Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

وعلي قدميه عاد - بقلم اللواء طيار جاد الكريم نصر

 

" وعلي قدميه عاد

"

بقلم

لواء طيار أ.ح / جاد الكريم نصر محمد الطرابيلي

 

.... إهداء

.. الي أرواح الشهداء الطاهره

.. الي مصابي حرب أكتوبر 73

.. الي قائد اللواء الجوي 306

.. الي قادتي وزملائي من أبناء اللواء الذين سطروا ببطولاتهم مع زملائهم من القوات الجويه أسمي أيات التضحيه والفداء من أجل بلدنا الغاليه مصر ..

 

... إهداء ... الي روح أبي وأمي الذين أعدوني الإعداد الجيد لإكون رجلآ عسكريآ شجاعآ ..

 

... إهداء .. الي زوجتي الغالية التي وقفت بجانبي تساعدني كثيرآ فيما وصلت اليه .. إهداء الي أعز ما وهبه الله لي إبنتاي الغاليتين ..

 

... أشكر الله الذي في حياتي القصيره مهما طالت .. جعلني واحدآ ممن نالوا يومآ ما شرف الدفاع عن هذا الوطن ..

... أود أن اشير أن كل كلمة كتبتها في هذة القصه هي الحقيقه بعينها فالتاريخ لا يمحي ولا يزيف .. وإن لم تذكر الحقيقه مهما كانت تأكد أن غيرك سوف يذكرها .. أو قد يزيفها آخرون ..

 

وعيت علي الدنيا في عام 1956م , وكنت قد بلغت عامي الرابع ووالدي يضعني في قارب بخاري ( لنش ) ومعي أشقائي ووالدتي وجدي وجدتي وكل مافهمته وقتها أننا سوف نهاجر عن طريق بحيرة المنزلة الي بلدة المطرية دقهلية لنستقر هناك الي أن ينتهي العدوان الثلاثي علي مدن القناة وخاصة بورسعيد , لم يأتي معنا والدي حيث أن الرجال والشباب بقوا بالمدينة ليعملوا ويدافعوا عنها .. طبعآ كل هذا لم أستوعبة وقتها , ولكني فقط لم أفهم سوي أننا سنذهب الي بيت آخر وبدون والدي .. هناك تربي داخلي دون أن أدري حبي لوطني ... حبي لمدينتي بورسعيد ... حبي لمنزلي .. إحساس مرير أننا مضطرين ومغصوبين لترك منزلنا الذي يقع بحي الأفرنج أمام حديقة " فريال " لأن هناك دول معتدية ( إنجلترا وفرنسا وإسرائيل ) تريد أن تدمر مدينتنا ومنزلنا ..

 

إنتهي بسلام هذا العدوان وبعد فترة قصيرة توفي فيها جدي ودفن بعيدآ عن أرضة وعن مقبرتة ومقبرة عائلتة ولكن " وما تدري نفس بأي أرض تموت ".. صدق الله العظيم ..

 

كبرت وتعلمت أن الأرض عرض لايمكن التفريط فيها .. وإنتقلنا الي القاهرة وعمري     7 سنوات حيث إنتقل والدي الي وظيفة أعلي وبقي هناك كل أقاربنا نتزاور في الأجازات فقط وبقي منزلنا الذي كنا نذهب اليه كل صيف وكلنا حنين وشوق لتلك المدينة الباسلة التي تشع حبآ ووطنية ... الي أن جاءت حرب الأيام الستة في عام 1967م وماسبقها من مواقف وتصريحات وكان عمري وقتها خمسة عشر عامآ في الصف الأول الثانوي من الدراسة ووجدت ونحن في القاهرة الخبرة لدي أمي وأبي حيث ما أن تنطلق صفارة الإنذار حتي نهرع جميعآ الي الدور الأرضي في إحدي الشقق الخالية بالعمارة بحي العجوزة ومعنا كل السكان وكيف كنا نطفئ النور فورآ ونطلي جميع الشبابيك باللون الأزرق الثقيل بمادة الزهرة التي كانت تستخدم في تبييض الغسيل , وهذة المادة كانت تحجب الضوء بشكل كبير , وقررت فورآ أن أتطوع في الفتوة بالمدرسة حيث علمونا فنون القتال داخل المدن وإستخدام السلاح وفكه وتركيبه وأخذوا الأسماء والعناوين حتي إذا لزم الأمر يستدعوننا ويوزعوا علينا السلاح لإستخدامه في القتال المتلاحم وكنا نستمع الي الراديو والتليفزيون خاصة محطة صوت العرب حيث كنا نطرب لسماع المذيع/ أحمد سعيد وهو يتغني ويتباهي بأعداد الطائرات المعادية التي تسقط بكثافة وتبين بعد ذلك أنه لم يكن حقيقة .. الي أن إنتهت الأيام الستة وتنحي الرئيس عبد الناصر, وإكتشفنا أننا هزمنا وإكتشفنا أننا تعرضنا لنكسة , وعرفنا أن أرضنا الغالية الطاهرة ... أرض سيناء قد أحتلت وأن قناة السويس التي هي شريان حياة لنا أهل بورسعيد قد توقفت فيها الملاحة .. وهذة المرة وجدت أن جميع الأهل والأقارب قد هاجروا لمدن مختلفة وأن أهلي قد إستقروا في المنصورة وطلخا ومدينة نصر بالقاهرة .. وتركوا بورسعيد مدينة أشباح ... وذهبت إليهم وقمت بزيارتهم وأنا أبكي معهم فما أصعب أن تترك أرضك وتترك حياتك كلها وينتابك شعور بالألم .. شعور بالمرارة .. شعور بالكراهية من هذا المحتل ( إسرائيل ) الذي إغتصب أرضنا وإحتلها ... لا لن أكون سلبيآ .. لن نترك أرضنا هكذا .. يجب أن أدخل الي كلية عسكرية , لكي أستطيع أن أحارب هذا العدو المحتل , هذا ماكان يمثله أغلب شباب جيلي فالشباب هو الطاقة , هو المحرك , هو ماكينات الدولة التي تستطيع بعنفوانها وحماسها وقوتها أن تتصدي وتتحدي .. كنت وقتها تحس وكأن مصر حزينة .. حزينة علي أرضها .. حزينة علي شهدائها , وكأن أيامها كلها ليل دامس ..تحس بالإنكسار ,

 

لم يكن هناك ما يجعلنا نفيق منة سوي بعض العمليات التي تمت بشجاعة متناهية سواء طلعات الميج 21 بعد حرب يونيو 1967م بعد أيام , وتم فيها تدمير قوات للعدو , أو حتي إسكات بطاريات المدفعية الإسرائيلية الثقيلة 175مم أو مايسمي ( بأبو جاموس ) جنوب بورسعيد وشمال القنطرة , وكانت أشدهم علي الإطلاق تدمير المدمرة إيلات بواسطة لنشات الصواريخ الصغيرة السريعة في تكتيك جديد يستخدم لأول مرة في صراع العمليات البحرية في العالم ..

 

ثم بدأت حرب الإستنزاف وهي كانت عبارة عن عمليات عسكرية هنا وهناك كان الغرض منها إستنزاف قوة العدو بصفة مستمرة .. وكان لها وقع نفسي ومعنوي علي القوات المصرية وأيضآ علي الشعب المصري الذي احس أنك مازلت حيآ وإنك تقاوم وأنك تعد العدة وأنك ستنتقم عندما تجئ لك الفرصة ..

 

وإنتقلت الي السنة الثالثة في الثانوية العامة وكلي أمل أن أنجح وأدخل الكلية البحرية لكي أؤدي رسالتي نحو وطني ..

 

لم أكن قلقآ من النجاح فأنا الحمد للة مستقر في دراستي منذ البداية وحتي الآن بطريقة طبيعية مثل الأغلبية من الطلبة , لم أكن من المتفوقين وكان النجاح في الثانوية العامة بدءآ من 48% , وبما أنني بورسعيدي المنشا , أي من مدينة ساحلية فقد كان كل تركيزي وفكري أن أدخل الكلية البحرية فانا أعشق البحر وأتمني أن أظل داخلة طوال عمري , ولكن الكلية البحرية تاخذ مجموع بداية من 60% , وأنا لم أحصل سوي علي مجموع 55% ¸ وهذا المجموع يمكني من دخول كلية التجارة, ولكني كان هدفي مكتب تنسيق القبول بالكليات العسكرية , وتقدمت بأوراقي مسجلآ رغبتي الأولي في دخول الكلية الحربية ثم الرغبة الثانية الكلية الجوية ثم الرغبة الثالثة الكلية البحرية , وهو ماكان صعبآ بل ومستحيلآ لظروف المجموع .. الحمد للة الشروط تنطبق علي , وما يتبقي لي هو إجتياز إختبار اللياقة البدنية والكشف الطبي والنفسي ولقاء المواجهة مع مديري الكليات العسكرية ...

 

... وكانت البداية مع إختبار اللياقة البدنية , وقد كنت جاهزآ لها من واقع تدريبي في الجيم التابع لنادي الزمالك , وكنت عضوآ فية بما فيها قفزة الثقة في حمام السباحة من إرتفاع 10 متر ..

 

وإجتزت بالفعل الإختبار بالكامل وتم تحديد موعد الكشف الطبي وكلما إقتربت كلما إزدادت سعادتي فهاهو حلمي يتحقق وسأكون أحد طلبة الكلية الحربية وسأكون في المستقبل أحد ضباط المشاة أو المدرعات كما كنت أحلم وسأكون في الصفوف الأولي وسأحارب هذا العدو القابع علي الضفة الشرقية لقناة السويس. 

     

... وهنا أفقت من حلم اليقظة علي صوت ينادي علي أن أذهب بعد يومين الي مقر المستشفي الجوي بالعباسية لإستكمال الكشف الطبي هناك لتحديد إمكانية دخولي الكلية الجوية , وتبين لي وقتها أن من يملك لياقة طبية عالية خاصة النظر وكشف الأذن     ( حيث التعرض للضغط الجوي ) يحول آليآ الي الكشف بالكلية الجوية بصرف النظر عن رغبتة وبصرف النظر عن مجموعه فالقوات المسلحة في حالة إعداد للحرب والإحتياج الي طيارين هو إحتياج شديد للغاية ومن كل مائة شخص يتم الكشف علية يصلح واحد فقط طبيآ , لم أحزن ولكني فوجئت للوهلة الأولي , فانا كانت لي أحلام معينة ليس من بينها أن أكون طيارآ مقاتلآ, أما وقد ترشحت للكشف الطبي الجوي فلم لا , هل يمكنني وأنا الآن إبن السابعة عشرة أن أحارب هذا العدو من الجو , الشكر والحمد لله يارب ..

 

سأكون إن شاء الله ممن إصطفيتهم ليكونوا بين جنودك في هذة الحرب المقدسة عندما تندلع , ولكني سأكون من الجوحيث الإرتفاعات العالية والسرعات العالية والمدايات البعيدة التي سأستطيع أن أصل فيها اليك أيها المعتدي الجبان .. أبلغوني أني ناجح طبيآ , ثم إجتزت إختبار المواجهة الشخصية وتحدد دخولي الي الكلية الجوية بمدينة بلبيس في شهر أكتوبر عام 1969م , ضمن صفوف الدفعة 29 طيران ...

 

بدأت حياتي تتغير وأصبح سرعة تنفيذ الأوامر والطاعة والإلتزام والإنضباط واللياقة البدنية المرتفعة هي السمات الرئيسية لنا نحن القادمون الجدد , فالتدريب علي ذلك هام جدآ لأن هذة المهارات هي التي ستساعدنا علي تنفيذ أوامر القادة في جزء من الدقيقة بل وفي ثواني معدودة تعتبر في عالم طيران المقاتلات كفيلة بإحداث نتائج ذات وقع كبير سواء بالإيجاب أو السلب , مرت الفترة الأساسية في الكلية الجوية ثم مرحلة الإعدادي وكانت الدراسات علميه وعسكريه فقط, وتعلمنا الرماية والإنضباط حتي دخلنا لمرحلة المتوسط وفيها كنا سنبدأ تعلم الطيران علي الطائرة المروحية الجمهورية , وهي طائرة صغيرة وبمحرك واحد مروحي , وتم تقسيمنا كدفعة الي قسمين  كل قسم في مطار مختلف وبدأنا التدريب وكان كل مدرس طيران لدية مايقرب من خمسة من الطلبة الطيارين يتولي تعليمهم الطيران وإكسابهم المهارات المختلفة , وتم إنضمامي الي مدرس هندي فقد كان يوجد بالكلية مدرسين هنود وهم ذات مستوي عالي في الطيران , وكان لابد من إجادة اللغة الإنجليزية كشرط للطيران معهم لأنهم يستخدموا اللغة الإنجليزية , ولاأستطيع أن أصف لكم شعوري عند أول طلعة طيران في حياتي , خاصة أنني حتي وقتها لم أكن سافرت حتي بطائرة مدنية من قبل , فكان شعورآ جميلآ ممزوجآ بالسعادة الغامرة والرعب الشديد خاصة عند دوران الطائرة أو خفض وكسب الإرتفاع الحاد , ورجعنا الي الأرض وانا غير مصدق لما رأيت ومارست .. لم يضاهي هذة السعادة إلا سعادتي الأكبر عند السماح لي بالتحليق بالطائرة منفردآ بعد التدريب لعدة طلعات مع المدرس ... ياله من شعور وأنا وحدي في السماء وأنا وحدي في تلك المساحة الخالية الرهيبة أتلاعب بطائرتي متحكمآ فيها .

 

هذة هي البداية الحقيقية أيها العدو الغاشم , سنصل اليك قريبآ إن شاء الله ,,, إستكملت هذة المرحلة علي خير وتم إختبارنا نظريآ وعمليآ في آخر المرحله وإنتقلنا والحمد لله الي المرحله النهائيه, وفي تلك المرحلة كانت بداية تدريباتنا علي الطائرة النفاثة وهونوع جديد من الطيران ...بجانب إكتساب المهارات فهو طيران المناورات الحادة والمعارك الجوية, والقتال الجوي وهي بداية حقيقية لإعداد طيار مقاتل لدية العديد من الخبرة القتالية ... وتخرجنا من الكلية الجوية عام 1971م في شهر نوفمبر بدون أي إحتفالات في ذلك الوقت أو حتي الإعلان عن تخريج دفعة ... تخرجنا في صمت فنحن بعد فترة تدريب قصيرة ( 6 شهور ) علي الطائرات المقاتلة سنلتحق بأسراب القتال الجوي لننضم مع زملائنا الطيارين لندافع عن سماء مصر ولنحرق أي مخترق لها , وهذا ما تم فعلآ وإلتحقنا بعد أن تم توزيعنا, نحن حوالي 7 من دفعتنا بالسرب الجوي الموجود في قاعدة القطامية الجوية وبدأنا التدريب القاسي الجاد , وهناك تدربنا علي مهارات الوصول للأهداف بدقة والتنشين الدقيق بالصواريخ والقنابل والمدافع علي الأهداف المعادية والطيران المنخفض جدآ والقتال الجوي القريب مع الطائرات المعادية, وأصبحنا جاهزين للحظه الحسم ...

 

فقد كانت الأهداف التي سوف نقوم بقصفها محددة ومعروفة لدينا فقط وسرية جدآ ومعروف إحداثياتها , ونحفظها عن ظهر قلب الشكل والسمات لمحطات صواريخ الهوك وأهم الأهداف بداخل المحطات وكيفيه تفادي هذه الصواريخ سواء قبل إطلاقها أو بعدها, لأنها كانت أهدافنا في الضربة الجوية المركزة التي ستتم في المرحلة الإفتتاحية للحرب... مر عام وأربعة شهور وأصبحنا جاهزون ومدربون ومستعدون ومضي علينا عام الضباب وعام الحسم ولم يحدث شئ والشعب بدأ يتهكم, ونحن نعلم أننا جادين في الحرب ونستعد لها ... والرئيس السادات هذا القائد العظيم الذي قلما يجود التاريخ بمثله , يصبر ويتحمل كل هذا ويستعد في سرية تامة وبخطة خداع رهيبة , حتي أننا أنفسنا خدعنا , وقال الإسرائيليون بعد الحرب لقد خدعنا السادات لأنة إستطاع أن يخدع القوات المسلحة المصريه أولآ, دليل علي الإعداد والتخطيط والسريه العاليه في التحضير لتلك المرحلة التاريخية التي خاضتها مصر ..

 

بدأنا في أغسطس نحس أن الإستعداد يزداد جدية وأن هناك شئ ما , ولكن دون إشارة واضحة بأن الحرب تقترب ... قائد القوات الجوية اللواء طيار / حسني مبارك يزورنا بمعدلات كبيرة وخلال فترات زمنية متقاربة يراجع بنفسه معنا خطة العمليات ويشاهد تدريباتنا ويبدي ملاحظاتة وتعليقاته ويعرف طياريه بالأسم حتي صغار الرتب , وهكذا يفعل في جميع الأسراب التي يزورها بنفس المعدل .. في آخر سبتمبر بدأ يؤكد علي ضرورة التنشين الدقيق علي الأهداف لأن الفرص ربما تجئ مرة واحدة فقط إما أن تقتل عدوك أو يقتلك ..

 

وأوصي قادة التشكيلات بمسؤليتهم عن توصيل باقي الطيارين الي أهدافهم بدقة ودون أن يكتشفوا .

... تلك كانت توصياته في كلام عام غير محدد عما يحدث ومتي ... ولكنة في تلك الأيام بدا مهمومآ يفكر كثيرآ ولما لا والمسؤلية كبيرة ونجاح الحرب أو فشلها مرتبط بتلك الضربة الجوية المركزة في إفتتاحيه الحرب , بصرف النظر عن دور القوات الجوية المتعدد المهام خلال الحرب بعد ذلك ....

 

يوم 5 أكتوبر طار قائد اللواء لحضور إجتماع في القاهرة في قيادة القوات الجوية وهذا يحدث كثيرآ ثم عاد ولم يبلغنا شيئآ وقيل لنا إستعدوا بالنوم مبكرآ والتواجد صباحآ الساعة الثامنة في اليوم التالي لأن الرئيس السادات سيزور القاعدة غدآ ويلتقي بكم ويجب أن تكونوا في أحسن صورة وهي لم تكن المرة الأولي التي يقوم فيها الرئيس السادات بالمرور علي القواعد الجوية والوحدات المختلفة بنفسه, ولكن في اليوم التالي 6 أكتوبر قالوا لنا أن اللقاء تأجل عدة ساعات , ثم ألغي وسنقوم بعمل بروفة طلعة حقيقيه بالطائرات وكنا نقوم بذلك كثيرآ ونتدرب عليه كل منا يعرف مكانة في التشكيل الذي يطير فيه ويعلم طائرته والدشمه التي سيطير منها والذخيرة التي سيسلح بها وموعد كل شيئ بالثانية إعتبارآ من الذهاب الي الطائرات ثم التدوير والتحرك وهكذا دون تلقي تعليمات أو تبادل أي إتصالات لاسلكية ... صمت تام ومعلومات محفوظه ودقة في التنفيذ ... ولكن قبل موعد البروفة بساعة إذا بقائد اللواء يبلغنا أننا هذة المرة عندما نقف بطائراتنا علي الممر في إنتظار لحظة الإقلاع لن يشار الينا بالعلم الأحمر بما يعني عودوا أدراجكم الي الدشم فلقد إنتهي التدريب , هذة المرة ستكملوا الإقلاع لقد صدرت تعليمات القيادة العامة للقوات المسلحة , وإن لحظة الحسم التي إنتظرتموها طويلآ قد جاءت , تذكروا أن مصر كلها ورائكم , مصر تنتظر منكم الكثير في هذه الحرب الشريفه , حرب تحرير الأرض, حرب إزالة هذة الغمة التي تجثم علي أكتافنا منذ 6 سنوات ... نعم لن تعودوا وستكملوا الطلعة وتصلوا الي أهدافكم وتدمروها وتكبدوا العدو شرق القناة خسائر فادحة بإذن الله ... لم تسعنا الفرحة وأخذنا نعانق بعضنا البعض ونبكي وتنهمر دموعنا من السعادة , ولما لا واللحظة التي إنتظرناها طويلآ قد حانت , وفي نفس الوقت كان زملاؤنا من الطيارين الذين لم يتم إختيارهم لهذة الطلعة الأولي يبكون أيضآ ولكن لأنهم لن يشاركونا في الطلعة الأولي وأخذوا يساعدوننا كثيرآ في إرتداء زي الطيران , والذهاب الي الطائرات , وحانت لحظة الإقلاع , مطلوب منا أن نكون جميعآ 220 طائرة من عدة قواعد جوية مختلفة يعبروا قناة السويس من الغرب الي الشرق في توقيت واحد , الساعه الثانية تمامآ لإحداث المفاجأة والمبادأة وقوة الحشد الكبيرة لإرباك العدو وشله وتكبيده خسائر فادحة ... كان مقدرآ لهذة الطلعة أن تكون خسائر القوات الجوية فيها من 20 – 30%, فكانت تقريبآ 4% فقط, كان مخططآ أن تتم ضربة جوية أخري لتأكيد النتائج وتكبيد العدو خسائر أكبر ولكن بعد هذه النتائج التي تحققت في الطلعة الأولي , رؤي الإكتفاء بها وعدم تكرار الضربة ... وعدنا جميعآ سالمين ...

 

تشكيل من 16 طائرة ولم يصاب أو يسقط منا أحد لم يتعرض أي منا لقصف سواء من صواريخ أرضية أو تم إعتراضه من طائرة معادية رغم أن العدو الجوي متفوق علينا في عدد الطائرات ونوعياتها , ولكنه الرجل والمقاتل الذي بداخل الطائرة, هذا عندة قضية إحتلال أرض بلادة وهو شعور بالذل والمهانة وعلي الناحية الأخري رجل ليس عنده قضيه ولايعرف لماذا يحارب .... تعانقنا جميعآ وتعاهدنا علي تحرير أرضنا مهما كانت التضحيات, تعاهدنا علي النصر أو الشهاده .

 

 

... روح معنوية عالية, شباب يصر علي القتال حتي الموت, شباب يعلم أن مصر وقادتها وشعبها وضعوا ثقتهم كلها في هذا الشباب وسيفعلها بإذن الله ... كنا نتسابق علي الطلعات عندما تطلب منا , كل يريد أن يشارك بالرغم من أنها لم تكن سوي طلعات تحيط بها الشهادة من كل جانب ... كثيرين من الطيارين أقلعوا وعادوا ليقلعوا مرة أخري, وطيارين آخرين أقلعوا ولم يعودوا ... ولكن الأهم وهو ماتدربنا علية هو ألا يعودوا مجانآ, لا والله لن يعودوا إلا بعد أن يكونوا قد وصلوا لأهدافهم ودمروها ولقنوا العدو درسآ قاسيآ في التضحية والفداء ولكن بثمن مدفوع وليس مجانآ. .... في صباح يوم 8 أكتوبر , طلبت طلعة حوالي السابعة صباحآ لمعاونة الجيش الثالث الميداني بقوة 12 طائرة, وبالفعل أقلعنا ودمرنا أهدافنا علي بعد حوالي 20كم شرق القناة, ثم عدنا أدراجنا جميعآ وبدون خسائر وفور هبوطنا, طلبت طلعة أخري بقوة 4 طائرة, وبدأنا نتسابق لنحظي بأن نكون ضمن المنفذين للطلعه, وكان يوجد أحد الطيارين دفعتنا لم يشترك في الحرب حتي تلك اللحظة وأنه يريد أن يشترك وماحدث أنة قد تم إبلاغ قائد السرب فأمر بإشتراكة بدلآ من آخر إشترك عدة مرات من قبل, هذا الطيار دفعتي وقبل أن يقلع جاءني وأعطاني كيس مياه, وهي أكياس مياه معبأة ومقفله بإحكام, فأبلغته أن لدي منها ولكنه أصر أن آخذ هذا الكيس ووضعه بنفسه في جيبي ذو السوسته المفتوحه ولم أكن أعلم أن هذا الكيس سيكون هو مفتاح الحياة بالنسبه لي بعد ذلك, في الوقت الذي أقلع هو وإشترك مع التشكيل في قصف أهداف معادية تعوق تقدم قواتنا ولكنه لم يعد ... أصر أن يقلع وهو يعلم أنه قد لايعود, لم يتواري ولم يكن سعيدآ أنه لم يتم إختياره بل كان حزينا وغاضبآ ومصرآ علي الإشتراك إما أن يحقق هدفه أو يستشهد ... تلك هي روح أكتوبر, تلك هي الدلالة الواضحة لماذا نصرنا الله في معركة حساباتها تدل علي أننا الأقل كفاءة عددآ وعدة ولكن هيهات , وهناك جنود أوفياء أشداء أقوياء مضحين لديهم قضية .. قضية أرض وعرض , قضيه وطن , قضيه عزة وكرامة ...

 

..... كنت حزينا جدآ علي فراقه فكم كنت فخورآ به جدآ ... حتي كانت الساعة الرابعه عصرآ , وطلبت طلعة  من السرب لشل رتل مدرع يعوق تقدم قواتنا شرق مدينة كبريت 30 كم, وبالفعل كنت ضمن تشكيل 4 طائرات وكنت أنا رقم (4) في هذا التشكيل , وأقلعنا في الوقت المحدد لنا طبقآ للخطة متجهين نحو الهدف ... قمنا بالطيران بدقة شديدة نحو الهدف ووصلنا فوق بلدة كبريت ومنها إتخذنا إتجاهنا طبقآ للإحداثي المعطي لنا ولكننا وصلنا ولم نجد الهدف أو حتي قريبآ من المنطقة وربما يكون قد تحرك في خلال الفترة التي سبقت وصولنا والتي تتعدي 30 دقيقة .. وهنا قرر قائد التشكيل عدم العودة ومعنا ذخائرنا من القنابل والصواريخ والمدافع , بل إستكمال الطيران علي نفس خط السير وأن يتم التعامل بأسلوب القنص الحر , أي أننا سنتعامل مع أي هدف معادي نجده خلال خط السير ... بالفعل ولأننا كنا نطير علي إرتفاع منخفض جدآ , أشار الينا قائد التشكيل بوجود جبل عالي علي يسارنا يتعدي إرتفاعه 3500 قدم , وأعلاه يوجد العديد من الأبراج اللاسلكية والرادارات وبعض المباني, أنه بالقطع جبل أم خشيب وبه أكبر مركز إعاقة وشوشرة وقيادة وسيطره للعدو , إنه هدف ثمين بالقطع , وقرر أن نهاجمة قائلآ , سنقوم بعمل هجمتين , الهجمة الأولي بالقنابل والهجمة الثانية بالصواريخ, وقمنا بزيادة سرعتنا حتي نستطيع بفارق السرعة أن نعلو فوق الجبل العالي ثم ننقض عليه بالهجمات ونحن كنا قد تدربنا أن ننهي هجمتين في خلال 50 ثانية فقط , حتي نستطيع تقليل زمن التعرض لنيران العدو الأرضية ..

 

ولكن أثناء عمل المناورة للهجمة الأولي لمحت 4 طائرات فانتوم معادية تقترب منا من إتجاة الساعة الخامسة فأبلغت قائد التشكيل بالموقف فأمر أن تكون هجمة واحدة فقط يتم فيها إسقاط القنابل وقذف الصواريخ و, وبالفعل قام هو ورقم (2) في التشكيل بتنفيذ ذلك وكنت مع رقم (3) في التشكيل خلفهم ولأعلي نستعد للإنقضاض علي الهدف وخلفي تمامآ الطائرات المعادية تحاول منعنا من تنفيذ الهجوم ولكن هيهات لقد تأخروا كثيرآ ولاسبيل لإيقاف هذا الهجوم , وفي أثناء الإنقضاض وجدت النيران تشتعل في هذة الأبراج من هجمات التشكيل الأول , ووجدت ممرآ صغيرآ للطائرات المروحية كما يوجد أبراج أخري مازالت سليمة لكثرة عددها , وقمنا بعمل الهجمة وكانت نتائجها رائعة ومدمرة  وفي أثناء تنفيذ هجمتنا قام قائد التشكيل ومعة رقم (2) بالدوران الحاد يمينآ ولم نراة نحن ولا الطائرات المعادية , فقد كنا نقوم بالتنشين علي الأهداف وتتواجد الطائرات المعادية خلفنا تحاول منعنا من الهجوم وذلك بإسقاطنا ولم ينجحوا, لاشك أننا جميعآ في التشكيل ندرك فارق الإمكانيات بين طائراتنا الميج 17 والطائرات المعادية من طراز فانتوم ولكنة الرجل الذي بداخل الطائرة وأنها العقيدة القتاليه وأنه الهدف الذي بداخلنا وهو تحرير أرضنا ..

نعم قام قائد التشكيل بالدوران الحاد يمينآ حتي أصبح خلف الطائرات المعادية التي تحاول أن تصيبنا وإذا به يطلب من قائد القسم الثاني ( رقم 3 ) أن يقوم بالدوران الحاد يسارآ وخلفنا الطائرات المعادية وهو في الحقيقة يقوم بضبط وضع الطائرات المعادية التي تطير خلفنا وتجري المناورات وراءنا أي أننا بالضبط نقوم بدور الفريسة التي سيلتهمها العدو في حين أننا نقوم بضبط وضع الطائرات المعادية ذات الإمكانيات العالية في مرمي نيران مدافع طائرات القسم الأول من التشكيل , وبالفعل تم ذلك وأسقطت إحدي طائرات الفانتوم ...

 

إسقطت الطائرة الأسطورة بواسطة الميج 17 لأول مرة في الحرب وشاهدتها وهي تسقط خلفنا بواسطة المرآة العاكسة ( البيروسكوب ) الموجود بكابينة الطائرة, ثم قمنا بعمل دوران معاكس حاد للناحية الأخري حسب ماتدربنا وذلك لكسب أرض بعمل مناورات مختلفة أثناء هذا القتال لنصل فوق قناة السويس, وعندئذ تتدخل طائرات الميج 21 وهي طائرات قتال جوي وتشتبك مع الطائرات المعاديه. ...

ولكن عندما قمنا بالدوران الحاد للجهة الأخري كان في إنتظارنا القسم الأول من طائرات الفانتوم , فقد قاموا بعمل مناورة جديدة في الحرب تستخدم في القتال الجوي , وقاموا بالتنشين علينا فأصابوا طائرتي في المقدمة ووجدت زجاج الكابينة وقد تكسر فوقي خاصة الزجاج المدرع الأمامي ودخلت شظية في ساعدي الأيمن وأصبحت لاأستطيع الامساك بعصا القيادة والنيران تشتعل في مقدمة الطائرة حيث أصابها صاروخ ثاني وبالمقدمة يوجد مستودعات الأكسجين والأرتفاع يقل كثيرآ والسرعة تزداد كثيرآ, لم يعد أمامي سوي الخروج من الطائرة بالكرسي القاذف, القرار صعب جدآ والوقت ضيق جدآ فالإرتفاع لايتعدي 30 مترآ تحت الجبل والطائرة في وضع 60 درجة والسرعة تتعدي 800 كم / ساعة , وكتاب الطائرة يقول أن أقل إرتفاع للقفز 200 متر وإرتفاعي 30 متر فقط , لاسبيل للنجاة , ولكنها محاولة الفرصة الأخيرة , وقمت بشد ذراع القذف بيدي اليسري فقط مع أن وضع الإمساك بة يستلزم الذراعين , فعلت ذلك وأنا أنطق بالشهادتين , وحدث لي ما نسمية في عالم الطيران الإغماء المؤقت ورؤية إحمرار شديد وهذا يحدث عند القذف وإنطلاق صواريخ إطلاق الكرسي, إذ يكون الإنطلاق ضد عجلة الجاذبية الأرضية بمقدار 18G,أو عجلة ...والإنسان الطبيعي المدرب كطياري القتال قد يتحملوا حتي 9G, بدون هذا الإغماء ... لم أدري يعد ذلك إلا وهدوء تام يلف المكان وتحسست نفسي أتذكر فوجدتني راقدآ علي ظهري وخلفي المظلة , وأيضآ لاتشدني بالرغم من تعبئة الهواء كما هو مفترض أن يكون , ووجدت قدمي وقد طار الحذاء النصف رقبة المحكم الغلق علي القدم نتيجة السرعة العالية . أيضآ غطاء الرأس ( الكراش هلمت ), ساعة اليد .. ماهذا .. أين أنا ... ماذا حدث.

 

 ... هل أنا قد استشهدت... فنسبه نجاتي كانت ضئيلة للغاية ... ولكني أفقت لآجد نفسي فوق أرض سيناء الحبيبة دماء إصابتي تروي أرضها , إنك حي مازال لك في العمر بقية , فالأعمار بيد الله سبحانة وتعالي ... إنني لم أشعر بنفسي قط وأنا أهبط بالمظلة , والمظلة خلفي ممتلئة بالهواء , ولكنها لاتشدني...إذن هي العناية الإلهية .. هي إرادة اللة حملتني من داخل كابينة الطائرة ووضعتني علي الأرض راقدآ علي ظهري " وأمددناكم بملآئكة لم تروها " سبحان الله العظيم ...قررت النهوض فإكتشفت أن مرفق الذراع الأيسر بة كسر مضاعف ويؤلمني ألمآ شديدآ , وكيف سأفك القفل الخاص بالمظلة ويداي الإثنان إحداهما مكسورة والأخري بها شظية , ونظرت الي مكان القفل بمنتصف البطن فلم أجده ولكني وجدت حبلان صغيران رقيقان معلقان بالكتف فقط , أستطيع أن أتخلص منهم يإستخدام حركة الكتف , وبالفعل قمت بذلك وقمت واقفآ قويآ شجاعآ , أستطلع أين أنا .. أنا الآن شرق القناة ونحن وقت الغروب ولكي أعود يجب ان أتجة غربآ أي في إتجاه الشمس , وقررت أن تكون عودتي مستخدمآ إتجاة الشمس غروبآ أو شروقآ .. أين أنا لقد قمنا بالطيران نحو 5 دقائق شرقآ من فوق قناة السويس, أي مسافتي حوالي 50 كم من شاطئ القناة , إذ أننا نطير بسرعة 10 كم / دقيقة  و بسرعة 600 كم / ساعة .. أين أنا , نحن اليوم 8 أكتوبر أي ثالث أيام الحرب واعتقد أنني هكذا أكون خلف قوات الإحتياطي التعبوي لهم .. وقواتنا مازالت تحتفظ برؤوس الكباري التي أنشأتها وتحتلها وتقدمت شرقآ بما لايزيد عن 10 كيلومتر من شرق القناة ... المحاولة شاقة وطويلة وكسوري مضاعفة ويداي تؤلماني والدماء تنزف من كل جسدي نتيجة شظايا غطاء الكابينة الذي تهشم فوق رأسي ... ولكن معي قدماي حافيتان تحملاني وهما أملي الوحيد لعودتي ...

 

قمت بعمل حساباتي لأنني لن أعود من طرق ممهدة فأنا خلف قوات العدو وقد أقع في الأسر , أنني سأختار الأصعب وأعود من فوق التلال الصغيرة ووسط الأعشاب الشائكة فربما يكتب لي النجاة ... لو إني قمت بالسير فستكون سرعتي حوالي 2 كم في الساعة وإذا سرت لمدة 12 ساعة متقطعة يوميآ مع عدم السير ليلآ حتي لا أضل إتجاهي فأنا أحتاج في هذة الحالة يومان , فأنا سأقطع 24كم يوميآ ويمكن لأي إنسان عادي أن يحيا بدون طعام 48 ساعة .... وهنا توكلت علي الله ودعوتة أن يساعدني , وبدأت رحلة العودة .

 

.... في نفس هذا الوقت .. عاد زملائي الثلاثة سالمين الي قاعدة القطامية الجوية بحمد الله ... ومن دشم الطائرات أعطوا تمامآ لقائد اللواء بغرفة العمليات بما حدث في الطلعة بالكامل وأننا عدنا جميعآ ماعدا الملازم طيار / جاد .. وقام قائد اللواء بدوره بإبلاغ مركز القيادة الرئيسي للقوات الجوية لتسجيل النتائج وعمل حسابات الخسائر في الطيارين والطائرات .. ولكن قائد القوات الجوية حينئذ اللواء طيار / حسني مبارك صاحب الدور الرائع في الحرب , سأل قائد اللواء قائلآ الملازم طيار/ جاد لم يعد نعم ولكن مفقود أم شهيد , أرسل في طلب الطيارين الذين كانوا معه ليأتوك في غرفة العمليات ويبلغوك حقيقة موقفه ... فلما جاء الطيارين الي قائد اللواء وكان منهم قائد السرب , قالوا لا الملازم طيار/ جاد شهيد نحن متأكدين لم تكن لديه أي فرصة للنجاة , الإرتفاع كان منخفض جدآ ورأينا طائرته تصطدم بالأرض عبارة عن شريط من النيران , وهنا قيد إسمي في جدول حساب الخسائر من الشهداء.....

 

... بدأت أنا التحرك في إتجاة الشمس حيث كانت تميل للغروب مما يساعدني علي إتخاذ الإتجاة الصحيح, وإذا بطائرة هليوكوبتر إسرائيلية تظهر فجأة , وإعتقدت أنها أتت لتأخذني أسيرآ فربما رأوني , وبسرعة إختبأت داخل أعشاب الكلأ الشائكة للغاية , ولكنها كانت نفس لون بدلة الطيران ( الأفرول ) التي أرتديها مما ساعد علي إخفائي , وبالفعل هي طارت أمامي وتعدتني مما يدل أنها تبحث عن شئ آخر , إتضح لي فيما بعد أنها تبحث عن الطياران قائدا الطائرة الفانتوم التي تم إسقاطها بواسطة تشكيلنا في نفس الطلعة, يداي تؤلماني للغاية وجروح غائرة في يدي تنزف وأنا أسير في طريقي الغير ممهد طبقآ للخطة التي وضعتها , وكنت أري النيران تنطلق من قواتنا الي القوات الإسرائيلية المعادية, وأيضآ بالعكس , وكنت أنا خلف خطوط العدو نفسه واعلم ذلك , وأنه لابد لي للوصول أن أخترق من بين قوات العدو في الأماكن الغير ممهدة والبعيدة عن قواته .... بعد ما يقرب من ساعة , وجدت أمامي الطائرة الفانتوم التي تم إسقاطها والجسم سليم الي حد ما, ومازال الدخان يتصاعد منها ولم أجد بداخلها الطيارين أو أغطية الكبائن الزجاجية , مما يرجح أنهما قد قفزا بالمظلات , وربما تكون الطائرة الهليوكوبتر قد إنتشلتهم ...

 

.... لم يلبث أن مر بي ثلاث ساعات إلا والليل قد حل, وقررت أن أقف لأستريح وحتي لا أفقد أيضآ إتجاهي بسبب الظلام .. ومكثت الليل, لا ادري هل غفلت عيناي, أم لا , كل ما أدريه هو أن آلامي تزداد ويداي قد تورمت بسبب الكسور , وأن الخنافس الموجودة في المكان قد تجمعت فوق يداي وجسدي تمتص الدماء التي تنزف , ولا أستطيع معها شيئآ ... عندما بدأ نور الصباح يظهر والشمس تشرق , قررت أن أضع الشمس في ظهري  وأتجه غربآ, وبالفعل بدأت التحرك وبعد ساعتين بدأت أجد أنني أقترب من خطوط العدو وموازي لها , فإزداد أملي أني سأصل بإذن الله ...

 

أحسست لحظتها بالعطش , نعم إنني معي كيس مياه أعطاه لي زميلي صباح الأمس قبل أن يقلع ويستشهد ويقول لي خذ هذه ستنفعك .. الحمد للة أن جيب بدلة الضغط مفتوح وإلا ماكنت أستطيع أن أفتحه, وتناولت الكيس بين أصبعين بصعوبة ووضعتة في فمي وحاولت فتحه فهو محكم الغلق بأسناني حتي إستطعت تقطيع جزء منه وبدأت أشرب وقد أصبح لونه أحمر من الدماء التي تنزف مني داخل الكيس , حمدت الله وإزددت قوة وإستمريت في الحركة ...وأثناء صعودي الي إحدي الهضاب, سمعت صوت حديث بالعبرية في الناحية الأخري من الهضبة, فتسمرت مكاني مدة لاتقل عن نصف ساعة حتي تحركوا بعيدآ بواسطة سيارة جيب ثم واصلت مشواري وبدأت أجد نفسي في منتصف مرمي النيران بين قواتنا والقوات المعادية, فإزددت أملآ وحماسآ وقوة..وواصلت السير  حتي جاء الليل فإسترحت مكاني حتي لاأضل طريقي وإزداد الأمل الكبير في النجاة ... بدأت السير في اليوم الثاني مبكرآ مع بزوغ الشمس , ووجدت أنني إقتربت كثيرآ من مرمي نيران قواتنا فزادتني حماسآ وقوة أن أتناسي آلامي فقد تورمت يداي كثيرآ من الكسر وشعرت أنني علي وشك أن أضعف بسبب كثرة ما نزفت من قبل , وكان بيدي جرح غائر إحتاج الي 12 غرزة بعد عودتي ...

 

أشد ما أسعدني وأشعلني سرورآ وإبتهاجآ عندما رأيت الطائرات المعادية في إتجاهها ناحية القناة , وعندما بدأت عمل مناوراتها بالصعود لأعلي ثم الإنقضاض , إذ بصواريخ الدفاع الجوي المصري تصطادها وتسقط طائرتين ... إزددت أملآ أثناء سيري وصعودي الي قمة هضبة أنني أري قناة السويس علي بعد مني لايزيد عن 10 كم , ورأيت نيران قواتنا تنطلق من محازاتي فأدركت أنني الآن في مأمن الي حد ما , فأنا أكيد علي الخط الأول للنسق الأول من قواتنا ....

 

.... فجأة سمعت أصواتآ أكاد أميزها أنها تتكلم العربيه ... يا إالهي حمدآ وشكرآ لك, لقد وصلت ... قف مكانك لاتتحرك .. إثبت... إرفع كلتا يداك لأعلي ... ولكن كيف ... يداي لاتستطيعان ...هكذا قالوا ... فصرخت أنا مصري ... أنا مصري ... أنا طيار مصري ...... وسمعت صوت أجزاء الأسلحة تنسحب تمهيدآ لإطلاق ذخائرهم عند الحاجة , ولكن الضباط صرخوا وأمروهم بالتوقف , وجاءوا نحوي مسرعين , وحكيت لهم بإختصار كيف أنني عائد منذ يومين , فقالوا لي فعلآ لقد رأينا الطائرات أول أمس عصرآ عندما عادت ثلاث طائرات بدلآ من أربعة, فقلت لهم " أنا بقي الرابع " فقاموا بإحتضاني وتقبيلي وتهنئتي بسلامة الوصول , وشعرت لحظتها بالضعف يملأني وأنني غير قادر , وأدركت لحظتها كم هو الإنسان جبار عندما لايكون معه أحد ويعتمد علي نفسه فقط ....

ألست أنا الشخص الذي كنت في منتهي القوة منذ دقائق , بالرغم مما أعانية ... إنها قدرة الإنسان التي وضعها الله به ... لقد نجحت رحلتي للعودة علي قدماي , لقد وصلت في موعدي كما خططت , أحمدك وأشكرك ربي علي ما قضيت .. كل هذا فكرت فيه وأنا محمول علي نقالة بواسطة أربعة جنود في طريقي الي النقطة الطبية , وهي عبارة عن حفرة عرضها 2 متر وطولها 4 متر , واستقبلني الطبيب وبدأ في وضع سماعته وقياس الضغط والنبض , وإذا به يقول لابد من نقله سريعآ الي المستشفي , فقد نزف كثيرآ , وقام بمجهود كبير وبدون طعام خلال يومين ويحتاج الي سكريات كثيرة , وإذ بي أجد حولي رتبآ كبيرة تساعدني وتمسك بالقطن والكحول وتحاول تنظيف جسدي من الدماء اللاصقة عليه ويتسابق الآخرون لإحضار علب العصير المركز والمربي والمياه التي معهم , وكما قلت أنني كنت برتبة الملازم طيار , ومن أتحدث عنهم يفعلون ذلك عمداء وعقداء ورتب مختلف .. ياه عظيمة يا مصر بأبنائك ... عظيمة يا مصر برجالك .. عظيمة يا مصر بتلك الروح العالية التي جعلتني أشتم رائحة النصر ... هذه هي روح أكتوبر العظيم ... هكذا يكون التلاحم بين أبناء الأمة الواحدةوالمؤسسة الواحدة ... ثم أمر أحد العمداء , أحد الضباط برتبة رائد أن يحضر سريعآ السيارة النصف نقل المغطاة التي تسير بعيدآ, وإذا به يعدو وكأنه في سباق للعدو , ويصل للسيارة ثم يعود بدونها ويقول أن السائق معة ذخيرة , سينزلها ويأتي إلينا ... دقيقة واحدة وليس أكثر مرت وإذا بي أثناء تناول العصير من يد أحد الضباط أسمع صوت عربة قيادة من طراز (BK) تقف ويقف الجميع منتفضين, وإذا بصوت أجش قوي مملوء بالثقة يسأل أين الطيار المصري فقد وصلة الخبر باللاسلكي وجاءني في ظرف دقائق يسأل عني .. أحد كبار الضباط يقول لي سيادة العميد / أحمد بدوي , قائد الفرقة السابعة مشاة ميكانيكا ... وهنا إقترب مني ونظر الي بعمق ونظرت اليه فوجدته قوي البنيان ... أسمر البشرة , عيناة خضراوتان  قوية تنبئ عن شخصية فذة مليئة بالثقة بالنفس , تصدر الإحساس لمن حولها بالقوة والإيمان والعزة .. وأستطيع أن أصف فية أكثر وأكثر ولكن يكفي أن أقول هذا هو القائد أمام جنودة موجود علي الخط الأول , يشرف ويتابع ويقاتل ويشجع من يقودهم ... يكفي أن أقول هذا هو القائد الذي عين بعد ذلك قائدآ للجيش الثالث الميداني أثناء الحصار , وعين فيما بعد وزيرآ للدفاع برتبة المشير ... نظر لي بحنان الأب وعظمة القائد فأنزلت عيناي عنة فعيناة نافذة لاتستطيع النظر اليها كثيرآ , وقال لي الحمد لله علي السلامة , إطمئن سنفعل لك كل شئ ممكن , لماذا لم يركب السيارة التي هناك , فقالوا لة أن بها ذخيرة سينزلونها وبعد ذلك ستأتي لنقلة لأقرب نقطة طبية غرب القناة , فإذا بة يصيح كيف ذلك , إن هذا الملازم طيار عندي أهم من أي ذخيرة ... أتعلمون ماذا يعني أن يحارب جيش بدون غطاء جوي .. هؤلاء الأبطال هم من يحمون رؤوسنا ..إرفعوه علي ظهر مركبتي وسأقوم بتوصيلة بنفسي الي المعبر ... وبعد أن تم ذلك , وأنا أرقد علي نقالة علي ظهر المركبة , قال لي أن المسافة من هنا للمعبر حوالي 8 كم والطريق وعر .. ولكن إطمأن فأنت بخير .. قلت لة كل همي يافندم أن أعود وأعالج وأشترك مرة أخري في هذة الحرب , فقال لي بإنتسامة إن شاء الله يا بطل , فهويعلم أن إصابتي وما بي من كسور سيأخذوا وقتآ للعلاج , وأنا أعلم أيضآ ولكنها حماستي ...جعلتني أصرح بما هو بعيد عن المنطق ... وبدأنا التحرك نحو المعبر .. كان هذا يوم 10 أكتوبر , خامس أيام الحرب ...

 

... إستغرقت الرحلة مايقرب من 15 دقيقة , فقد كان المعبر يبعد بمسافة لاتقل عن 10 كم , وكانت قواتنا تتمركز خطوطها الأولي شرق القناة علي مسافة 12 كم تقريبآ , وطوال هذة الرحلة كان يتحدث معي بروح الأب الذي يحنو علي أبنة وروح القائد الذي يتحدث بشجاعة وثقة وإيمان بالله أن النصر حليفنا , وكان يناولني من وقت لآخر العصائر والمياة والمربي فقد كنت أحتاج الي طاقة .. حتي وصلنا الي المعبر , فقبلني من جبيني وإعتذر لي عن عدم تمكنة من نقلي للضفة الغربية للقناة بمركبة القيادة لوجود إنذار دفاع جوي بغاره جويه قادمه , وأن أربعة جنود سيحملوني , وتمني لي الشفاء وتمنيت لة ولمصر النصر .. وودعني بإبتسامة وتحية وحملوني بعيدآ عبر المعبر للضفة الأخري ... هناك إستقبلني مقدم من الشرطة العسكرية , فوضعني في سيارتة الجيب وبدا هو القيادة مسرعآ في إتجاة السرية الطبية الموجودة علي بعد 3 كم , وإذا بة يقف فجأة وينزل من السيارة , وإذا بالقائد يصرخ لماذا تتحرك ويوجد إنذار بغارة جوية , فقال لة معي طيار مصري جريح ويجب نقله سريعآ , فالتف من خلف السيارة الجيب , وإذ  بالمقدم يقول لي وأنا راقد, سيادة الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة الذي تقدم مني ووضع يدة علي جبهتي قائلآ حمد لله علي السلامة يابطل وإن شاء الله كل اللازم طبيآ سوف يعمل لك , شكرته وقلت له أرجوك يافندم عاوز أرجع بسرعة علشان أحارب مع زملائي تاني , فقال لي إن شاء الله , وأمر المقدم بالتحرك مسرعآ ... لقد سري إطمئنان قوي الي نفسي , هاهو العميد أحمد بدوي أمام جنود فرقته , وهاهو الفريق سعد الدين الشاذلي وسط جنودة يحارب من وسط ميدان المعركة , هذة هي عظمة مصر هؤلاء الأبطال الذين سيخلدهم التاريخ , موجودين وسط جنودهم  .... وصلنا الي السرية الطبية فبدأ الأطباء وضع جبائر لي علي الكسور , وحضرت سيارة الإسعاف علي الفور لنقلي الي كتيبة طبية , وهي عبارة عن مستشفي كامل , وهناك أدخلت فورآ الي غرفة العمليات لمعالجة الكسر, وإستيقظت صباح اليوم التالي وأنا في غرفة منفردة وقد تم إستبدال ملابسي وقالوا لي سيتم نقلك اليوم مع عدد من المصابين الي المستشفي الجوي بالقاهرة ... ورأيت مصابين أبطال في الغرف المجاورة , كلهم يتمنون العودة والقتال مرة أخري ....

 

.... وتحركنا حوالي 4 مصابين في سيارة الإسعاف نحو القاهرة ... تم إنزال المصابين في مستشفي الحلمية العسكرية بحلمية الزيتون , وتم إنزالي في المستشفي الجوي , حيث بدأوا بالكشف المبدئي علي جسمي كاملآ وكتابة تقرير , وتم تصعيدي الي غرفتي , وأثناء دخولي فوجئت بالمقدم طيار / باهر التونسي رئيس أركان اللواء يتمشي في ردهة المستشفي حيث كان قد أصيب نتيجة هبوطة بالمظلة بعد إسقاط طائرتة بواسطة صاروخ أرض/جو مباشر صباح يوم 8 أكتوبر , فقال لي حمد الله علي السلامة وإستمع لقصتي وقال لي هل أبلغتهم في السرب , فقلت لأ , فحاول الإتصال من غرفتي وتحدث مع الرائد طيار/ شريف عرب قائد السرب , وقال لة أن معي الملازم طيار/ جاد وسيتحدث معك , فقال لة كيف , جاد مات .. جاد إستشهد لقد رأيت طائرتة وهي تصطدم بالأرض , لم يكن لدية فرصة للنجاة , أنا كنت قائد التشكيل ورأيت هذا بعيني ... اكيد سيادتك تقصد حد تاني , فقال لة لأ جاد الأسمر الذي يلعب كرة القدم وكان مشهورآ عني حبي للكرة واللعب الجيد في الدوريات التي كنا نقيمها ونلعب فيها .. لم يسع نفسة من الفرحة وأيضآ من الصدمة عندما جاءة صوتي عبر الهاتف , أنا عايش يافندم , أنا في المستشفي , وعمت الفرحة جميع زملائي وكلموني وإستمعوا الي صوتي واحدآ بعد الآخر ليتأكدوا , وإزداددت حماستهم وأمالهم وكانت سعادة كبيرة بالنسبة لي أن ألتقي بزملاء الكفاح ولو عبر الهاتف ... جاءني بعد العصر مقدم طبيب متخصص في جراحة العظام وكان إسم الطبيب / محمد رامي , وهو نجل الشاعر الكبير / أحمد رامي , وبدأ في فحصي ... وقال سيدخل غرفة العمليات مساءآ .. وبالفعل كنت داخل غرفة العمليات مساءآ لمدة 3 ساعات , أو يزيد لإستخراج الشظية الكبيرة التي إستقرت في ساعدي الأيمن وكذلك بعض الشظايا الصغيرة في جسدي , ثم إعادة وضع العظام التي تكسرت في الكوع الأيسر ( المرفق ) في وضعها الطبيعي حيث تكسرت الي قطع صغيرة وكانت تحتاج الي إعادة ترميم ووضعها بجوار بعضها بكل دقة , حتي يعود المرفق طبيعيآ , وتحتاج الي جراح عظام ماهر , وقد كان الطبيب/ محمد رامي ....

 

خرجت من العمليات ووجدت زميل لي يسبقني بدفعة يرقد في السرير الذي بجواري ولكن كانت إصابتة بسيطة الحمد لله وهو كان طيار هليكوبتر , وبجوارنا كان يوجد مذياع مفتوح ليل نهار نستقي منة أخبار ما يحدث في الحرب علي أرض سيناء , ونزداد فرحة وأمل بما يتوارد إلينا من أنباء , طلبت والدتي ووالدي تليفونيآ لأول مرة في اليوم التالي لخروجي من العمليات وطمأنتهم أني بخير وأنني بالمستشفي فقد كان ممنوع الزيارة أو التحدث في أي شئ يخص الإصابات , وطلبت منها أن تضع عند أمن المستشفي ملابس نوم وساعة حتي أستخدمهم , ولم تطمئن والدتي إلا عندما أرسلوا لي قريبآ لنا طبيب برتبة رائد , يعمل طبيب أشعة بمستشفي كوبري القبة العسكري , وجاءني فعلآ وإطمأن بنفسة علي حالتي تمامآ وعاد لطمأنتها ...

 

سعدت جدآ بيوم زيارة رائعة للسيدة / جيهان السادات حرم رئيس الجمهورية للإطمئنان علي الجرحي وتشجيعهم والإشادة ببطولاتهم , وكانت غير مصدقة أنني كنت أحارب ومصاب , نظرآ لصغر سني , وأشادت بهذا وقالت إن شاء الله مصر سوف تنتصر , وسألت إن كان لنا أي طلبات .... وطلبنا منها إبلاغ السيد الرئيس القائدالأعلي للقوات المسلحة تحياتنا وتقديرنا لقرارة الشجاع , وأن أرواحنا ودماؤنا فداءآ لمصر وأرضها ... بدأت بعد ذلك الزيارات تتوالي من نجوم المجتمع والفنانين وشباب الجامعات وتلاميذ المدارس , وغادر زميلي المستشفي بعد 5 أيام , وبقيت أنا لمدة 15 يومآ آخري ....

عندما غادرت المستشفي كان قرار إيقاف إطلاق النيران قد دخل حيزالتنفيذ منذ يومين , وبإنتصار مؤكد لقواتنا الباسلة , مهما كان حدث من الثغرة التي إستغلها العدو وعبر منها الي غرب القناة بقوات لو لم يتم إيقاف النيران لكان قد قضي علية .... قبل أن أغادر قام الكتور / رامي بفك الجبس لي وطمأنني أن الكسر قد إلتحم تمامآ بعد عمل أشعة طبعآ ...ولكنني وجدت يدي اليسري لاأستطيع فردها وأنها باقية في وضع عمودي علي جسدي يسمونة في الطب 90 درجة فقال لي سنرسلك الي مركز تأهيل المحاربين بالعجوزة , وهناك سوف يرون ماذا يفعلوا , وإطمأن لأن لابد لك من فرد ذراعك 180 درجة حتي تكون إنسان طبيعي ...

 

ذهبت في اليوم التالي لمركز التأهيل وهو يقع علي بعد لايتجاوز 50 متر فقط من منزلنا بحي العجوزة , وأدخلوني لمدير المركز وكان طبيبآ برتبة اللواء , فأعطيتة التقرير الطبي والفحوصات خاصتي , وبعد أن قرأها وتفحصها , إلتفت لي قائلآ , أنت عاوز تطير تاني , وهنا فرت الدموع من كلتا عيناي , فقد قال الحقيقة إن أنا مش حينفع أطير تاني , وقال لي لا تبكي فقلت لة كيف وأنت قد حكمت علي بالموت فالطيران هو حياتي وكيف أتركه وأنا مازلت في بدايات حياتي ... إن هذا حكم قاسي بل قاسي جدآ ... وقال لي غالبآ إن فرد اليد ماتكون أحسن نتائجة 170 درجة , وأعتقد أن هذا لايعطيك اللياقة للطيران , لأن لياقتك الطبية لابد أن تكون كاملة ... عمومآ لاتحزن ولن نتعجل وسوف أجعل علاجك مع أفضل خبير علاج طبيعي لدينا ... ونادي بالفعل , فحضر إلينا أحد الخبراء وكان تشيكي الجنسية , والذي إصطحبني الي غرفة علاج أخري وقال لي إسمع , أنا أعم أنك صغير السن , وأعلم أنك تهوي وتعشق طيران المقاتلات وسأساعدك قدر ما أستطيع وأعلم أنك ستكون معي 3 مرات إسبوعيآ ... وكل مرة لمدة ساعتبن , أما الوقت الأعظم فسيكون في منزلك عليك أن تمارس ما أقولة كثيرآ وبكل دقة , وبالفعل بدأت الجلسات وبدأت تزداد الجلسات قوة مع الأيام , اصبحت تمارين المنزل أقوي وأكثر , فقد كان يطلب مني أن أضع أثقالآ في حقيبة مدرسية وأظل حاملآ لها لمدة طويلة بذراعي لأجبرة علي الفرد , وأضعة بإستمرار في مياة ساخنة , وإحضار كرة تنس وقذفها بالحائط وأستردادها بنفس اليد .. وأخذت أستجيب للعلاج وأتحسن بشكل مطرد لمدة 3 شهور كاملة ....

 

.... بعدها قال لي لقد إنتهت مهمتي , عد الي المستشفي الجوي لتري ماذا يقررون وستكون سعيدآ , وبالفعل قاموا بالكشف علي وفرحوا بالنتيجة , فالحمد لله أن ذراعي قد عاد لوضعة الطبيعي تمامآ وحصلت علي لياقة الطيران وعدت محلقلآ من جديد مستعدآ للدفاع عن سماء وأرض بلادي حتي رتبة العميد ثم ترقيت الي رتبة اللواء وخدمت في المناصب الإدارية حتي إنتهت رسالتي العسكرية نحو بلادي ... بلادي العظيمة مصر.. وبدأت رسالتي الجديده في الحياه المدنيه لخدمه بلدي مره أخري .... وفي مجال آخر لا يبعد عن تخصصي وهو مجال الطيران المدني .....

بقلم

لواء طيار أ.ح / جاد الكريم نصر محمد الطرابيلي

 

 

       

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech