قائد مدفعية اللواء وانا مستمر فى القصف فهددنى الرجل بانه سيحولنى الى محكمة ولم ابالى فلا زال رئيس العمليات مصمما على القصف والنيران مشتعلة فى الشرق والانفجارات تتوالى فى النقطة القوية وامتدت النيران الى الذخيرة المخزنة قبل ذلك واتت الانفجارات على المخزون والمنقول منها وكنا نشاهد تلك الانفجارات من على بعد حتى وصلت اصواتها الى منطقة ابو خليفة على مسافة اثنى عشرة كيلومترا والقصف مستمر باوامر رئيس العمليات وقيادة الجيش صارخة تامرنا بالتوقف دون جدوى لقد حدثت حالة من السعار والجنون  لنواصل قصفهم كانتقام لما يحدث وحدث لنا .. استمررنا على هذا الوضع واصبحت المدافع ملتهبة من كثرة القصفات عليهم واقترب مخزون الذخيرة من الانتهاء وتبادل الجنود نظافة الذخيرة من الشحم فقد استهلكنا جزءا كبيرا واتجهنا الى مخزون العمليات ..مازال القصف جاريا حتى وصلت اشارة واضحة من القيادة العامة للقوات المسلحة بانه ان لم يتم ايقاف القصف فوراً سيحول المسؤلون لمحكمة عسكرية نظراً لان قيادة الامم المتحدة ثائرة على قيادتنا السياسية .. طلب رئيس العمليات التوقف عن القصف وغلق موقع السرية وتسريح الجنود فى اماكن بعيدة خشية الانتقام.

    توزع الجنود وهم فى اسعد ايامهم وعلموا من مخابرات حرس الحدود بان خسائرهم البشرية ضخمة لدرجة وصول اربع سيارات اسعاف تم تدمير اثنتان منها بقصفاتنا .. التهب الموقف على الجبهة واستعدت كل وحدات الجيش الثانى اكثر مما هى مستعدة لأى رد فعل من العدو .. اقبل الليل ومازال الاسرائيليون يلملمون فى قتلاهم وجرحاهم .. المعلومات متضاربة فالبعض يؤكد مقتل ثلاثة وعشرون جنديا واصابة اثنى عشر بينما معلومات اخرى تؤكد مقتل خمسة عشر واصابة العشرين ولكنها تدور فى عدد واحد وثابت وهو ان القتلى والمصابين خمسة وثلاثون قتيلاً وجريحا معظم الجرحى حروق وشظايا خطيرة .. مع تدمير مخزن ذخيرة العدو بالكامل لدرجة ان النقطة القوية رقم (3) اصبحت غير صالحة لاقامة قواتهم بها وتدمير اربعة لوارى حاملة الذخيرة وعربة مدرعة وسيارتى اسعاف .. مع الرعب والهلع الذى اصابهم.

   فى المساء وصل النقيب فاروق من اجازته وعلم من قيادة اللواء بما حدث وكان فى غاية السعادة ويخبرهم بان هؤلاء الرجال هم اشباله وابدى رغبته فى نقل الجنود الى موقع آخر ولكنى طلبت الابتعاد عن الموقع فقط حتى نرى ما هو قادم مع توزيع المدافع بين بنايات المدينة واعادة رصد زوايا للاهداف لقصفها من مكان آخر وقد وافقنى على ذلك.

      الكتيبة فى حالة ترقب الى ما يخبئه القدر .. مضى اليوم التالى بدون رد فعل لكن معلومات الاستطلاع تخبرنا بانهم يحشدون وحدات مدفعية كثيرة شرق القنطرة فى مواجهة كتيبتنا .. اليوم الثالث لتلك المعركة .. تفتح وحدات مدفعيتهم نيرانها الكثيفة على موقع سريتنا بقصف مستمر لحوالى الساعتين تتطاير على اثره المبانى من حولنا ونحن مختبئين فى مجارى المدينة الفارغة الجافة وفى حفر الصرف الصحى اسفل المبانى كما تواجد الطيران فوقنا لمنع مدفعيتنا الكبيرة من الرد عليهم .. انتهى القصف دون اى خسائر بشرية فى الكتيبة وبالتالى فى سريتنا الا من بعض خسائر فى المهمات من الحرائق التى اشتعلت بموقعنا واحتراق عدد من افرولات الجنود وبطاطينهم كما تهدم جزء من انشاءات الموقع .. فضلنا المبيت بعيداً وطلب منى النقيب فاروق ضربهم من اماكننا الجديدة فقصفناهم وهم يردون علينا على موقعنا القديم ثم اكتشفوا اننا نقصفهم من اماكن اخرى وهنا بدا لقصفهم العشوائى لمدينة القنطرة باحثين عنا بكل طريقة دون جدوى.

    اليوم الرابع للقصف عُدنا باحتراز الى مواقعنا بعد ان اخبرتنا قيادتنا بان حشد المدفعية  غادر مواقعه التى احتلها منذ عدة ايام .. نقوم بترميم موقعنا الذى تهدم جزءاً كبيراً منه تحت ثقل قصفهم الشديد .. استمر العمل يومان على هذا الوضع .. جائنا انذار بتوقع هجمة جوية فطلبت من جنودى الاحتماء بالحفر البرميلية.

       كما سبق وان رويت اننى اقيم فى منزل قديم وبداخل هذا المنزل اعد الجنود ملجأ لتحمل القصفات التى نتعرض اليها من حين لاخر لانه اصبح واضحا اننا محور اهتمام العدو وانهم يريدون الثأر منا لما اصابهم فى يوم 11/4/70 وصل الانذار الى جنودى واختبأ الجميع فى حفر برميلية اعدتها سرية الهاون السابقة بعناية حيث حفروا تلك الحفر الاسطوانية واحضروا براميل صاج ومفتوحة من الجانبين واسقطوها بتلك الحفر وبهذا اصبحت الحفر متماسكة ولا تنهار تحت عوامل الطقس او الانفجارات ولكنهم لم يستخدموها نظرا لعدم حدوث اشتباكات بينهم وبين العدو كما ابلغتنا وحدة الاستطلاع القريبة منا قبل ذلك .. جميع الجنود فى حفرهم .. صعدت الى مبنى مكون من ثلاث طوابق ويأخذ شكل المثلث لاى انسان يتوجه الى مدينة القنطرة غرب وبجواره سوق الخضار حاليا وشاهدته منذ عدة سنوات .. الدور العلوى لم يكن اعد للسكنى ولكنه مزود بشبابيك “شيش فقط” وقفت انظر منه على موقعى فهو يراقب الموقع جيدا وبالخلف اتجاه العدو ولهذا كنت آمنا بان العدو لن يرانى او اصاب من نيران مدافعه .. فجأة لمع شىء فى السماء وانا مازلت واقفا فى وسط هذا الشباك وكل ما حدث هو اننى سمعت انفجارات واصوات حولى وعفار احمر ناتج من مبانى الشقة التى اقف بها ومدفوعا بقوة الى السلم متدحرجا من الدور الثالث الى ان استقريت فى ملجأ ببدروم المبنى لقد تكور جسدى مثل “القنفذ” ومن شدة الدفعة من الانفجارات تدحرجت هكذا الى ان وصلت الملجأ ولانتبه وانا اشاهد بعض جنودى ينظرون الى والهلع فى ملامحهم وانا اقول .. انا فين؟ .. هوه مش انا برضه اسامه والا انا مين؟ .. لقد اصاب الذهول الجميع من القصف لطائراتهم القاذفة التى استمرت بغارتها حوالى نصف ساعة وصل حال بعض الجنود انهم تبرزوا وهم هكذا من شدة الهلع ولا الومهم فهم محقين وهم ينصتون للغارات واصوات ارتطام القنابل الضخمة بجوارنا واصوات انهيارات الابنية حولنا .. انتهت الغارة وكأن على رؤسهم الطير ما بين كسيح غير قادر على الحركة ومابين أخرين يسيرون بدون وعى .. تنبهت على رنيين جرس التليفون .. قائد الكتيبة يطلبنى ليستفسر عن الموقف عندنا وعن الخسائرمن قتلى وجرحى وانا اخبره اننى لا اعلم لاننى لم اجمع السرية بعد وان الجنود مشتتين فى اماكن كثيرة بمبانى المدينة شعر الرجل اننى فى غاية الاضطراب ولكنه شد من ازرى طالبا منى سرعة ابلاغه بالموقف .. عناصر الاستطلاع الخلفية لنا والتابعة لحرس الحدود ابلغت قيادتها وقيادة الجيش بما نتج من الغارة وشدة التدمير الذى لحق بموقع سرية الهاون وكان اكثر المتفائلين قد حسموا الامر بان تلك السرية فقدت على الاقل نصف قوتها قتلى والباقى جرحى.

    لكن عمر الشقى بقى والاعمار بيد الله وحده .. لم يحدث لاى جندى اوصف ضابط مكروه سوى اثنين من الجنود انفجر صاروخ واندفعت رمال ساخنة عليهم فى حفرتهم فادى هذا الى تسلخ بسيط فى ايديهم مع العلاج تعافوا بعد عدة ايام كما لم تحدث خسائر فى الاسلحة او الذخيرة لكن من شدة القصف دفنت غالبية المدافع وصناديق الذخيرة من الانفجارات القريبة ولم تلحق اصابة مباشرة والا كان الموقع انفجر نظرا لكميات الذخيرة التى استعوضناها بعد تدمير مخزن ذخيرة العدو..

     صعدت الى مكان مراقبتى والذى اندفعت منه ساقطا بشكل كورة من الدور الثالث حتى بدروم المبنى فى الملجأ المقام به .. ولشدة دهشتى وعناية الله اننى شاهدت ان المفاصل الحديدية “لشيش” الشباك قد تهشمت من الشظايا الكبيرة التى فى حجم كف الانسان وان الشيش سقط بداخل الغرفة التى انا كنت واقفا بها .. اى ان الشظايا انتشرت يمينا ويسار وقوفى .. قلت سبحان الله والذى ينجى الانسان فى بطن الحوت ويجعل النار بردا وسلاما على ابراهيم ويحمينى من الشظايا القاتلة لان اى شظية منهم كفيلة بقسم جسدى نصفين .

    لمدة اسبوع ونحن نعمل وكل يوم يحضر الملازم اول محمود خميس ببعض جنوده معنا مساعدين مؤازرين لنا وقد تاكد للاسرائليون اننا انتهينا فمضى على قصفنا عدة ايام ونحن لانقوم برد استفزازاتهم وشعر الجميع بالكتيبة بمدى اهميتنا سواء بحمايتهم من قصفات مدافع هاوناتهم او من شدة القصف الذى خصصوا له مجهود جوى خاص بنا .. اتممنا الاسبوع وعاد موقعنا كما كان واستمرت حياتنا مثل سابق عهدها ونناطحهم كما كنا نفعل سابقا وقد ايقن هؤلاء اننا محجبين او ان وحدات اخرى حضرت لتحل محلنا .. اغدق قائد الجيش بالمكافآت المادية على جميع افراد السرية ومكتفيا بان ارسل لى والى النقيب فاروق متولى خطابى شكر على تدمير موقع ذخيرة العدو فى هذا التاريخ (مرفق بظهر الكتاب مع باقى المرفقات).

      نقترب من نهاية شهر اغسطس ومبادرة وزير الخارجية الامريكى فى ذلك الوقت وليم روجرز لوقف اطلاق النيران التى ستدخل حيز التنفيذ بعد اسبوع .. انه اسبوع جهنم فى جبهة القتال .. الطرفان يريدان الثأر وتعاظمت الاشتباكات والمعارك بين الطرفين وكان وقودها الافراد والذخيرة وتساقط القتلى من الطرفين وامتلئت المستشفيات العسكرية وحملت لوارى الجيش رفات الكثير من الجنود والضباط الى اهاليهم وقد نالنا نصيب من هذا وهو قائدنا النقيب فاروق متولى الذى لاقى ربه اثر استشهاده عن شجاعة وحبه للاخرين حيث كان واقفا يدفع بالجنود الى الملجأ هربا من قذف الطائرات المعادية لكتيبتنا فى القنطرة وبعد ان تأكد ان جميع الجنود بالداخل اراد ان يلحق بهم فتلحق به شظية كبيرة لتقسم جانبه الايمن فيقع صارخا وهو يقول الحمد لله ( لبناهام) ولاد الابالسه .. ثم يكمل حديثه وهو يقاوم الموت .. عرفوا الجميع انى مش خايف وانا حاقابل ربنا وانا سعيد .. وينقل الى مستشفى القصاصين العسكرى ولكن الطائرات المغيرة على الطرقات اخرت وصوله فوصل متأخرا وبعد دقائق لاقى ربه راضيا مرضيا شجاعا محبا للاخرين لم يضر انسان ولم يغضب منه احد لانه رجل كان على سجيته صريحا فى القول مخلصا لبلده ودفن بمقابر الشهداء بمدينة الاسماعيلية وقتها قبل ان تنقل الى خارج المدينة.

   تساقطت الطائرات المعادية كالفراش المبثوث وكان منظرا رائعا ونحن نشاهد تهاوى تلك الطائرات من طراز فانتوم وسكاى هوك وتسقط وتشتعل بها النيران والاشتباكات على اشدها حتى تم وقف اطلاق النيران وهدأت المدافع وانتشر القادة يفتشون ويوزعون الجزاءات على الضباط والجنود وكما قال احد زملائنا ..اما قادتنا او العدو.. ثم يعقب قائلا والله العدو ارحم اهو على الاقل بنضربه وفيه تبادل ضرب بينا لكن القادة ملهمشى حل.

      حضر الى سريتنا بعد وقف اطلاق النيران قائد اللواء العقيد مدحت صادق على لمواساة الجنود فى استشهاد النقيب فاروق .. لم اكن اعلم بمدى شعبية هذا القائد لدى جنوده كنت اعتقد اننى الوحيد الذى احبه والاعبه لعبة القط والفأر ولكن ثبت ان جميع الجنود وضباط الصف والذين كانوا يخالفون آرائه فى بعض الاحيان يحبونه ويقدرونه وقد نزل نبأ استشهاده عليهم شديدا وحضر قائد اللواء ليواسينا فى هذا القائد الشجاع وبعد ان جلس عشرة دقائق اراد ان يهون على الجنود بفقدنا لقائدنا المحبوب منا فيقول وعلى كل حال قائد سريتكم مات بره مركز ملاحظته يعنى مش مات وهو بيحارب .. غادرنا بين لعنات الجنود على هذا الحديث الذى جعل استشهاد هذا القائد كأن لم يكن.

      خالجنى شعور غريب لم اتبينه قبل هذا رغم ان النقيب كان كثير التغيب فى الفرق التعليمية ولكننى لم اكن اشعر بقيمة ما لغيابه عنا ولكن بعد استشهاده شعرت بانه اخى الاكبر الذى يعطينى النصيحة والمرشد والموجه والصديق الذى نقضى معا بعض الاوقات فى المرح والسعادة وشعرت ان باقى ضباط الكتيبة يشعرون بهذا الشعور فكل من تعامل معه شعر بصدق مشاعره فلم يذم فى احد ما واذا اراد ان يذمه فيكون امامه لاعنا كل شىء ويدخل فى معارك لفظية معهم ولكن من خلفهم لم يتلفظ عن احد منهم بسؤ .. حتى لوقت قريب جدا فى عطلة عيد الفطر المبارك فى نهاية شهر اكتوبر من هذا العام ..2006 وكنت فى زيارة عائلية للدكتور محمود خميس زميلنا فى القنطرة واستاذ علوم البحار بجامعة الاسكندرية ووكيل الكلية ونتذكر هذا الانسان المحبوب ونحن اكثر الناس التصاقا به منذ ايام قصصه الغرامية الخيالية .. رحم الله الرجل وادخله فسيح جناته.

         صدر قرار وقف اطلاق النار بين مصر واسرائيل بناء على مبادرة امريكية واعدت للتطبيق .. بعد عدة ايام علمنا بالخبر الحزين .. وقد يناطحنى البعض بان كل نفس زائقة الموت .. نعم ولكن بعض الاشخاص حياتهم وفى فترة زمنية معينة لها وضع هام .. اتحدث عن رئيسنا وزعيمنا والقائد الاعلى للقوات المسلحة .. انه جمال عبدالناصر الذى احبه وعشقه الجميع سواء بخطاباته او مواقفه كل هذا عن “بعد” ولكن من تقارب معه وشاهده حتى ولو للحظات يكون له رآى اشد قوة فى حب الزعيم .. والزعامة ليست شهادة دراسية يمكن الحصول عليها ولكنها موهبة الاهية مثل “عبدالوهاب وام كلثوم”.. مات القائد وكانت الجبهة وقتها فى حالة وقف لاطلاق النيران ورغم ما بى من جراح والم مثل الاخرين وخاصة اننا ودعنا قائدنا المباشر النقيب فاروق منذ اقل من اسبوعان الا اننى واجهت موقفا سيئا من الحالة التى وصل اليها الجنود وانا اشاهد عيونهم الزائغة .. عادت بى الذاكرة الى عام 67 والانسحاب ونحن بهذا الشكل لكن مبعثه العطش والجوع والارهاق ورغم كل تلك الظروف كان الامل يغلفنا بأننا سنعود لبلدنا وهناك جمال عبد الناصر .. كنت اتذكر ان غالبية الشعب كانت تقرن جمال عبدالناصر بمشاكلها وخناقتها .. فكان الناس وخاصة الفقراء يصيحون بطلب النجدة من جمال عبدالناصر..

    جمعت جنودى واحادثهم وان هذا ليس آخر المطاف وهم ينظرون الى كأننى انسان قاسى ولاقلب لى ويسألنى احدهم بضيق يخرج عن كل اسلوب الاحترام والانضباط العسكرى قائلا: امال لو مكنتش سلمت عليه وكلمك وكلمته كنت عملت ايه؟ .. ارتبكت قليلا ولكننى اجبتهم جميعا .. لو انكم تحبون هذا الرجل حقيقيا وليس شعاراً لنفذتم نصائحه .. الم يطلب منا الاهتمام بالتدريب والمحافظة على سلاحنا .. هذا هو مطلبه والذى يحبه ويقدره ينفذ ما طلبه منا جميعا مباشرة ومن عدة اشهر .. صمتوا قليلا وكأنهم نفثوا عن انفسهم واخيرا تشجع احدهم قائلا: اعذرنا يا فندم .. اصلها حاجه كبيره..

   كانت السمة الغالبة فى جبهة القتال حالة من الحزن حتى اننى اتذكر ان الرئيس السادات بعدها بعدة اشهر وجهه خطابا واذيع بالراديو ونحن نسمع وننصت لما تخبئه لنا الاقدار هل سنحارب او نكون مصدر قوة لفريق ضد فريق وكأن الجيش بدلا من الدفاع عن الوطن يصبح اداة بطش وقوة .. المذيع فى الراديو يقدم باننا منتظرين خطاب الرئيس السادات .. بعد قليل وهو يعلق ويقول .. ألان ايها الاخوة المستمعون يدخل القاعة الرئيس جمال عبدالناصر.. هتف الجنود مهللين بانها خدعة قام بها الرئيس جمال عبدالناصر .. واستمروا فى هذيانهم عدة اشهر.. هذا للجنود .. اى جميع الافراد ضباطا وجنودا.

     جائنى قائد مدفعية اللواء المقدم حسن سليمان هو رجل من المنصورة مهذب لا تسمع شىء سىء يخرج من لسانه واخبرنى بانه راغب فى ان يلحقنى على الكتيبة المجاورة 537 لان الكتيبة مكلفة بعمل خاص ضد العدو بعد توقف اطلاق النيران ولن اجد اشجع منك لتلك المهمة .. وافقت على الفور وهناك تعرفت على مجموعة جديدة اهم ما يميزهم انه لم يصيبهم وباء الفساد والشللية التى اصبحت هى الشىء الموجود بكتيبتى القديمة .. .قائد الكتيبة الجديدة المقدم اركان حرب /محمد على عبد السلام هيكل .. قادم من قوات الصاعقة ليحصل على دوره فى قيادة كتيبة مشاه .. رئيس العمليات هو الرائد محمد دسوقى الغاياتى وما له من سمعة عطرة فى معهد المشاه .. الاثنان شعرا بان جائهم مظلوم فهما يعلمان اكثر منى بشخصية الاثنان الذين يتوليان الكتيبة السابقة بعد ان انجزنا البطولات قلبوها الى مقلب زبالة وادخلو الفساد بين جنودها وبدا التناحر والشللية ايضا.

      توليت قيادة سرية الهاون يعاوننى الملازم اول احتياط نبيل عزيز صليب .. وهو مهندس زراعى فى حياته المدنيه وبلدياتى اى من مدينة الزقازيق واسعدنا لقائنا ونحن على علاقة مع بعض منذ ان تقابلنا فى قيادة مدفعية اللواء منذ فترة وكان قائد السرية قبلى النقيب رمضان عبد الفتاح وهو من الضباط المشهود لهم بالكفائة وحب جنوده له لما يتميز به من مهارة فى عمله وخلقه .. التدريب يسير على قدم وساق واستمرت خدمتى بالكتيبة حتى مرور سته اشهر ثم تغير موقعنا لنحتل المنطقة خلف مستشفى القصاصين العسكرى .. هنا طلبنى قائد الكتيبة فى وجود المقدم حسن سليمان قائد مدفعية اللواء .. بادرنى قائد الكتيبة بقوله .. اسامه المقدم/ حسن يريد عودتك ثانية الى كتيبتك السابقة وانا رفضت فطلب منى سؤالك وانا اترك لك حرية الاختيار .. يالك من انسان راقى ايها القائد .. سألنى حسن سليمان بصوته الهادىء بانه كقائد مدفعية لواء ويعلم الكثير عن انجازتى فهو يطلب منى العودة الى سريتى السابقة لانقاذها ووضعها فى مكانتها التى تستحقها .. شكرته رافضا عرضه مؤكداً رغبتى فى البقاء بهذه الكتيبه .. شكرنى الرجل وتركت خيمة القائد وسمعته يحادث قائد كتيبتى ويقول: هما الغلطانين فضلوا يضايقوا فيه وطلبوا منى اخلعه من الكتيبة وبعد ماسقطت السرية اللى عملت بطولات بشهادة قائد الجيش يرجعوا يطلبوا منى ارجعه .. احنا بنلعب والا ايه؟ .. شعرت بقليل من الانتصار على هؤلاء الحمقى.

    الشهر القادم مسابقة رماية بالذخيرة الحية على مستوى السرايا الثلاث للهاون باللواء .. وهذه المسابقة تحدد احسن سرية وبالتالى احسن قائد سرية .. تمت المسابقة وفزت بها وكان ترتيب سريتى الاول وسريتى السابقة الثالث اى الاخير  وهذه مسابقة على مستوى الفرقة للسرايا الثلاث الذين فازوا فى كل لواء .. فازت سريتى وكان ترتيبنا الاول .. تأكد للقادة بالكتيبة 538 (كتيبتى السابقة) انهم اضاعوا قائد سرية محنك وارسلوا المفاوضين بعرض عودتى اليهم كاننى لاعب كرة قدم اسرق من نادى الى الاخر فرفضت كل عروضهم .. تغير قائد مدفعية اللواء وعلم بنتائج المسابقات وهنا قرر قائد مدفعية الفرقة ان يقام معسكر مدفعية لسرايا الهاون والمضادة للدبابات فى منطقة مصانع جباسات البلاح ويشمل المعسكر تسعة سرايا هاون وتسعة سرايا م/د ويتولى قيادتها قائد مدفعية اللواء واسرع الرجل بالتصديق لى من قائد الجيش عن طريق قائد الفرقة بحصولى على رتبة نقيب وقتى لاكون ساعده الايمن .. وهكذا اصبحت بحكم موقعى قائداً تنفيذيا لهذا المعسكر ومن بينهم سرية الهاون بكتيبتى القديمة.   

      شعر جنودى السابقون بسعادة انهم اصبحوا يشاهدوننى فقد تعودا على وجودى معهم ثلاثة اعوام معارك وقتال وهى التى تقرب القادة والجنود بعضهم ببعض واعتذروا عما قام به بعض زملائهم لمعاونة البعض برياسة الكتيبة ولكنى لم اتعرض لهذا فانا الان اقود سرية هاون قوية ومعى جنود مهذبين والاهم هى قيادة الكتيبة وطاقم الضباط بها .. مجموعة قوية متجانسة.

       رتبت اجازتى الميدانية مع موعد زفاف مدحت والذى اقترب موعده وتسلم شقة حديثة فى الجهة الاخرى من النيل فى اتجاه حديقة الاورمان اى انه اصبح من سكان الجيزة سعدت سعادة كبيرة وانا اشاهده فى كوشة الزفاف بجوار عروسه ويماثل البدر المنير ليلة ضيائه وقد عاودتنى الذكرى الاولى والتى شاهدته فيها لاول مرة وهو راقد فى مستشفى المعادى تائها لاحول ولاقوة ولايعرف من هو ومن يكون؟ .. ان الله يسخر من عباده لمعاونة الاخرين وقد سعدت بهذا ان انال هذا الشرف وان اكون احد هؤلاء الذين يدخلون السعادة على قلوب الاخرين كما كانت عائلته غاية فى الكرم معى فها نحن نقترب من عامنا الخامس وعلاقتنا على احسن ما يكون ولم اشعر فى يوم من الايام اننى القى معاملة اقل ان لم يكن افضل وكان هذا نابعا من اصالة الاسرة ..

     تهمس علا فى اذنى عقبالنا يا اسامة وانا اؤيدها فيما تقول ثم تضيف هل اقترب موعد اللقاء ام مازال هناك بعض الوقت؟ .. كنت لا ادرى كيف اجيبها وقد اشتعلت نيران الحب والشوق بيننا ثم تكمل حديثها .. اذا كنت تفكر فى الماديات فهذا آخر شىء نفكر فيه نحن بشر اولاً واخيراً وهو الابقى .. اما ما يقاس بالمال او غيره فهو زائل ومن ليس معه اليوم يكون معه غدا بينما انفى هذا التفكير من فكرها فلقد من الله على بخيره وها انا قليل النفقات وبعد ان اضع مبلغا من المال فى بداية كل شهر بيد امى لتساعد فى نفقات المنزل المتزايدة خاصة بعد بلوغ والدى سن المعاش وزيادة المصروفات لانتقال اشقائى الى مراحل تعليم اعلا وخاصة شقيقتاى اللتين اصبحتا فى سن المراهقة ويرتدين ملابس الفتيات وهى من كثرتها وتنوعها تحتاج الى كثرة النفقات اما ما يتبقى معى فاضعه فى حسابى بالبنك واجنبه حتى استخدمه فى اعداد مستقبلى العائلى واكون مستعدا لكل نفقات الزواج .. انا اعلم ان عائلة علا ثرية فقد تبقى لهم بعد مرحلتى قوانين التأميم بعض الاموال حيث كان والدها رحمة الله عليه الحاج هشام عليوه صاحب مطحن دقيق فى منطقة مصر القديمة واممت الحكومة مطحنه فى قوانين يوليو الاشتراكية عام 61 وكان قبلها بعدة شهور قد انتهى من تطوير مطحنه وصرف عليه الكثير مقترضا من البنك ولكن الحكومة اخذت المطحن وتركت الديون ليتحملها الرجل وعينته موظفا فى مطحنه براتب بسيط وعليه ان يوقع مثل باقى الموظفين وفى يوم وليلة انتقل من صاحب مال الى موظف يجلس مع موظفيه السابقين يعطون له التعليمات وينفثون فيه حقدهم الطبقى واتوا بشخص ما ليجلس فى مكتبه ويركب سيارته ويقودها سائقه فلم يستطع تحمل هذا الظلم فمرض وبقى طريح الفراش مشلولا حتى توفاه الله بعد مرور عام على حادثة التأميم وهكذا ظلم الانسان اخيه الانسان بدعوى العدل والاشتراكية واعطى الكسلان الخامل عرق ومجهود المكافح وهذا ضد طبيعة البشرية وضد ارادة الله لكن الله سلم بانهم كانوا يمتلكون بعض الاموال السائلة فى مكان ما قبل تلك الاجراءات وقطعة ارض قريبة من القاهرة ارتفع ثمنها واستطاعوا ان يحافظوا على مستواهم الذى عاشوا فيه قبل ذلك.

      طمأنت علا بان كل شىء قادم فى موعده وهى مازالت تستحثنى على اتخاذ اجراء ما خاصة ان مدحت ترك الفيلا وسيقيم بعيدا عنهم وبالتالى تكون زيارتى مؤيدة باننى خطيب لابنتهم وها هى علا نبهتنى الى شىء خطير وانه لن استطع بعد اليوم ان اذهب واعيش بينهم كما كان يحدث فى الماضى وباى صفة سوف اقيم؟

      اجيبها باننى مازلت متخوفا من الزواج ومازالت البلد تنتظر حربا ولكنها تجيبنى بان كثير من الشباب يتزوجون ولا دخل للحروب بالزواج واحاول اقناعها باننى اذا تذوقت هذا الجمال الرائع والسعادة الغامرة كيف استطيع تركه واعود لوحدتى انتظر حوالى اربعة اسابيع ثم اعود اليه ثانية فتضحك لهذا الاطراء وتقول شىء قليل افضل من لاشىء واؤيدها فى هذا .. كان مبعث خوفى هو ما شاهدته وعاصرته من روايات عن شهداء تركوا زوجاتهم حوامل فى الشهور الاولى وسوف تنجب الزوجات وبعد فترة تتزوج شخصا آخر يقوم بتربية ابن الشهيد .. ايحسن معاملته؟ .. كنت اشك فى هذا .. اذن ما الذى يدفعنى الى هذا وما الاستعجال وتلمح لى بانها اقتربت من الثمانية والعشرين وان شقيقتها دينا تعمل الان وهناك شخص يطلب ودها ويرغب فى الحضور لقرآة الفاتحة وكلها امور تثير النفس وتساعد على الاندفاع نحوالعاطفة المؤجلة .. اشاهدها تسير بين المدعويين وهى رائعة الجمال وما وهبها الله من جمال طبيعى وجسد متناسق وطول فارع وقسمات وجه معبرة والبعض من المدعويين ينظرون اليها خلسة ليمتعوا اعينهم بهذا المخلوق بديع التكوين وانا شاعر بسعادة غامرة ان يكون قلب هذه الجميلة هو لى وحدى وانها تريدنى اليوم قبل الغد وخاصة ان علاقتنا كانت سامية ولم تخرج عن تبادل كلمات الاعجاب بتسريحتها او ملابسها واناقتها ولم نكن نفعل مثل الاخرين لاننا نعلم ان كل خطوة لها حقوق وواجبات وطالما لم نقوم بسداد الواجبات فليس لنا حقوق كما كان شعورى الداخلى باستئمان ماما وداد على ابنتيها معى هو عامل هام فى زيادة الامانه والسمو بها فوق كل رغبة عابرة او مكبوتة.

      اليوم التالى توجهت مع قائد الكتيبة للقاء قائد قطاع بورسعيد لتنظيم تعاون وهناك استأذنتهم بعد انتهاء ما حضرنا من اجله تركتهما يتناولا الغذاء واخذت السيارة الجيب يقودها العريف/ سعيد متجها الى محل “الشامى” بائع البسبوسة وسألت احد اصحاب الدكاكين عن عم علوه المزين وافادنى بانه بعافيه من يومين “مريض” واذا اردت زيارته فسادلك على منزله  .. انا امام منزل عم عليوه المزين والذى قابلنى فى بورسعيد بعد عودتى من انسحاب  67 وحلق شعر راسى وينتظر عودة ابنه من الحرب .. معى مرافقى من ابناء بورسعيد بعد ان دق على باب منزل قديم وفتحت الباب فتاة جميلة حباها الله بنعمته اخبرها بان ضيف يريد عم عليوه .. اشارت لى الفتاة بالدخول وهى تنظر الى مليا ثم بعد دقائق طلبت منى التوجه لحجرة والدها المريض .. الرجل جالسا فى سريره وبجواره زوجته وابنه البالغ من العمر اثنى عشرة عاما كما اخبرنى بعد ذلك .. اصافحه واقول له ازيك بابا عليوه .. وينظر الى الرجل بتمعن ويقول والله الشكل غريب على ولكن الصوت وكلمة بابا دية محدش قالهالى من يوم المرحوم ممدوح غير واحد ربنا يعيده واشوفه .. سألته ومن هو؟ اجابنى ظابط ابن حلال قابلته فى بورسعيد من تلات سنين صحيح كان متبهدل ووشه وارم ومسلخ لكنه ابن حلال تصور قاللى بابا عليوه .. احتضنته وانا اخبره باننى هذا الشاب .. يبكى ضاحكا والله الدنيا دية صُغيره .. ينظر جهة زوجته قائلا: فاكره ياخديجه (والتى وقفت ترحب بى )” مش قلت لكِ انى نفسى اشوف الشاب ابن الحلال اللى قاللى بابا عليوه .. والنبى تقولها .. ارددها بابا عليوه وابنته تنظر الى وتسأل وعلى وجهها الجميل ابتسامة ساحرة .. طيب واسم اخويا ايه؟ .. اخبرهم أسامه .. اسامه الصادق .. اعد هؤلاء القوم الطيبين الفقراء احتفالا مبعثه الحب النابع من القلب ولاشىء سواه فتشاهده وتشعر به ولولا اننى عائد آخر اليوم الى وحدتى مع قائدى لامضيت الليل عندهم .. عرفوا منى اخبارى وعرفت اخبارهم وان ممدوح مازال يعتبر مفقوداً والرجل يقول استعوضته عند ربنا والبركة فى حمدى ابنى الصغير حيبقى راجل ويخلى باله منى ومن امه ومن سحر بنتى .. شفت بنتى سحر حلوه ازاى .. انظر اليها وقد تورد وجهها من ثناء والدها واقول لها من ناحية حلوه مافيش بعد كده .. تدفعنى فى يدى وهى تقول : مابلاش الكلام اللى يكسف ياخويا .. حضر حمدى ليجلس بجوارى واضعا كوعه على صدرى ونام على هذا الوضع مستيقظا .. اما الام خديجة فارادت ان ُتعد طعاما لنا وقد اقترب الوقت من الثانية بعد الظهر ولكنه طلب منها ان تسألنى عما اريد تناوله فاجبتهم الموجود بدون ان تعدوا شيئا جديداً راغبا باننى اريد ان اشعر انهم منى وانا منهم .. جلست فترة طويلة حتى تعدت الساعة السادسة واستأذنتهم مغادراً على عودة مرة اخرى ولكن سحر اخبرتنى بان اوامر التهجير الاجبارية وصلتهم وسيقيمون فى بيت عمتهم القديم بحى القلعة وزودتنى بعنوانهم .. تركتهم عائداً الى قائدى وقد شعرت بسرور عظيم لهذا اللقاء الانسانى وانا احدث نفسى قائلا : بقيت عامل شيخ حارة يا اسامة .. ولكنها الحروب التى تقرب الناس وتضعهم فى بوتقة الانسانية .. لقد تقابلت مع العائلات الثلاث (مارى ـ وداد ـ عليوة) كلها فى ظروف نكسة عام 67 تحرك بى العريف سعيد الى لقاء القائد فى قيادة قطاع بورسعيد.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 نحـن نـزرع الشـوك

 

      رقيت الى رتبة النقيب فى الاول من يوليو عام 71 و شعرت اننى محترم نسبيا فقد ودعت رتبة الملازم والملازم اول التى اصابتنى كثيراً بالاحباط من تجاهل القادة الكبار  وومعاملتهم لى باننى مازلت صغيراً احتاج للتوجيه والتقريع من حين لآخر .. اثناء تواجدى بالقاهرة لحضور زفاف مدحت وسعاد فكرت فى زيارة عاطف شقيق الشهيد وليم فاتصلت به تليفونيا وقد مضت عدة اعوام تناسينا اللقاء والزيارة وما لهم من مكانة فى قلبى ومشاعرى ودائما صورة الشهيد وليم امامى لا انساها ابداً حتى اليوم كأنه مازال ماثل امامى بكبريائه  وقوته وتحديه للعدو واعتقد انه شىء طبيعى ان يحدث منه هذا وهو قائد كتيبة دبابات وشاهد وعلم ماحدث لزملائه وجنوده ومصيرهم المحتوم وهم مسحولون خلف الدبابة الاسرائيلية ويرى الاثنان اللذان توفيا ولاقا حتفهما من جراء ذلك .. كان حُب الانتقام شيئا اهم من بقائه حيا هو ومعاونيه مثلنا بالضبط فقد دخلنا تلك المعركة البائسة ونحن لانملك سوى اثنتى عشرة طلقة من بنادقنا الضعيفة امام ترسانة اسلحة الدبابة.

      جاء صوت روز قرينة وليم عبر التليفون بصوتها الذى لايمكن ان انساه وهى باكية فى اول لقاء يجمعنا مع الاسرة وتمسك بيدى قائلة : استحلفك بالمسيح ان تقول الحقيقة .. هل وليم مات كما قال لى عاطف او انكم تحاولون اظهاره بمظهر البطل .. واجبتها بان وليم لم يمت انما هو شهيد وهناك فارق كبير بين هذا وذاك ثم ما الداعى لان نقول رواية مثل هذه ولو انه مات بدون بطولة لما ذكرت القصة لشقيقه ولكنها رواية صادقة حقيقية يفخر كل انسان بها .. الا تسمعين قصص الساموراى .. وهم الانتحاريون اليابانيون فى الحرب العالمية الثانية .. الم نكن نشعر بالفخر لهؤلاء الابطال وعندما يقوم بها مصريون نحاول اخفائها والتقليل من شانها .. عادت بظهرها للخلف وتنظر الى وليدها عزيز تقبله وتقول اقبلك ياوليم ان نفحتنى هديتك قبل ان تقابل الرب ويسوع.

   احتفلت بى روز فى التليفون بعد ان تأكدت باننى اسامة حبيب وصديق الشهيد وليم لم تكن الاسرة تعترف بصداقتى الا لوليم فقد كان هو محط اهتمامهم وهو الغائب الحاضر دائما بسيرته التى اصبحت مضرب الامثال وتحكى عنها فى الكنيسة ويكررها الاب متى مقار راعى كنيستهم كما اخبرونى بذلك مشددا على الجيل الجديد انه “لاصلح ولامهادنة مع هؤلاء اليهود الكفرة بديننا .. دين المسيح الذى عذبوه وقتلوه وصلبوه” .. سألتها عن احوالهم فاخبرتنى بان الام مارى مريضة منذ عدة ايام وسألت عنك عاطف الذى اخبرها بانه لايعلم اى معلومات عنك .. انها تتمنى ان تراك وهى دائما تقول ان مشاهدتى لكل من عزيز وليم واسامه صديق القديس وليم هما اهم شىء عندى فى ايامى الاخيرة .. سالتها عن مكانها الان فاخبرتنى بان عاطف رافقها الى الطبيب فانوس عبدالمسيح ولقد تحيرت اين يكون هذا الطبيب فوصفت مكانه ثم قالت لى تعالى انتظرهم وقد يعودوا قبل ان تصل اليهم شكرتها باننى سوف اكون فى ضيافتهم تلك الليلة .. توجهت مسرعا الى الطبيب حسب العنوان وقد شاهدتهم يغادرون الاسانسير بعد ان قامت بزيارة الطبيب .. اقبلت عليها وعاطف مشغول بمساعدتها وقفت قائلا: ماما مارى .. نظرت الى قليلا وعاطف تركها تتذكر ثم هتفت حبيب القديس وليم .. اجبتها وانا احتضنها .. آه انا آسف لتأخرى عنك الف سلامة على صحتك .. نظرت الى عاطف وتقول عاطف اترك “وليم !!” يقوم بمهمتك .. ابتسم الابن لتلك العلامة السعيدة المفرحة التى بدرت من امه وامسكت بيدها مساعدا لها حتى وصلنا خارج العمارة واوقف عاطف تاكسى متجه بنا الى منطقة الضاهر بوسط القاهرة حيث منزلهم وطوال الطريق تطلب منى التحدث وانا اقص عليها كل ما استطيع ان اتذكره من احوالى وذكرياتى فى تلك الفترة وهى تقول كاننى اسمع وليم .. وصلنا الى المنزل وكانت “روز” فى الانتظار فشاهدتنى معهم فصافحتنى محيية وتقول لى انظر .. ابن وليم كبر ازاى .. الطفل يسير بجوار امه ناظرا الى هذا المخلوق الجديد عليه فرفعته من على الارض اقبله واحتضنه وام وليم دامعة العين وعاطف يسألها لماذا تبكين يا أمى وهى تنظر اليه انت لا تفهم فى المشاعر انه ليس بكاء بل السرور والسعادة ان رايت وليم ثانية .. اجلس بجوارى ياوليم وقص على كل اخبارك .. نظرت اليهم وانا عاجز عن الاجابة وعاطف يقول لاتغضب من ماما .. هى هكذا لاترى فارقا بينك وبين وليم .. كل مايخص وليم تلصقه بك.

    ذكرت لهم قصة ماحدث فى الفردان واقبلت روز حاملة مشروبات مثلجة لنا .. فطلبت منى ان ابدأ من اول الحكاية اروى لهم وهم فى شغف من حديثى .. والام تقول ياه .. عشرون شهرا ولم تأكل الارض اجسادهم اخبرتها بما رأيت وشاهده معى زملائى فى الموقع وعاطف يقول انها قصة عجيبة .. ولكنى اؤكد لهم انها مذكورة فى كتابنا المقدس القرآن ولم اتذكر السورة التى تتحدث عن ذلك .. تنظر الام الى ابنها وزوجة ابنها الشهيد وهى تقول تنتقدون كلامى .. كل زيارة منك يا ابنى العزيز اشعر بسعادة اكثر واشعر ان تضحية وليم كانت هى اسعد الاعمال التى شاهدتها فى حياتى ولكنه الفراق .. تعيد البكاء وانا اطلب منهم تركها لدموعها .. جلست انظر اليها واقول ان تلك الامهات المصريات هن اللائى يتحملن العبء الاكبر فى تلك الحروب بالتضحية بفلذات اكبادهن سواء ماما مارى او ماما وداد وهنا نبهنى وسألنى عاطف عما حدث مع صاحبة السيارة المرسيدس فاخبرتهم بالرواية والام مارى تمسك بيدى وتقول انك انسان تستحق منا كل تقدير وتحية .. امضيت وقتا طيبا معهم وحاولوا ان اتناول الطعام معهم معتذرين بانه لن يكون كما تهوى حيث اننا فى فترة صيامنا واعداد الطعام بالزيت لن يستهويك شكرتهم بعد ان طلبت منى الام مارى ان اودهم من حين لآخر.. سار معى عاطف الى باب الشقة وسألته .. عاطف هل انا شبيه وليم لتلك الدرجة ضحك وهو يضربنى فى كتفى ويقول بالشكل لا ولكن امى دائما عندما تتذكر وليم تتذكرك لانك آخر من رآه ويعلم كل شىء عنه .. الم تسمع اغنية عبد الوهاب “مريت على بيت الحبايب” اجبته اجل وما وجه الشبه بين هذا وذاك .. اعاد ضحكاته بصوته الجهورى انها تتذكر الحبيب بك .. قبلنى وهو يودعنى على السلم مؤكداً بان لا انساهم ويقول انك رايت بنفسك وشعرت بمدى اهمية وجودك معنا من حين لاخر.

        غادرتهم وانا غارق فى انفعالاتى وحبى لتلك الاسرة ومازلت ارى الصورة المضيئة والدبابات منفجرة وتشتعل بها النيران والطائرة الهليكوبتر منفجرة هى الاخرى والنيران مشتعلة بها وفى نفس الوقت لا انسى الثلاثة عشر شهيدا فاشعر بحزن فى قلبى تجاه هؤلاء الاعداء واقول فى نفسى ان الرائد/ سعد يونس كان على حق عندما امرنى ان استمر فى قصفهم .. آه لقد نسيت تلك الرواية البطولية كان يجب ان اقصها عليهم .. فى الزيارة القادمة سوف امتعهم بها.

        تركنا المقدم /عبد السلام هيكل ونقل الى وحدة اخرى وجاء المقدم فريد مندور.. انهما على خلاف فى كل شىء .. ورغم انه حاصل على شهادة اركان حرب  وكان مدرسا بمعهد المشاه ثم انتقل الى الادارات المختلفة .. اقول ما يتبادر فى عقلى وذهنى فهو راى شخصى فقط .. ان المسئولين يخطؤا بتعيين قادة لم يتمرسوا على قيادة الوحدات الصغرى منذ نعومة اظفارهم فى الخدمة بالقوات المسلحة خاصة فى فترة الحرب .. ان اهم شىء فى دراسة الكليات العسكرية والتى لا يفهمها المدنيين وفى محاوراتهم يتهموننا باننا نمكث فترة قصيرة ونتخرج ضباط هو تلك المعرفة بنظام واسلوب الادارة للجنود .. فبعد فترة فى المستوى الاصغر”فصيلة” سواء فى المشاه اوباقى الاسلحة نحصل على فرق لقيادة المستوى الاكبر”سرية” فتكون لدينا الخبرة التى تمرسنا عليها مع المستوى الاقل فتفيدنا مع المستوى الاكبر مع الفرق التعليمية التى نحصل عليها ثم بعد فترة زمنيه نترقى ونقود مستوى اعلا “كتيبة” ونحصل على فرقة قيادة كتيبة وهنا نجمع مابين الدراسة والتدريب العملى على القيادة .. وهكذا واعلم بان مستوى القيادة الوسطى بالجيش يحتاج الى مايقرب من سبع سنوات دورات تدريبية”حتى مستوى العقيد” ثم مستوى القيادة العليا “لواء” يحتاج حتى تسع سنوات .. لو تمت دراسة كل هذا فترة واحدة بالكليات العسكرية والطالب صغير لن يفهم شيئا لانه ببساطة مطلوب منه اتجاهين متوازيين فى الكفاءة العسكرية وهى الخبرة والدراسة .. هنا الفارق بين الضابط الدارس والذى يبقى فترات طويلة بعيدا عن قيادة الوحدات المختلفة والضابط المتمرس فى التشكيلات والذى بدأ بمستوى “فصيلة مشاه والتى تعتبر اصغرالوحدات العسكرية فى التنظيم ثم سرية مشاه  ثم الكتيبة ثم لواء ثم مستوى الفرقة .. مع التنوع والمعرفة بالاسلحة المشتركة ولهذا اقول”نحن نزرع الشوك لانفسنا” لماذا لان القيادة لاى قائد لم يعمل بالتشكيلات فترة طويلة ويعين كقائد كتيبة من اجل ان يترقى فتحدث هوة واسعة بين سلطاته الكثيرة وقدراته القيادية الضعيفة فيعوضها بالجزاءات او الشللية او اى شىء خلاف قدرته على القياده الواعية الفاهمة المدركة لكل امور الموقف العسكرى .. وهذا ما لمسته .. كان المقدم/فريد مندور ذا معلومات عسكرية على اعلا مستوى لكنه لايستطيع تطبيقها او لايستطــيـع ادارة الجنود فى المشاريع والتدريبات للوحدات سواء بدون ذخيرة او بالذخيرة الحية مثل سابقيه المحنكين .. كل اهتمامه منصب على الضبط والربط وقدرة مرؤسيه على حفظ المعلومات النظرية الموجودة بالكتب والكروكيات والقرارات والخرائط .. انها مشكلة كبيرة عانيت منها ومعى الكثيرين وسوف نعلم ما حدث من امثال تلك القيادات وانا هنا ليس لى الحق فى انتقادهم فهم قادة اعلى منى رتبة وليس لى سوى تأدية التحية العسكرية ثم تنفيذ التعليمات ولكن تنفيذ تعليماتهم خطر على الوحدة وتؤدى الى خسائر بين الضباط والجنود.

       قائدنا فريد مندور البعض يعرفه من معهد المشاه ولم يسبق لى لقائه او التعامل معه .. تولى القيادة فاصطدم اول الامر برئيس العمليات الرائد محمد الذى يتمتع بكم من المعلومات والخبرة والمهذب فى تعامله ثم توالى اصطدامه ببعض الضباط .. فكان يتوجه لكل وحدة مستفسراً عن بعض الاسئلة الموجودة بكتب التكتيك والتى يحفظها عن ظهر قلب ولكن الدراسة شىء والحياة العملية وخاصة فى الحروب شىء آخر.

     وبدا البعض يطلق عليه اسماء كودية .. اما انا فما زلت مثل ماكنت فى كتيبتى السابقة بعيدا عن تلك المهاترات .. فما لا اقبله على نفسى لا اقبله على الاخرين وحادثة الجنديان من سريتى وهما يتناولان ضعفى بالمعلومات الخاصة بسريتى ليست ببعيده وكما احزننى وازعجنى هذا فسيحدث لاى قائد مثل هذا الشعور .. وان اهم شىء فى القوات المسلحة هو الضبط والربط هو مثل القلب الذى يدفع بالدماء فى اجزاء الجسم فبدون الانضباط واحترام الاقدمية يصبح شيئا آخر غير قوات مسلحة.

     يوجد بكتيبتنا مجموعة من الضباط ابناء الاسكنرية هم متفوقون فى اعمالهم ولكن يقابل هذا التفوق العملى تفوق فى الحديث والمجاملة واستطاعت تلك الفئة السيطرة على هذا القائد واصبحت جلساتهم المسائية اليومية هى اهم شىء لهذا القائد وفى تلك الجلسات يحصلون على اجازات ومنح وفرق ويغتبون هذا المعادى لهم ويرفعون ذاك الزيل فى ركابهم .. وهكذا وجدت نفسى وانا اقدم نقيب فى الكتيبة وترتيبى بعد رئيس العمليات فى الاقدمية اقود سرية هاون وقادة سرايا المشاه احدث منى .. ومن المعروف ان قائد الوحدة المشاه تلحق عليه اوتكون فى معاونته وحدات معاونة مثل سرية الهاون او سرية الم/د فاى انسان يتخيل ان اكون معاونا لسرية مشاه يقودها ضابط احدث منى بفترات واتلقى منه التعليمات والاوامر وكما سبق وان تحدثت ان هذا هو عصب القوات المسلحة .. الاقدمية فى الترقيم العسكرى.

        تركته كما هو يفعل مايريد لانه القائد وانا قائد وحدة فرعية لديه فى الكتيبة ومازلت سعيدا بعملى مع هؤلاء الجنود الذى يثمر فيهم التدريب اما علاقتى بمجموعة الاسكندرية فكانت جيدة وهم فى حالهم وانا فى حالى واعلم عنهم الكثير كما انهم كانوا يخشون ان تحدث بينى وبينهم منازعات ان تتضخم لاننى كما قلت اقدم منهم  ولهذا فيجب الاحترام بيننا وهم فازوا برضاء قائد الكتيبة وتعاطف معهم.

       قبل منتصف 72 طلبنى قائد الكتيبة ليخبرنى بانه يجب على التوجه لمعهد المشاه للحصول على فرقة قادة سرايا مشاه .. لم يكن هذا صادرا منه ولكنها تعليمات افراد الفرقة التى تفند ملفات كل ضابط وتلاحظ الاقدميات وما حصل عليه كل ضابط من فرق عسكرية .. خضعت للامر .. يعمل معى فى سرية الهاون اثنان من الضباط استطعت فى خلال العام الماضى ان يصبح كلا منهم على مستوى عال فى خبرته التدريبية .. كما لحق رئيس العمليات بالقائد السابق ونقل وحل محله رائد آخر

     انا الان بالقاهرة لفترة سبعة اشهر او يزيد وعلى ان اعيش بعيداً عن فيلا دينا فلقد جد جديد وهو زواج مدحت وكيف ساوفق بين وجودى بالقاهرة وزيارتهم .. كانت تلك هى المشكلة التى تواجهنى فانهم لايرون اى مشكلة فى ان اعيد التجربة واقيم معهم ثانية وانا اجد فى ذلك مائة مشكلة .. اولها اننى لا اريد ان اكرر مأساة فرقة الهاون واعود خالى الوفاض من المعلومات .. انها سرية مشاه وفرقتها صعبة وتحتاج مجهود منى .. ثانيا ان مدحت غير متواجد بالمنزل والفرقة طويلة وعلا وصلت الى مرحلة الاندفاع العاطفى الذى لابد ان يلبى عن طريق اتخاذا اجراءات لبداية زواجنا وهى التى كررت مرارا انه لابد من قرآة فاتحة وبعدها بشهرين خطوبة وهكذا وسوف اجد نفسى متدحرجا الى وضع لم استعد له نفسيا .. ثالثا خشيتى ان اجد نفسى فى يوم ما غير مطلوب ومرغوب فيه فستكون مؤلمة لى .. ولهذا اهلت نفسى لان اقيم بميس المشاه بالعباسية وبعد قضاء اسبوعين شعرت اننى اقيم فى معسكر وعنفت نفسى كيف لى ان اعود من جبهة القتال بعد اكثر من خمس سنوات لاقيم فى معسكر هل هذا معقول .. فى اليوم التالى قابلت زميل لى فى معهد المشاه واخبرته بما انا فيه فعرض على ان اقيم بشقة اخية بالهرم وهو متغيب لانه فى بعثة تعليمية بالخارج  حتى نهاية العام وعائد الايجار يفيده بعد عودته .. اعجبتنى الفكرة وعاينت الشقة واتفقنا على ان يخصص لى حجرة ويغلق باقى  الحجرات حفاظا على اثاث الشقة وفى نفس الوقت لاتكلفنى مشاق نظافتها واتفقنا على كل شىء .. شعرت بعد ان انتقلت الى تلك الشقة باننى اعيش مع الناس واننى حر طليق رغم كثرة المذاكرة والواجبات الا انى كنت سعيدا انى ابتعدت عن المعسكر الذى كنت اقيم به .. فى عطلة الاسبوع ازور ماما وداد واسرتها والاسبوع التالى ازور عائلتى بالزقازيق واستفسرت علا منى اين اقيم فاخبرتها فانزعجت من هذا التصرف منددة به وتدخلت الام لتعاتبنى قائلة نحن الان فى اشد الحاجة لك اكثر مما مضى لان مدحت انشغل بزوجته واصبح قليل الزيارات خاصة انه لايستطيع قيادة السيارة ليلا لظروف اصابته  اوضحت لهم باننى اقيم مع زميلين لاعداد المشاريع والخرائط المطلوبة منا .. آه ياسامه لقد كذبت والكذب هنا منجاة من غضبهم او اكون طوع بنانهم واحصل على تقدير ضعيف او مقبول اننى اريد التركيز كما ان عمرى اقترب من الثمانية وعشرين عاما وهذا يدفعنى الى مزيد من التفكير فى علا بطريقة تختلف عما كنت افكر فيها قبل ذلك وقد يدفعنى هذا الى ارتكاب اخطاء لا اعلمها ولكن على الانسان البصير ان يتقى مواطن الشبهات كما فعل سيدنا يوسف وفضل السجن عن مواجهة امرأة العزيز .. انها حواء شديدة التأثير.

     فى نهاية شهر ديسمبر انتهت فرقتى الدراسية ونجحت بتقدير جيد وشعرت باننى حصلت على الكثير من المعلومات واستفدت استفادة كبيرة كما انى شعرت ان علا قل اهتمامها بى ولكن مازالت اسرتها تعيرنى الاهتمام والاحترام .. ودوامت فى تلك الفترة على زيارة اسرة الشهيد وليم شفيق.

     حصلت على معلومات وتدريبات قيمة من تلك الفرقة الدراسية بمعهد المشاة خاصة التركيز والاهتمام بالتحصيل واهم ما لفت نظرى هى المعلومات الواردة من المخابرات الحربية عن خط بارليف .. هذا هو خط الدفاع المتواجد على شرق قناة السويس .. وهو عبارة عن دشم خرسانية على الشاطىء الشرقى مباشرة .. والدشمة تتكون من عدة طوابق .. ما بين طابقين اوثلاث محفور لها فى باطن الارض ومغطاه بالرمال لحمايتها من اسلحتنا الثقيلة .. وبتلك الدشم فتحات او مزاغل يمكن من بداخلها ان يفتح نيران الاسلحة المزودة بها تلك الدشم على اى قوة تحاول العبور من الضفة الغربية للهجوم عليهم .. وهذه النقاط او الدشم يوجد بوسطها منطقة فضاء او صحن من الرمال لتخزين المركبات المدرعة والدبابات .. هذه النقاط القوية مزودة بكل شىء من وسائل الاعاشة والتسلية .. بها اماكن مريحة للنوم وقاعات طعام واماكن للتسلية وارسال تلفزيونى ومزودة بخزانات مياه نظيفة ومولدات كهرباء بالاضافة الى الاسلحة المختلفة التى تفتح نيرانها على قواتنا للقضاء على اى محاولة للهجوم عليهم .. توجد فتحات “مزاغل” بتلك الدشم .. سواء امامية او جانبية يمين ويسار وتستطيع اطلاق النيران على اى قوة مهاجمة على النقطة القوية المجاورة لها بعدة كيلومترات وحمايتها .. سواء يسارها او يمينها .. وتلك النقاط بها اسلحة مضادة للدبابات ورشاشات وهاونات للقضاء على الافراد كما زودت بمواسير باسفلها تدفع منها كميات هائلة من مادة النابالم الحارق الذى بعد دفعه من اسفل القناة يطفو فوق المياه منتشرا لمسافات بعيدة مشتعلا بتأثير الهواء محرقا اى محاولة عبور .. تنتشر على طول واجهة قناة السويس مابين “24 او 28″ نقطة قوية .. تلك النقاط تحيط بها حقول الغام طبقات بعضها فوق بعض حتى من يتمكن من تأمين الالغام السطحية تنفجر فيه الالغام السفلية .. كل نقطة مزودة ببرج مراقبة لمراقبة التحركات لقواتنا كما اعدوا سماعات تلتقط الاحاديث بين المصريين وتسجيلها وارسالها الى جهاز مخابراتهم.

     يربط تلك النقاط اتصال سلكى ولاسلكى على مستوى عال .. كما يوجد مدقات تسمح بسير المركبات ويحميها عن اعين قواتنا ساتر ترابى مرتفع مابين عشرين الى خمسة وعشرين مترا بزاوية ميل ستون درجة .. خلف هذا الساتر توجد مرابض للدبابات”اماكن لفتح النيران وتحمى دباباتهم من اسلحتنا” وبه الذخيرة وتندفع الدبابات لها وتقوم بالاشتباك مع قواتنا سواء بغرب القناة او التى استطاعت التسلل والعبور .. يربط النقاط المدقات لتقديم العون العسكرى والادارى .. نزول الاجازات بواسطة اتوبيسات سياحة مكيفة كما كان يحضر للترفيه عن الجنود بعض الزوار من فنانين وغيرهم وبالطبع العنصر النسائى موجود سواء بالجيش او من الزائرين لهم.

      خلف تلك النقاط بحوالى عشرين كيلومترا توجد نقاط قوية لحماية نقاط الخط الامامى للقناة وبها عناصر مدرعة سواء الدبابات او المشاه الميكانيكى ووحدات مدفعية ومهندسين عسكريين .. اثناء الخطر على تلك النقاط تندفع تلك الوحدات من المدرعات “دبابات او مشاه ميكانيكى” للهجوم على المهاجمين من قواتنا وتسبقها قصفات مدفعية ميدان كثيفة مع معاونة جوية تصل حتى مستوى الفصيلة المشاة او الدبابات .. الاسعاف بطائرات الهليكوبتر للخلف.

طائرات الاستطلاع محلقة باستمرار على خط القناة مصورة ومسجلة كل شىء قبل وقوعة بعدة ساعات مع تواجد عملاء لهم داخل المنطقة والمخابرات الحربية القت القبض عليهم وقدموا للمحاكمة.

      فى اول يوم وصولى الى موقع كتيبتى فى الموقع الثالث بعيدا عن خط القناة يطلبنى المقدم فريد مندور لمقابلته وكان التوقيت ليلاً وانا عائد مرهق فاخبرنى بان اتوجه الى مقر السرية الثالثة مشاه ميكانيكى فقد اصبحت كتيبتنا محملة على مركبات “توباز”وباقى اللواء ايضا ولكنى طلبت منه تأجيل ذلك للغد ولكنه افهمنى بانه امر رقيب اول سرية الهاون بنقل كل ما يخصنى الى السرية الثالثة ثم اكمل حديثه قائلا “حسن ابراهيم” قائد السرية السابق سيظل بالسرية معك قائد ثان لك ويجب عليك ان تعلمه اساس العسكرية وتضغط عليه لانه ضابط مفلوت .. ادهشنى حديث القائد لى عن زميلى حسن وهو الذى كان يجالسه ولايرفض له رغبة او طلبا يريده .. النقيب حسن هو الدفعة التى تلينى فى الاقدمية بينما توجد سريتان مشاه ضباطها احدث من حسن فى الاقدمية العامة وهاكذا اراد قائد الكتيبة ان يضرب حسن بى .. ثم سالنى سؤلا لايجب ان يسأل اذ قال: هل تستطيع ان تلجمة وتضغط عليه؟ فاجبته اننا فى الجيش وحسب الاقدمية سيكون هو التالى لى وعليه تنفيذ تعليماتى سواء رغب او لم يرغب .. اسعده ردى هذا موضحا انه اذا لم يمتثل للاوامر فيجب على كتابة تقريرا عنه واحضره له للتصرف معه .. ودعته متوجها الى السرية الثالثة وهناك قابلنى حسن بحفاوته المعهوده بيننا وسألنى هل قابلت قائد الكتيبة فاخبرته بالايجاب وسألنى عما اوضحه لى ولكننى لم اجبه الا بانه يتمنى لى قيادة موفقة للسرية ثم اخبرته بانك ستظل معى فى السرية ونتعاون معا لنرفع من شأنها وافقنى الرأى موضحا بان قائد الكتيبة يطمع فى ان نشتبك سويا فى موقعنا هذا ونفيت ذلك باننا نعمل معا فقط ويحكمنا القانون العسكرى والتقاليد المتبعة فى مثل تلك الظروف والاحوال .. واضاف حسن قائلا :اسامة ستجدنى امام الجنود مثال للضبط والربط ولن ادع هذا القائد (…….) وافاض بكلام غير لائق فى حقه ….. وعلمت بعد ذلك انه حدث سؤ تفاهم بينهم.

    نواصل التدريب وامورنا انا وحسن على اطيب ما يكون ويحضر قائد الكتيبة ليتشفى فى حسن وهو يؤدى لى التحية العسكرية كقائد له ويعطينى تمام السرية .. حسن يتمتع بصحة نفسية رغم توتره فى بعض الاحيان على الاخرين ولكنه التزم بكل ما يمليه عليه الموقف حبا فى العمل معا وعدم اعطاء القائد زريعة يمسكها ضده بواسطتى .. فهمنا الرجل وعلى هذا الاساس سار بنا العمل هينا بدون مشاكل والقائد من حين لاخر يطلبنى فى مكتبه مستفسرا منى عن تصرفات حسن ثم فى احدى المرات قال لى ايه الحكاية انت “بتغطى عليه”.. كان لفظا شديدا غير لائق وهنا رفعت صوتى ضده قائلا لايجب ان تقول هذا عنا انها اهانة لنا نحن الاثنان وانا اريد التوجه الى قائد اللواء لاعرض عليه الامر وفوجىء بما قلته واحتمال انه لم يكن يتوقعه .. المهم سارت بنا الامور حسنة وتأكدت ان فريد مندور مندفع ويريد الايقاع بالنقيب حسن ابراهيم باى طريقة.

     نواصل التدريب بمناورات شديدة ولمسافات بعيدة مستخدمين المركبات المدرعة لعدة ايام وهناك تسابق وتعاون بيننا وبين كتيبة الدبابات لان تكتيكات المشاه المترجل تختلف فى بعض المواقف عن تكتيكات المشاه الميكانيكى .. شهر ابريل من عام73 اجرى اختبار الترقى لرتبة الرائد وعُدت من الامتحان مساء نفس اليوم .. كنت خلالها احتل بسريتى موقعا بجزيرة البلاح فى شمال الجزيرة وفى صباح اليوم التالى اسمع اصوات انفجارات فى الصباح فخرجت استوضح الامر فاخبرنى جندى الحراسة بان بعض الضباط يستخدمون المفرقعات لصيد الاسماك .. كانت قد صدرت تعليمات من قائد الجيش بعدم استخدام المفرقعات فى صيد الاسماك والمنطقة الوحيدة التى يحدث بها هذا هو منطقة البلاح حيث القناة الخلفية لنا ولا تقع عليها القوات الاسرائيلية ولهذا فيقوم القادة بصيد الاسماك بالمفرقعات والتى يكون عائدها ضخما من كميات الاسماك التى تورد الى القادة والمحاسيب ولهذا امر قائد الجيش باطلاق النيران على من يقوم بهذا العمل وابلغت جميع وحدات الجيش الثانى بذلك ونحن منهم وخاصة اننا المسئولون عن الجزيرة .. طلبت من طاقم مدفع الماكينة المجاور مدفعا فاحضروه  وضبطت اتجاه ومسافة الرمى فى اتجاه مجموعة ضباط الصيد  وعربتهم الجيب التى يستقلونها .. وفتحت دفعة نيران عليهم فانبطحوا ارضا وقفذ بعضهم فى المياه واصابت الرصاصات كاوتش السيارة وحدث هلع بينهم .. بعد عشرة دقائق اتصلت بى قيادة الكتيبة تستفسرمنى عن كيفية اطلاق الاسرائيليون النار على ضباط قيادة الفرقة فاخبرتهم بما حدث واننى الذى اطلقت النار تنفيذا لتعليمات قيادة الجيش .. بعد قليل اتصل بى نائب احكام الفرقة ” ما يماثل وكيل النيابة” طالبا منى المثول امامه فى القيادة للتحقيق معى بتهمة اطلاق النيران على ضباط القيادة فرفضت فابلغنى بانه سيرسل بسرية الشرطة العسكرية باوامر منه لالقاء القبض على .. قفلت سماعة التليفون فى وجهه وامرت قواتى بمنع دخول احد الجزيرة واحضرت كل القوارب الى داخل الجزيرة واعددت بعض مدافع الماكينة لاطلاق النيران على اى قوات تحاول دخول الجزيرة والقدوم لى .. توتر الموقف واستدعى فريد مندور من اجازته وحضر قائد الفرقة من مؤتمر القيادة العامة بالقاهرة حيث ابلغوه بان قائد سرية الشمال فى البلاح تمرد بجنوده واطلق نيران اسلحته على ضباط القيادة وهم يستطلعون المواقع وانه هدد بضرب اى احد او اى قوة تحضر لمسائلته بجزيرة البلاح .. شعرت القيادات بان هناك تمردا وقد اكدت عناصر الاستطلاع اطلاق نيران من جزيرة البلاح على ضباط قيادة الفرقة .. استمر هذا الحال ثلاثة ايام لايستطيعون الدخول الى الجزيرة وانا اطلب منهم عند الاتصال تليفونيا بى حضور قائد الجيش او وزير الحربية وتخوفت القيادة ان تسرى تلك العدوة بالقوات المختلفة وهنا حضر قائد الفرقة شخصيا العميد اركان حرب فؤاد عزيز غالى ويرفع صوته من الجهة الاخرى قائلا انا اللى جاى يا اسامه ممكن اعدى وهنا ارسلت له القارب ليحضر الى الجزيرة .. استقبلته فى موقعى بالجزيرة ويصافحنى قائلا اهلا بالراجل الهمام .. عرفت كل حاجه وانك ضابط جدع وبتنفذ التعليمات برافو عليك وكل ما قام بالصيد وقعت عليه العقوبة .. لم يعد انسان كان بعد هذا الحادث ان يقترب من مياه القناة للصيد مستخدما المتفجرات حيث ارسلت قيادة الجيش بنبأ اطلاق النيران على مجموعة ضباط قيادة الفرقة 18 وكادوا ان يقتلوا ووقع عليهم الجزاءات الرادعة .. لقد اصبح الامر حقيقة وكل خاف ان يلقى مصرعه ويحاكم بعد ذلك.. 

    بداية عام 73 وكنت استعد لحضور زفاف”اكليل” المقدم عاطف شفيق على عروسه مريم ميخائيل وافكر لقد تاخر عاطف فى زواجه وفى اجازتى السابقة استفسرت منى والدتى لماذا لم اتخذ خطوة حتى الان مع علا طالما ان العائلة تحبك وتحبهم والفتاة من حين لاخر تطالبك باتخاذ خطوة ما .. العمر يجرى بكم وخاصة بها كفتاة وانا اعرب لها عن مخاوفى الغير مباشرة حتى لاتنزعج فمن غير المعقول ان اخبرها اننى اخاف ان اتركها مثل ماترك وليم زوجته وخاصة بعد ما سمعت رغبة ام وليم بانها كانت راغبة فى ان اكون البديل لابنها وليم واتزوج روز وهذه رغبة غريبة ان تبادر ام لتضع شخصا آخر مكان ابنها فى اهم شىء يمس حياة الانسان فى مصر وهى الزوجة والعنصر الاخر الاشد غرابة هو اختلاف الاديان فمن غير المعقول ان توافق اسرة مسيحية على زواج مسلم باحدى بناتهم انه شعور خفى ليس له مايبرره لكنه موجود بين الديانتين .. اذن فما الدافع لهذا والعائلات المسلمة لم تخلو من مسلمات اتجه للزواج من احداهن وخاصة ان لى قلب معلق فى المنيل بتلك الفتاة الرائعة الجمال والتى ارادت مكافأتى على ماقمت به من اسعادهم فى التقريب بينهم وبين ابنهم الغائب الذى لا يعلمون عنه شيئا.

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech