Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

المبادئ العامة للحروب التقليدية

 

 

 

 

 

        ملازم اول بحري /   شريف شكري يونس

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

{فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت وأتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين}

 البقرة/ 251

                                       تقديم

اختيار الموضوع ومنهج البحث

لقد استلفت نظري أن المكتبة الثقافية على غزارة إنتاجها لم تشتمل إلا على قدر ضئيل من كتب الثقافة العسكرية، وعلى الرغم من أننا جميعا في حاجة إلى قدر من الثقافة العسكرية يتيح لنا تتبع الأحداث العسكرية الجسام التي تميز بها قرننا الحالي، والتي كان نصيبنا منها غير قليل.

وليس من غرضنا في هذه الصفحات أن نعرض للتاريخ العسكري  بل أن نعرض الأصول العامة للأنواع المختلفة من الحروب، سواء كانت هذه الحروب تقليدية أم حروب نووية.

وسيمر بنا في حينه أن الأصول العامة بالنسبة للحروب التقليدية تعني المبادئ العامة التي تحكم عناصر هذه الحروب، وكذلك المبادئ العامة التي تحكم عناصر هذه الحروب، وكذلك المبادئ العامة التي تحكم الإعداد لها. وأما بالنسبة للحرب النووية فقد رأيت - حين حاولت التصدي لها- أن أقتصر على مبدأيها العامين في الهجوم والدفاع.

هذا والله ولي التوفيق.

                                                       شريف يونس  

                                                                                          

الفصل الأول

الحرب التقليدية (الكلاسيكية)

تمهيد

يقصد بالحرب التقليدية ذلك النوع من الحروب الذي تخوضه - بصفة أساسية - القوات النظامية لدولة أو أكثر ضد دولة أو أكثر.

ولقد عرفت البشرية هذا النوع من الحروب منذ أقدم العصور. ومن اللافت للنظر أن الأساس الفلسفي لهذه الحروب لم يتغير رغم توالي العصور عليها.

 فهذه الحروب - عسكريا - تعتمد على أربعة عناصر هي الاستراتيجية، والتكتيك، والتقدم العلمي المناسب زمانا ومكانا، ثم الخطة.

كما أنها - سياسيا- تستهدف كسر إرادة العدو، وفرض الإرادة الأخرى عليه.

ولم يضف العصر الحديث لهذه الحروب إلا أبعادا جديدة في متطلبات الإعداد لها، وذلك تحت تأثير عوامل لم يكن للأقدمين فيها خوض من مثل: ظهور الخرائط السياسية الحديثة التي تبلورت تماما بظهور عصبة الأمم ثم الأمم المتحدة، ومن مثل: شمولية الحرب الحديثة بحيث صار الإعداد لها يتطلب - فضلاً عن الجوانب العسكرية -جوانب أخرى اقتصادية واجتماعية وإعلامية وسياسية.

وسنتناول في الفرعين التاليين عناصر هذه الحروب، وقواعد الإعداد لها.

 

 

الفرع الأول

عناصر الحرب التقليدية

وتنقسم هذه العناصر-كما قلنا- إلى أربعة عناصر هي: الاستراتيجية، والتكتيك، والتقدم العلمي والخطة.

وتتميز مبادئ الاستراتيجية بالثبات، ولم يؤثر فيها التقدم العلمي ولا التطور إلا من ناحية التطبيق فقط وكذا الأمر بالنسبة لعنصر الخطة.

وأما مبادئ التكتيك، فقد كان لظهور النار أثر ملموس عليها، سواء منها ما تعلق بالصدم أو بالحركة.

وفيما يلي سنتناول كل عنصر من هذه العناصر في مبحث مستقل.

 

المبحث الأول

الإستراتيجية

وقد قيل في الاستراتيجية إنها: « استخدام الاشتباك كوسيلة للوصول لهدف الحرب » أو أنها: « فن توزيع واستخدام مختلف الوسائل العسكرية لتحقيق هدف السياسة » أو أنها: « فن  استخدام القوة للوصول إلى أهداف السياسة».

ونكتفي في مجال الإحاطة الثقافية -هنا- بمعرفة أن الإستراتيجية كلمة لاتينية الأصل، تشتمل على مقطعين Stra ومعناها الميدان، Tig ومعناها الجبل، وقد غلب في الاصطلاح استعمالها للدلالة على القواعد العامة التي تتعلق بمجمل التخطيط للعمليات العسكرية.

وللاستراتيجية بهذا المعنى مبادىء عدة عرفت منذ أقدم العصور، ولم يكن عباقرة القواد هم الذين عرفوها وإنما كانوا هم الذين استطاعوا مراعاة هذه المبادئ وتطبيقها التطبيق المناسب والسليم.

ومن هذه المبادئ ما يعد رئيسيا لا يتصور أن تخلو الاستراتيجية منها، ومنها ما يعد ثانويا، بالنظر إلى أنه لا قيمة لها ما لم تكن المبادئ الرئيسية قد روعيت قبل مراعاتها. ونتناول فيما يلي كلا من هذين النوعين من المبادئ.

 

أولا - المبادئ الرئيسية للاستراتيجية

1 - المباداة

والمبادأة هي: المبادرة إلى العمل في الاتجاه الصحيح وبأدنى تأمل، فإن المبادأة بهذا المعنى تمتد جذورها إلى لحظة ظهور الهدف السياسي لدى القادة السياسيين، إلا أنه حين يقف الأمر عند الناحية العسكرية البحتة، فإننا نجد أن القادة العسكريين لا يبدأون في العمل في الاتجاه الصحيح إلا بعد وضوح الهدف العسكري أمامهم. ذلك أن تحديد الهدف العسكري في الإطار السياسي العام، يعد من صميم اختصاص القيادة السياسية ولو عاونها في تحديده العسكريون، وأما تحقيق الهدف السياسي في إطاره العسكري، فيعد من صميم اختصاص العسكريين وحدهم.

وأول خطوة عند المبادرة بالعمل في الاتجاه الصحيح هي: تقدير الموقف، حيث يقوم القادة بدراسة أوضاعهم وأوضاع العدو دراسة شاملة لتحديد جوانب القوة والضعف في كل من الموضعين.

ويستعين العسكريون في ذلك بالمعلومات عن حجم وطبيعة القوات المعادية، والإمكانيات المتاحة والمنتظرة لها، وعوامل السلب والإيجاب في تشكيل وتدريب وتسليح وأوضاع هذه القوات.

ثم يلي ذلك تحديد الهدف المطلوب تحقيقه إزاء هذه القوات، ثم دراسة طاقة القوات على تحقيق هذا الهدف في ظل الظروف الطبوغرافية والجوية التي ينتظر أن تعمل فيها، وبعد ذلك يقوم القادة بتهيئة قواتهم قتاليا ومعنويا وإداريا وفق خطط زمنية محددة لضمان استيعابهم لهذا الهدف، وقدرتهم على تحقيقه عندما يستمر القتال.

2 - المفاجأة (المباغتة )

وإذا كان جوهر المبادأة هو المبادرة بالعمل في الاتجاه الصحيح، فإن جوهر المفاجأة هو المبادرة بالعمل في الاتجاه الصحيح بطريقة تخالف توقع وتقدير العدو.

وتعتبر المفاجأة أهم مبدأ من مبادئ الحرب، ويؤدي إحرازها غالبا إلى انهيار العدو معنويا، فضلا عن ارتباكه وعدم قدرته على اتخاذ إجراءات مضادة فعالة، بل إنه غالبا ما سيتخذ قرارات قتالية لا تتفق والموقف الحادث فعلا مما يؤدي في النهاية إلى شل عزيمته عن المقاومة تماما.

ولا تؤتي المفاجأة هذه الثمرة إلا إذا تم استغلال الموقف الابتدائي المواتي الناجم عنها في الوقت وبالأسلوب المناسبين، ذلك أن عدم تطوير الهجوم واستغلال النجاح الأولي إلى أقصى حد ممكن يتيح للعدو غالبا استعادة سيطرته ونظامه، وتفهم معطيات الموقف الجديد وابتداع الوسائل المكافئة له.

وليست هناك وسيلة واحدة لإحراز المفاجأة، فالوسائل متنوعة ومتعددة، ويكمن جوهرها جميعا في الابتكار الخلاق، وتجنب النمطية والتكرار.

ويرى بعض الباحثين، أن المفاجأة الاستراتيجية تتحقق فقط بأساليب معينة من مثل التعبئة السريعة لجيش، والحركة السباقة الحاسمة قبل إعلان الحرب رسميا، والنقل السريع للقوات من مسرح لآخر. بينما يرى بعض آخر، أن من الممكن تحقيق المفاجأة الاستراتيجية بزمان أو مكان أو قوة الهجوم كذلك.

ولا تعليق لنا على هذا الخلاف النظري إذ ليست له أهمية عملية على أرض الواقع، ولهذا سنشير هنا إلى كيفية إحراز المفاجأة بالوسائل الأخيرة المتعلقة بزمان أو مكان أو قوة الهجوم لحاجة هذه الوسائل إلى المزيد من البيان.

فالمفاجأة بزمان الهجوم تعتمد على وسائل متعددة كالإعلام المخادع، والتضليل بالمعلومات، والهجوم من الحركة، وتأخير حشد القوات إلى آخر لحظة ممكنة، فضلا عن الهجوم في الأوقات التي يقل استعداد العدو فيها كالليل أو قبيل الفجر أو في الصباح المبكر أو حتى في وضح النهار كما حدث في حرب أكتوبر سنة 1973.

وأما المفاجأة بمكان الهجوم فغالبا ما تتم بالأعمال التظاهرية، وإخفاء اتجاه المجهود الرئيسي، واتباع طرق الاقتراب غير المتوقعة، أو بدء الحرب بالهجوم على مطارات العدو المختلفة أو موانيه الرئيسية.

وقد يكون زمان ومكان الهجوم معروفين للعدو، ومع ذلك يتبين عند بدء القتال أنه مفاجئ تماما بقوة الهجوم، سواء من حيث عدد القوات، أو الإمكانيات التي أتيحت لها، أو الروح المعنوية التي ظهرت بها.

وتؤتى المفاجأة ثمارها المرجوة بالوسائل السابقة إذا واكبها روح معنوية عالية، واتصاف القوات بصفات وقدرات قتالية مناسبة، فضلا عن الاستطلاع النشط والمستمر للعدو، وكذا معرفة الأرض التي يقيم عليها استحكاماته، مع مراعاة السرية التامة في التحضير للهجوم، وإعداد السلاح المستخدم فيه، مع محاولة بدء الهجوم في وقت واحد على كافة الجبهات المتاحة، مع استغلال كل العوامل المساعدة، بما فيها مفاجأة العدو بالخيانة بين قواته.

ومن أمثلة الحروب الحديثة التي تم إحراز المفاجأة فيها: حرب الألمان ضد الفرنسيين في أثناء الحرب العالمية الثانية، فقد عمد الألمان بالأعمال التظاهرية، والإعلام المخادع، إلى إقناع القيادة البريطانية الفرنسية المشتركة بأن الضربة آتية من الشمال، مما حدا بهذه القيادة إلى نقل قواتها الرئيسية إلى شمال فرنسا في مواجهة الحدود مع هولندا، وحينذاك، حشد الألمان - في وقت محدود نسبيا - قوة ضاربة في الجنوب، وجهوا بها ضربة مفاجئة للدفاع الفرنسي الضعيف هناك، ثم استغلوا نتائج ذلك بمهارة وحذق وأنهوا الموقعة لصالحهم.

وفي صيف سنة 1967 طبقت إسرائيل الوسائل الألمانية بطريقة مناسبة، فعمدت إلى التضليل بالديبلوماسية إلى الحد الذي تحدد فيه يوم الأربعاء الموافق 7/6/1967 موعدا لاجتماع زكريا محي الدين نائب رئيس الجمهورية المصرية في ذلك الوقت بالرئيس الأمريكي حينذاك ليندون جونسون وذلك لإنهاء النـزاع بالوسائل السلمية.

ثم استغلت إسرائيل الأعمال التظاهرية الأرضية لتشتيت الفرقة الرابعة المدرعة المصرية، وجذبها ناحية جنوب سيناء بعيدا عن اتجاه ضربتهم الرئيسية بمحاذاة الساحل الشمالي، مستخدمة في ذلك الطلعات الجوية الكثيفة صوب الجنوب، والدبابات الهيكلية في منطقة الكونتلا.

وإثر ذلك قامت إسرائيل بمفاجأة أخرى، هي المبادرة بالهجوم على جميع المطارات المصرية المدنية والعسكرية في الساعة الثامنة وخمسين دقيقة، وهو وقت كان فيه الجزء الأكبر من قادة القوات الجوية لا يزالون في الطريق إلى وحداتهم، أو يتناولون فيه الإفطار!!

وقد ساعد على تجاوز هذه الضربة لحدودها- التي يرجونها-أن كانت طائرة المشير عامر وبرفقته بعض القادة في طريقها إلى مطار "المليز" بسيناء، وبالتالي كانت المدفعية المضادة للطائرات مقيدة، وغير مسموح لها بالضرب، فإذا أضفنا إلى ذلك أن الطائرات المغيرة قد اقتربت إلى أهدافها على ارتفاعات منخفضة، ومن فوق البحر ووسط الضباب، ثم قامت بمهاجمة أهدافها من الأجناب والخلف، لتبين لنا كم كسبت إسرائيل من هذه المفاجأة!

وفي عام 1973، لم نكن نحن بأقل كفاءة من إسرائيل في الاستفادة من دروس التاريخ العسكري، وابتكار الوسائل المبدعة والخلاقة لتحقيق المفاجأة إلى الحد الذي جعل الإسرائيليين ومن ورائهم أعتى أجهزة المخابرات في العالم يبصرون ولا يفقهون، حتى لكأنما غشيتهم غاشية، أو سكرت عقولهم فهم لا يعقلون بها، فإذا بهم، وحتى يوم الجمعة 5 أكتوبر سنة 1973، ينفض سامر قيادتهم السياسية، والعسكرية، والجزم على أشده بالأخطر وشيك لاشتعال القتال، وقد استغرق الأمر من الأركان العامة الإسرائيلية - فيما بعد - حتى فجر السادس من أكتوبر، لكي ترجح احتمال الحرب. ثم يمضي الوقت في موازنة بين سامر الأمس وترجيح اليوم حتى تبلغ الساعة الواحدة ظهر يوم السبت 6 أكتوبر سنة 1973 حين يهرول موشي ديان إلى مبنى القيادة العسكرية لينظر ماذا يمكن فعله في الساعات الأربع التي ظنوها باقية على بدء القتال حيث يفاجؤون مرة أخرى بأن الحرب وقعت بعد ساعة فقط وفي تمام الساعة الثانية ظهرا، وهو توقيت عد وحده مفاجأة، إذا لم يعهد في التاريخ العسكري من قبل الهجوم في مثل هذا التوقيت.

ولم تتحقق هذه المفاجأة، وبالقدر الذي تحققت به على الجبهتين، المصرية والسورية، إلا باتباع إجراءات طويلة ومعقدة، اشترك في الإعداد لها وزارات الحربية والخارجية والإعلام، وبجميع الأجهزة التابعة لهم.

وكان من بين الإجراءات التي اتبعت لتحقيق المفاجأة الاستراتيجية ما يلي:

- أولا، وابتداء من أول عام 1973، عمدت القوات المسلحة المصرية بالاشتراك مع أجهزة الإعلام المختلفة إلى ترويض العدو على رؤية بعض التحركات الواسعة، والاستعدادات القوية، في الأوقات (المجاميع) الصالحة للعبور، ودون أن يعني ذلك نية القتال.

- ثم يلي ذلك، الاستمرار على مدار العام في استكمال متطلبات الدفاع لإيهام العدو بأن تفكيرنا لا يتجاوز الدفاع بحال من الأحوال.

وحين صارت المدة الباقية على الحركة حوالي أربعة أشهر، بدأ تجميع القوات والاحتياجات تباعاً في الجبهة مع مراعاة تصغير حجمها إلى الحد الذي لا يثير انتباه العدو أو شكوكه، وزيادة في الحيطة روعي في تحريك القوات والمعدات -وخصوصا معدات العبور- تحريكها في اتجاهات مختلفة، ثانوية وعرضية داخل الجبهة، وعكسية، من وإلى الجبهة، وذلك تحت ستار التدريب، كما روعي في نفس الوقت التغيير المستمر في حجم وأوضاع القوات البرية، وأماكن تمركز القطع البحرية.

- ولما تبقى على المعركة ثلاثة أسابيع، تم دفع القوات الرئيسية من العمق إلى الجبهة تحت زعم القيام بمناورة استراتيجية كبرى، وافقت ما تعود عليه العدو من قيام القوات المصرية بمناورتها التدريبية الختامية في الخريف من كل عام. وزيادة في تضليل العدو، ولتخفيف أثر هذه التحركات على ظنونه، عمد المسئولون إلى إلقاء بعض التصريحات المخادعة، من مثل: تحديد يوم 8 أكتوبر موعد لزيارة وزير حربية رومانيا لمصر، وموافقة القيادة على سفر الضباط المصريين للعمرة.

- وقبل المعركة ب 48 ساعة بالضبط، تم التأكيد على النية التدريبية بتسريح 20 ألفا من جنود الاحتياط، مما أدى إلى زيادة بلبلة القيادة الإسرائيلية، خصوصا وأنها- بتوفيق الله -كانت في هذه الآونة غارقة لأذنيها في حادث الفدائيين بالنمسا، وما تلاه من إغلاق معسكر شوناو هناك، وقد أحسنت القيادة المصرية صنعا إذ أسرعت إلى استغلال هذا الموقف الطارئ المواتي فسربت إلى الديبلوماسيين الأجانب معلومات تفسر استعدادات مصر العسكرية على أنها - حتى إذا كانت قد تجاوزت متطلبات التدريب - فإنها بغرض - الاحتياط ضد أي هجوم قد يفكر فيه الإسرائيليون انتقاما لحادث النمسا هذا، وقد بدا هذا منطقيا وقتها مما ساعد على ابتلاع إسرائيل لهذا الطعم، وقد زاد من فاعليته، أن دافيد العازار كان قد اقترح بالفعل شيئا من هذا القبيل وإن لم يؤخذ به.

- وأما حين لم يبق على المعركة إلا ساعات، فقد دفعت إلى حافة القناة جماعات من مصاصي القصب والسابحين من الجنود في الماء، بحيث لم تستطع قوات الملاحظة الأمامية المعادية أن تشك في اللمسات الأخيرة التي جرت استعدادا للهجوم.

- وأما على الجبهة السورية، فقد روعيت إجراءات خداع مماثلة، كان من بينها حشد المدرعات السورية منكسة المدافع، وموجهة المواسير إلى داخل سوريا، بحيث يبدو كأنها تستعد للدفاع لا للهجوم، وبالإضافة لهذا، فقد تم إبلاغ العدو بطريقة ما أن سحب سوريا لبعض قواتها من الحدود الأردنية إلى الجبهة في الجولان لم يكن إلا مصالحة للملك حسين بعد اجتماع القاهرة الذي أعاد العلاقات.

وبالطبع لم تكن تلك هي كل إجراءات الخداع التي بلغت خمسا وستين بندا، وإنما كانت تلك بعض البنود الهامة والمعروفة التي آثرنا ذكرها بترتيبها الزمني لنبين فكرة التخطيط الدقيق والمتأنى في القيادة العربية للحصول على المفاجأة، والتي بلغت في براعتها أن طائراتنا المغيرة كانت تنقض على أهدافها في الثانية وخمس دقائق ظهر السادس من أكتوبر بينما جنود إسرائيل في هذه الأهداف يلعبون الكرة، ويلعنون قادتهم الذين حرموهم من الاحتفال بعيد التكفير بين ذويهم بغير مدعاة.

 

3 - الحشد

ويقصد بالحشد - في الاصطلاح العسكري - ضمان التفوق في النقطة أو النقط الحاسمة في مسرح العمليات، وبديهي أن الحشد بهذا المعنى يعتمد على التأليف الصحيح بين القوات والعتاد المتيسر.

ولا يخفى- بأدنى تأمل - أن الحشد بهذا المعنى لا علاقة له بعدد سكان الدولة المحاربة، أو تعداد جيشها في مسرح الحرب كله، اللهم إلا من ناحية المعاونة على توفير العدد المطلوب من القوات.

وقد أثبتت التجارب أن الخطط السليمة في مجال الحشد ليست بديلا عن تنفيذ الحشد بواقعية وكفاءة واقتدار.

ويتبع في تحقيق الحشد طرق عدة، أهم ما يراعى فيها عدم الإخلال بالمبادئ الأخرى للحرب، كما يراعى فيها، كلما أمكن، الاستفادة من الخطوط الداخلية، والموقع المركزي، كما تفعل إسرائيل دائما، وكما فعلت الهند في حربها الأخيرة مع باكستان بشطريها الشرقي والغربي قبل أن ينفصل الشطر الشرقي ويصير دولة بنجالادش.

ومن أمثلة السنن المتبعة لتحقيق الحشد، استخدام الاحتياطي الاستراتيجي في النقط المطلوب تحقيق التفوق فيها، وكذا إجراء الهجوم التثبيتي (الثانوي ) بعيدا عن اتجاه - المجهود الرئيسي، منعاً لعدو من تحريك قواته في اتجاه النقط الحاسمة في مسرح العمليات.

ولاشك أن مثل هذا الهجوم التبيتي يحتاج إلى تخطيط بارع، وقادة مهرة يعرفون ما يجب عليهم فعله، ويدركون مدى ما ستتعرض له قواتهم حتى ينجح المجهود الرئيسي في المكان المخطط له. وفي حرب أكتوبر سنة 1973 استخدمت القوات المحمولة جوا على الجبهة المصرية، بكثافة ملحوظة نسبيا، لإجراء الهجوم التثبيتي خلف وعلى أجناب خطوط القتال. ففي الشمال قاتلت هذه القوات لمنع قوات العدو المدرعة من التدخل لصالح المعركة الدائرة عند خط القتال، كما أن هذه القوات، وقد أسقطت فوق خط الممرات، لم تسمح للعدو بتجاوز المضايق الجبلية إلا بخسائر ملحوظة، وأما في الجنوب، فقد كفى قوات الصاعقة المصرية شرفا، أن قواعد دورياتها هناك قد أجبرت مجموعة من قوات العدو، من بينها لواءين مدرعين، على البقاء في أماكنها، وبالتالي تخفيف الضغط على القوات المقتحمة لقناة السويس.

ولم تكن تلك بالطبع هي كل قوات المجهود الثانوي فقد كانت هناك نسبة من هذه القوات تعمل على قناة السويس كذلك، ولعل هذا هو أساس اختيار الهجوم على كل مواجهة القناة حتى لا يفطن العدو إلى اتجاه المجهود الرئيسي، ويضطر بالتالي إلى توزيع قواته على كافة المواجهة وهو ما حدث منه، وأدى إلى ضعف هجماته المضادة على طول المواجهة، تطبيقاً لقاعدة: « إن القائد إذا حاول أن يكون قويا في كل ميدان فسوف يكون ضعيفاً في كل مكان ».

 

4 - خفة الحركة

وخفة الحركة تعني في المنطق العسكري أمرين: أولهما التحرك بالسرعة المطلوبة في الزمان والمكان الصحيحين، وثانيهما سهولة التحرك في أي اتجاه، أي المرونة في إجراء المناورة الاستراتيجية.

ولاشك أن إحراز التفوق في خفة الحركة ليس أمراً مطلقاً، بل هو أمر نسبي يتم بالمقارنة بالقوات المعادية.

على أنه في إطار الحرب التقليدية، فإن خفة الحركة تتحقق في الوقت الحاضر بوسائل عدة، منها: ميكنة القوات واستخدام الوسائط السريعة للنقل جوا وبحرا، ووضع القوات في أماكن تمركز مختارة، وكذا تدريب القوات على معطيات الاختراق السريع، والحرب الخاطفة.

 

ثانيا – المبادئ الثانوية للاستراتيجية

وللاستراتيجية مبادئ أخرى، يثور الجدل أحيانا حول الاعتراف بأهميتها الاستراتيجية، إلا أن الذي يعنينا هنا، أن نؤكد أنه لا قيمة لهذه المبادئ الأخرى بمفردها، فهي لا تعني شيئا بدون المبادئ الرئيسية التي سبق الإشارة إليها.

ومن هذه المبـادئ « البساطـة » والتي تتطلب من القـائد - إذا توافرت له عدة خطط سليمة - أن يختار أبسطها، فكلما اتسمت الخطة بالبساطة، قلت الأخطاء التي لابد أن تصاحب كل حرب.

فالقادة المهرة يعرفون أن الحرب التقليدية بطبيعتها غنية بالمشاكل، سواء أكانت هذه المشاكل إدارية تتعلق بمتطلبات الإعاشة والإمداد بالذخيرة والعتاد والوقود واستعواضهم، أو مشاكل قتالية تتعلق بوصول القوات إلى المحلات المختارة في إطار من السرية والأمن، ثم قدرتها على تنفيذ المهام الموكلة إليها بنجاح، سواء كانت هذه المهام معدة من قبل، أم متغيرة وفقا للمواقف المتحددة للقتال وليست هذه المشاكل وحدها بالأمر اليسير لكي يضيف إليها القائد خطة معقدة.

ومن المبادئ الأخرى كذلك « التعاون » فطابع الحرب التقليدية وخصوصا الحديثة منها، هو التعاون بين الأسلحة المختلفة في تقسيماتها الرئيسية إلى برية وبحرية وجوية ودفاع جوي، أو في تقسيمات الأسلحة الفرعية التابعة لكل قسم من الأقسام السابقة.

ولم يعد ممكنا في الوقت الحاضر كسب الحرب إلا إذا عملت القوات المسلحة كلها بنغمة واحدة، وبإيقاع واحد سواء في البر، أو في البحر، أو في الجو.

ولا يكفي التعاون وحده لتحـقيق الغرض المنشود إلا إذا صاحبه تنسيق دقيـق كذلك، فقد كان سـر نـجاح الألمـان - مثلا - في الحرب العالمية الثانية، هو قدرتهم على التنسيق بين طاقم (قاذفة القنابل - الدبابة- المشاة الميكانيكية).

ويتطلب تحقيق التنسيق بنجاح وصول المعلومات الصحيحة باستمرار، ذلك أن التنسيق بين القوات قي الجيوش الحديثة يتم في مركز القيادة العليا، ومن على الخرائط المبسوطة، نظرا لاتساع مسارح العمليات في الوقت الحاضر.

كما أنه لضمان نجاح التعاون والتنسيق بالمفهومين السابقين، لابد من توافر وسائل الاتصال الكافية، رئيسية وتبادلية، وعلى أن تتميز جميعها بالكفاءة والتنوع فضلا عن سريتها بالطبع.

ومن المبادئ الأخرى للاستراتيجية كذلك « توحيد القيادة ». فالتحركات الاستراتيجية تتم في كثير من الأحيان بناء على معلومات ظنية الثبوت أو الدلالة، حيث تتعلق هذه المعلومات بتصميم العدو، ومكان قواته، ومواعيد تحركها، وحجم هذه التحركات، ولا يتم اتخاذ القرارات المناسبة لهذه المعلومات إلا على بساط الافتراض، مما يتطلب عزما وحسما شديدين.

ولا ضير في توحيد القيادة، مادام القائد مختارا من بين أقرانه لبعد نظره، وصوابية حكمه، وسلامة بصيرته وعقله اللماح، وشخصيته الفذة.

فالقيادة وفق هذه الميزات أفضل بكثير من مجالس الحرب، التي تتألف من أنداد، يستطيع كل منهم عند اللزوم أن يحمل زميله مغبة النتائج التي غالباً ما تكون كارثة، فالعدو غالبا ما يعقبهم من اتخاذ القرار بعد أن تطول مناقشاتهم.

* * *

ويتبقى لدينا بعد ذلك من المبادئ الأخرى للاستراتيجية أربعة مبادئ على جانب كبير من الأهمية، وهذه المبادئ هي: الاقتصاد في القوة، والمحافظة على الهدف، وضمان الشئون الإدارية، وارتفاع الروح المعنوية.

ويعني مبدأ « الاقتصاد في القوة »، الاكتفاء عند دفع القوات للاشتباك الفعلي بالقدر الملائم منها للظروف، مع الاحتفاظ بالقوات المتبقية دون دفع، فبعد حشد القوات للنقط الحاسمة من مسرح العمليات، لا يشترط دفع هذه القوات جميعها، وإنما يتقيد الدفع الفعلي لهذه القوات بمبدأ الاقتصاد في القوة.

وتعتبر مراعاة هذا المبدأ ضمانة هامة لتحقيق المرونة في التنفيذ، وتحقيق القدرة على مواجهة المواقف الطارئة.

وأما مبدأ « المحافظة على الهدف » فيعني التزام - القادة كل في موقعه بالهدف المحدد له في الخطة، حيث لا يصح أن يلهيه عن هذا الهدف وقائع الحرب مهما كانت، أو مغريات التنكب مهما عظمت.

وليس معنى ذلك أن هذا المبدأ يعني الجمود التام، أو التنكر لمعطيات الواقع أثناء القتال، فللقادة أن يتصرفوا عند التنفيذ بمرونة وذكاء، على أن يراعوا دائما مع تعدد الحركة ثبات الهدف، أو كما قال القائد الروماني الشهير رومونوس: « لا يهم ما دامت كل الطرق توصل إلى روما ».

وأما عن « الشئون الإدارية »، فقد تناسبت أهميتها طرديا مع تعاظم الاحتياجات القتالية في الحرب الحديثة، فالجند، لا يستمرون في القتال بمعدة خاوية، أو خزنة فارغة، كما أنهم لا يتنقلون بعربات خالية من الوقود، فضلا عن أنهم لا يقاتلون بدبابة لم يتم إصلاحها أو طائرة لم تتحقق صيانتها.

ونحن سنسلم أكثر بأهمية الشئون الإدارية، إذا عرفت أن كل المشاكل السابقة ليست إلا قليلا من كثير، وغيضاً من فيض من مشاكل الشئون الادارية، تلك المشاكل التي تمتد لتشمل كل ما يساعد على تحلي الجنود بالرغبة المتجددة للقتال، بالغة ما بلغت احتياجاتهم الإدارية في هذا الشأن، حتى لو تعلقت بعلاج مرضاهم، وإخلاء جرحاهم، أو حتى الترفيه عن الأصحاء منهم، ولهذا ذاع القول المأثور: « إن الصحراء جنة رجال التكتيك ونار رجال الشئون الإدارية ».

وأما « الروح المعنوية »، فقد كان أحسن ما قيل فيها: « أن السلاح بالرجل ». فالجندي الشجاع تتجنبه الطلقة، ويرتعش أمامه السونكي. وكم من حروب كانت الروح المعنوية أساس الهزيمة فيها.

وليست هناك وسيلة واحدة لرفع الروح المعنوية، فهناك وسائل متعددة، أهمها بث الإيمان بين الجنود، واختيار قادة العمليات من بين القادة الصالحين والمعروفين بالحرفية اللازمة لكسب الحرب، وكذا التأكيد الدائم على استمرار الاستعداد العالي للقوات ورئاستها، وكذا على الاحتفاظ دائما باللياقة البدنية العالية.

والروح المعنوية في المجال الاستراتيجي، تتوقف في كذلك على محبة الجنود لقائدهم الأعلى، وتمتع الأخير بثقتهم فيه، وذلك إنما يكون باحتفاظه الدائم بوضوح الرؤية أثناء الحرب.

 

المبحث الثاني

التكتيك

تحدثنا من قبل عن المبادئ الاستراتيجية، وتبين مما قلناه أن الاستراتيجية ترتبط بتحرك القوات وأوضاعها قبل المعركة، وبالتأمل، لا يخفى أن الغرض من تطبيق مبادئ الاستراتيجية هو إجبار العدو على القتال في الوضع الذي لا يلائمه عند الاتصال به بهدف الفوز بالنصر في مواجهته.

لكن إحراز هذا النصر لن يتأتى بتطبيق المبادئ الاستراتيجية وحدها، بل يجب أن يتوج التطبيق المبدع لهذه المبادئ الاستراتيجية بنجاح تكتيكي كذلك، إذ لا تغني الاستراتيجية الناجحة عن اتباع التكتيكات السليمة داخل المعارك المختلفة التي تنظمها الحرب، فالتكتيك الفاشل لن تجدي معه الاستراتيجية المنتهجة مهما كانت درجة تفوقها.

ويقصد بالتكتيك في مجالنا هذا: القواعد التي تستخدم لتحقيق التأليف الصحيح بين النار والحركة بغرض إحراز قوة الصدم المطلوبة، وكذا الاستفادة التامة من الخصائص الفنية للسلاح المستخدم.

ولا يؤثر في بقائنا في نطاق تطبيق القواعد التكتيكية أن تكون الوحدة المستخدمة من النطاق التعبوي، فمبادئ التكتيك التي ستمر بنا بعد حين تشمل ما دون الاستراتيجية ولو كان تعبويا.

وللتكتيك عنصران رئيسيان هما: النار، والحركة. وينتظم هذين العنصرين مبادئ عامة هي بعينها مبادئ الاستراتيجية وإن تبلورت لتلائم المجال التكتيكي بالطبع. وفضلا عن هذه المبادئ العامة فهناك مبادئ خاصة لكل عنصر من عنصري التكتيك.

وسنتناول في القسمين التاليين مبادئ كل عنصر من عنصري التكتيك، أي مبادئ النيران ومبادئ الحركة.

القسم الأول:

مبادئ النيران

ويعتبر استخدام النيران في المعارك التقليدية الحديثة هو الأساس، ويستثنى من ذلك حالات قليلة قد ستخدم فيها السلاح الأبيض. ويتوقف النجاح التكتيكي كثيرا على التخطيط الدقيق للنيران.

ويكون التخطيط النيراني دقيقا ومحكما إذا ما روعي فيه المبادئ العامة التالية:

أولا الحشد:

ويقصد بالحشد في هذا المجال تجميع أكبر قدر ممكن لمصادر النيران في المراكز الرئيسية للمعركة التكتيكية.. ويتطلب تحقيق هذا الحشد مراعاة التأليف الصحيح بين السلاح المتيسر والمحلات المختارة له بعناية، وهذا بالطبع مع مراعاة التنسيق الكامل مع المستوى الاستراتيجي والمستويات التكتيكية الأخرى.

ثانيا - المفاجأة :

فلا قيمة لهذا الحشد إذا أتى بطريقة يتوقعها العدو، ويعد لها الوسائل المضادة المناسبة، فلابد لكي نجني الثمرة المرجوة من أن نحرم العدو من الوقت الكافي والاستعداد المناسب لمواجهة التخطيط النيراني المعد ولن يتحقق هذا إلا بمفاجأته بالنيران.

 ثالثا - الدقة والمرونة

فلن يكلل الحشد، ولن تتوج المفاجأة بالنجاح، إلا إذا كانت النيران معهما دقيقة ومرنة، خصوصا وأن التقدم العلمي الهائل قد أدى إلى ضمان سقوط النيران في البقعة المطلوبة بالضبط، كما أنه أدى كذلك إلى تحقيق القدرة على المناورة بالنيران بالطريقة المطلوبة تماما.

رابعا - الاستمرار:

فقد تتوافر للقائد المحلي كل العوامل السابقة، إلا أن ذخيرته تنفذ دون أن تكون هناك خطط موضوعة لضمان استعراضها واستمرارها، وهنا يتكفل العدو غالبا بحل هذا الأشكال.

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech