Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

الجاسوس النبيل

مهّد للقاء بين منظمة التحرير وواشنطن وبذر بذور التسوية السلميّة شخصيات أميركية عديدة برعت في مجال الجاسوسية وأجهزة المخابرات، غير أن روبرت أيمز يتفرد بصفات قلما تحلى بها جاسوس غيره، هذا الشاب المولود عام 1934 في فيلادليفا لأبوين فقيرين، إضافة إلى شقيقتين.

كان مولعاً بالقراءة منذ صغره "يلتهم الكتب التهاماً"، فعندما كان في العاشرة، قرأ موسوعة "الإنسكلوبيديا البريطانية"، وكان شديد التدقيق في التفاصيل، ثم تخصص في "الاجتماع وعلم النفس"، إلى جانب موهبته المميزة في تعلم اللغات، التي مكنته من إتقان الإسبانية والفرنسية.

كان يطمح إلى الالتحاق بمكتب التحقيقات الفدرالي، وعندما دُعي إلى الخدمة العسكرية عام 1956، وضع في شعبة الاتصالات العسكرية في الشرق الأوسط، فأرسل إلى "أسمرة" بأريتريا في مركز للتنصت، وهو ما فتح عينيه على عالم المخابرات، ليقوده هذا العالم إلى تعلم العربية قبل انتهاء خدمته.

في أواخر الستينيات عرضت عليه وكالة المخابرات المركزية عملاً براتب 5000 دولار سنوياً، فالتحق ببرنامج تدريبي وعُين في قسم الشرق الأدنى بـ"جناح النخبة"، وأرسل إلى القنصلية الأميركية بالظهران في السعودية، ليلتقي بشخصيات ورجال أعمال وسياسيين على أرفع المستويات في كل من السعودية وعُمان ولبنان والعراق وإيران، فضلاً عن قادة من جبهة التحرير الفلسطينية، استفاد منهم في مهامه المخابراتية. رقي إلى مناصب عدة في الوكالة، أهمها رئيس قسم عمليات الشرق الأوسط وشبه الجزيرة العربية عام 1975، ولا يمكن لأحد أن ينكر أن أيمز، الذي خطفه الموت في تفجير ببيروت، هو مهندس اتفاق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما أن معظم التقارير التي كان يرفعها إلى الوكالة ما زالت سرية حتى اليوم، ولعل الأيام المقبلة قد تظهر تفاصيل أدق عن مغامرات هذا الجاسوس النبيل.

"
الجريدة" تنشر الحلقة الأخيرة لأهم أحداث كتاب "الجاسوس النبيل" من تأليف كاي بيرد، وترجمة

د. محمد جياد الأزرقي.

يذكر أن هذا الكتاب المثير للاهتمام متوافر في جميع المكتبات، وهو أحد إصدارات الدار العربية للعلوم (ناشرون) الزاهرة،


ترك بوب وعائلته بيروت في مطلع صيف 1971، وأقاموا مؤقتاً ليس بعيداً عن مقر الوكالة في بيت بمدينة رستن في شمال فرجينيا، وفي أواخر مايو 1972، نقل بوب إلى صنعاء للقيام بمهام مؤقته.

طار إلى باريس وتوقف في روما، وحطت طائرته في البحرين، حيث اجتمع مع زميله في الوكالة وصديقه من أيام عدن دك رون، أمضى يوماً يتبادل المعلومات معه، ثم طار إلى بيروت عن طريق الظهران.

كان عمله في القنصلية تغطية لعمله الحقيقي، لكن هذا العمل كان مصدراً جيداً للمعلومات، فكان يمضي ساعات طويلة وهو يطور علاقاته ويكتب تقاريره عن المخبرين العاملين معه، كانت مهمته الأساسية مراقبة ما كان يجري في عدن، لكنه وجد الوقت ليكتب عن التطورات السياسية في اليمن الشمالي.

عاد أيمز إلى أميركا يوم 13 أغسطس 1972 خلال حملة الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس نيكسون بأغلبية كبيرة في شهر نوفمبر من ذلك العام، وفي مطلع أبريل من 1973 عين هلمز سفيرا في طهران واصطحب معه واحداً من أكبر خبراء الوكالة في الشؤون الإيرانية وهو جورج كيف، الذي وافق أن يعمل نائباً لمدير المحطة هناك آرت كالاهان، لكن هلمز طلب أيضا اصطحاب بوب أيمز.

كتب أيمز في ربيع 1972 رسالة طويلة وصريحة إلى زين عبر فيها عن مخاوفه فقال "أنا على اطلاع تام بنشاطات صاحبنا (سلامة ).



من الواضح أن أيمز على علم بخطط الموساد لاستهداف سلامة، وفهم مصطفى مباشرة أن بوب يحذر "صديقهما" ويقترح انتقاله من شقته في شارع فردان، وفي ذلك الربيع أطلع مصطفى سلامة على ما ذكره أيمز في رسالته بتاريخ 26 مارس 1972، كما أنه أطلع عرفات عليها فسخر من التهديد.

بعد أقل من سنة، وفي مساء 9 أبريل 1973 نزل 17 من الكوماندوس الإسرائيليين على الساحل اللبناني مستخدمين زوارق مطاطية سوداء نقلتهم من سفينة حربية راسية على بعد ميلين من الساحل، كانت المجموعة بقيادة إيهود باراك الذي أصبح في ما بعد رئيس وزراء حكومة إسرائيل، وسميت العملية "ربيع الشباب"، نزلت المجموعة عند ساحل أحد الفنادق وانتقلت بسيارات كانت معدة سلفا مسافة خمسة أميال للوصول إلى قلب بيروت، واغتالت ثلاثة من قادة المنظمة الكبار في شققهم في شارع فردان هم محمود يوسف النجار (أبويوسف)، وهو محام اعتبر في وقته الرجل الثاني في حركة فتح، والآخر هو ممدوح عدوان وكان مهندس نفط وعضواً في اللجنة المركزية للحركة، أما الثالث فهو كمال ناصر المتحدث الرسمي باسم منظمة التحرير الفلسطينية، وكان شاعرا معروفا.


أصيبت القيادة الفلسطينية بالصدمة، إذ كان عرفات في تلك الليلة نائما في شقة قريبة، لقد نجا، لأن أحد حراسه سمع أصواتا خافتة تهمس بالعبرية في الشارع فأدرك ما كان يجري، فأسرع وأيقظ عرفات وهربه من باب خلفي إلى سيارة نقلته إلى مكان آخر، كاد يقع في قبضة الإسرائيليين، كما أن أبو إياد رئيس أيلول الأسود كان قد أمضى ليلة سابقة في إحدى تلك الشقق. شيع ما يقارب نصف مليون شخص الشهداء من القادة الفلسطينيين، وأصيب علي سلامة هو الآخر بالصدمة من جرأة فرقة الاغتيال الإسرائيلية.

فقامت الحركة بعملية ميونخ فأصبح سلامة رمزا حيا للقتلة في ميونخ، وتحول إلى أيقونة لكل من الفلسطينيين والعرب، وفي داخل الموساد أضحى قتله فكرة تستحوذ على أفراد المؤسسة، إذ حاولت المخابرات الإسرائيلية تصويره على أنه الشيطان نفسه.

من الغريب أنه بعد مأساة ميونخ بقليل، قامت وكالة المخابرات الأميركية بمحاولة أخرى لتجنيد سلامة كعميل، ولكن أيمز لم يساهم بهذه المحاولة، ولكن كان هناك شاهد عليها وهي زوجة سلامة نفسه، إذ أخبرت نشروان شريف الصحافي تيلر "شاهدت أحدهم يعطيه شيكاً لم يكتب عليه مبلغا معينا، وقال له أن يكتب ما يشاء فغضب زوجي جداً لأن ذلك كان إهانة قوية له، فرمى الشيك وغادر الغرفة.

رغم ذلك لم يتخل أيمز عن استعادة صداقته مع سلامة إلى سابق عهدها، لكنه علم جيداً أن المحاولة الفظة بمنحه شيكا مفتوحا قد عقدت المحاولات لفتح قنوات الاتصال معه، كانوا أغبياء، لأن محاولات شراء سلامة بدولارات الوكالة قد أغضبت الشاب الفلسطيني، لكن أيمز فهم أيضا أن الوكالة بذلك العمل قد عرضت حياة سلامة للخطر.

أخبر أيمز زين أنه يخطط أن يكون في بيروت في 24 فبراير وثانية وفي 9 مارس "وهناك الكثير مما أود إخبارك به، لكني لا أستطيع وضع ذلك على الورق، كما أن بودي أن أقابل علي في أي مكان يختاره، وإني مستعد للإجابة عن أي سؤال في ذهنه شخصيا، وإذا كان يود "قتلي" فتلك فرصته، بالرغم من أنني أعتقد أننا فوق مثل هذه الأشياء.

في الأسبوع الثاني من مارس 1973، استطاع أيمز استئناف الاتصال بسلامة، والتقيا في بيروت بعد فترة قصيرة من استيلاء خمسة مقاتلين من أيلول الأسود على مبنى السفارة السعودية في الخرطوم أثناء حفل توديع للملحق الأميركي جورج كورتس مور.



بتاريخ 2 مارس 1973 اقتاد أعضاء الجماعة السفير نيول والملحق كورتس مور ودبلوماسي بلجيكي إلى قبو السفارة وقاموا بإعدامهم رميا بالرصاص فحظي هذا القتل بإدانة عالمية.

في مطلع السبعينات، تلقت الوكالة معلومات غير مؤكدة أن المنظمة تخطط لاغتيال الرئيس نيكسون، فبعث أيمز رسالة مستعجلة إلى سلامة يستوضح الأمر.

حقق الأخير في الموضوع واجتمع مع أيمز ومدير محطة الوكالة في بيروت جين برغستولر في فندق بدفرد، وأخبرهما أن الموضوع ليس أكثر من إشاعة طبخها رجل أعمال ليبي اسمه الخضيري، الذي تم إلقاء القبض عليه في روما خلال محاولته تهريب 15 كيلوغراما من الهيروين.

كان باسل الكبيسي التالي على قائمة اغتيالات إسرائيل، وهو العراقي الذي قابله أيمز بين عامي 1967- 1968 في عدن، عندما صادقه لاستحصال المعلومات منه، كان لهما اهتمام مشترك بتاريخ حركة القوميين العرب ربما حاول أيمز تجنيد الكبيسي، ولكن على الأغلب أن العلاقة بينهما اقتصرت على الصداقة، ووصفها أيمز بأنها "علاقة بمصدر مطلع" لكن "الموساد" اغتالته في فرنسا في أبريل 1973.

بعث سلامة في أواخر يونيو 1973 رسالة الى أيمز قال فيها إنه بحاجة للقائه بشكل عاجل، لذلك فإن الأخير طار من طهران إلى بيروت، فالتقى الاثنان في بيت آمن للوكالة في 9 و10 يوليو كانت أمامها قائمة مواضيع عديدة، أبلغ سلامة أيمز بانطباعاته عما يجري في لبنان، وقال إن عرفات قد أصدر التعليمات لقواته لتحاشي الصدامات مع الجيش اللبناني "مهما كان الثمن".

كما شكا لصاحبه من برنامج الاغتيالات الإسرائيلي، كان آخر الضحايا محمد بوضيا، وهو كاتب مسرحي جزائري تم اغتياله عن طريق تفجير سيارته في باريس بتاريخ 29 يونيو كشف سلامة أنه جند بوضيا شخصيا ليتولى إدارة عمليات أيلول الأسود في فرنسا، اعتقد أيمز أن "تلك معلومات مهمة"، وبعد يومين من اغتيال بوضيا، وفي الساعات المبكرة من صباح يوم 1 يوليو 1973 تم اغتيال العقيد يوسف آلون مساعد الملحق الجوي العسكري في السفارة الإسرائيلية في واشنطن.

خلال مباحثات يومي 9 و10 يوليو في بيروت، عرف أيمز ان سلامة يريد إخباره بشيء بالغ الأهمية، قال علي إن عرفات قد أعطاه تعليمات لأخذ مبادرة رئيسية لمفاتحة الأميركيين.

شعر عرفات "بالامتنان" لما ورد في البيان المشترك الصادر عن لقاء نيكسون والزعيم السوفياتي ليونيد برجينيف الذي تطرق إلى "مصالح الفلسطينيين في الشرق الأوسط"، وأطلع سلامة أيمز أن تغييرات كبيرة قد حدثت في الحركة الفلسطينية منذ التقيا آخر مرة في مطلع مارس 1973 كان عرفات يريد إخبار الأميركيين بأنه قد "وضع حداً" لأي عمليات فدائية تستهدف الأميركيين، ولذلك فإن سلامة صرح بأن عمليات الفدائيين ستقتصر على الأردن وإسرائيل فقط،

فالمملكة الأردنية هي الهدف الأول لماذا؟

أوضح سلامة أن عرفات قد اقنع رفاقه أن يجروا تغييرا في فكر فتح بأن "إسرائيل هنا، وهي باقية"، لذلك فإن دولة ديمقراطية للمسلمين والمسيحيين واليهود في إسرائيل ليست أمراً واقعياً، ولأنه يجب أن يكون للفلسطينيين وطن، فإن ذلك الوطن هو الأردن".

وضع أيمز تلك الأفكار في مذكرة قدمها للسفير هلمز بتاريخ 18 يوليو "ادعى عرفات انه يحظى باتفاق كل الدول العربية من حيث المبدأ، لإحلال جمهورية فلسطينية محل المملكة الهاشمية. وعليه، فإن الأردن سيكون الهدف الرئيسي للفدائيين، على أن يتم الاحتفاظ باستمرار النشاطات الإرهابية ضد إسرائيل للإبقاء على مصداقية الحركة ان عرفات يريد دولة حقيقة أو لا شيء".

رد أيمز أنه لا يمكنه أن يتوقع برد واشنطن على مثل هذه "الأسئلة الاستفزازية"، ومع ذلك فإنه سيرفعها، وفعل ذلك في أواخر يوليو سافر هلمز إلى واشنطن وأخبر كيسنجر بلقاء أيمز مع سلامة الذي نقل رغبة عرفات في الحوار مع واشنطن، وأن هذا الحوار يقوم على مبدأين هما "ان إسرائيل هنا، وهي باقية"، وان دولة فلسطينية يجب أن تحل محل المملكة الهاشمية.

غضب المدير العام للموساد إسحق هوفي، الذي شغل المنصب بين الأعوام 1974-1982 حين علم ان كيسنجر يتعامل مع المنظمة، خصوصا أن على سلامة الذي يعتبره مخطط عملية ميونيخ هو من بدأ تلك المحادثات وأسوأ من ذلك، انه اعتقد ان عرفات قد عين سلامة مندوبا للمنظمة للتواصل مع الأميركيين.

أصيب هوفي بالشحوب، لأنه اعتقد ان الأميركيين يتفاوضون مع رجل حاول الموساد اغتياله حديثا.

اخبر مندوب المنظمة الذي قابل والتر أن علي حسن سلامة هو من احبط محاولة لاغتيال كيسنجر بتاريخ 16 ديسمبر 1973 عندما وصل إلى بيروت، كانت جماعة أبو نضال هي من كانت تنوي القيام بتلك المحاولة، وهذه جماعة إرهابية متطرفة مسؤولة عن اغتيال عدد كبير من الغربيين، وحتى بعض الشخصيات من المنظمة كانوا ينوون إسقاط طائرته بصاروخ أرض- جو عند اقترابها من مطار بيروت.



بتاريخ 8 يونيو 1974 صرح عرفات أن المجلس الوطني الفلسطيني صوت بالإجماع على تبني "خطة جديدة من عشر نقاط" كتبت الوثيقة بلغة معقدة مبهمة مقصودة فحواها ان المنظمة تسعى لإقامة دولة فلسطينية على أي قسم من الأرض الفلسطينية مما يمكن "تحريره" كان ذلك اشارة الى الضفة الغربية وغزة، وهي المناطق التي احتلتها إسرائيل عام 1967 وبقيت تحت سيطرتها منذ ذلك الوقت، كانت تلك هي الخطوة الأولى نحو (حل الدولتين)، وكانت اعترافا رسمياً وتطبيقا لما باح به سلامة الى أيمز في الصيف الماضي بأن إسرائيل هنا، وهي باقية".


خلال مؤتمر القمة العربية بتاريخ 28 اكتوبر 1974 في الرباط صوت الرؤساء والملوك ان المنظمة هي "الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني". وتبع ذلك بسرعة دعوة الأمم المتحدة لياسر عرفات للحضور الى نيويورك والقاء خطاب امام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبتاريخ 13 نوفمبر 1974، وصل عرفات بصحبة سلامة ووفد من المساعدين وفريق للحراسة.

اجتمع سلامة في اليوم نفسه مع جالس وافرالي مدير محطة الوكالة الجديد في بيروت في الجناح الذي شغلته المنظمة في فندق ولدورب استوريا، كان أيمز قد مهد لذلك الاجتماع وكان مصطفى زين موجودا، وهو من قدم سلامة لوافرلي. كانت الترتيبات الأمنية صارمة جدا، وشغل الوفد الفلسطيني ثلاثة طوابق في الفندق الفاخر.

امضى زين وسلامة ووافرلي اربع ساعات معاً لمناقشة تفاصيل الاتفاقية الأمنية، وأخبر زين سلامة بأن بوب طلب منه التأكيد على ان المنظمة تريد قبولها كدولة "وانها ستتصرف كدولة تود الانضمام الى المجمع الدولي". كما انهم اتفقوا على تعاون المنظمة والوكالة لمحاربة العدو المشترك مثل جماعة أبونضال.

وأدرك عرفات ان القناة التي كانت تمر من خلال بوب أيمز الى قيادة الوكالة، وبالتالي الى البيت الابيض، قد اعطته فرصة لكي تحظى المنظمة باعتراف اميركي يضمن حقوق الشعب الفلسطيني لنيل الاستقلال وتقرير مصيره، وبهذا المعنى فإن أيمز والوكالة قد بذرا بذور التسوية السلمية.

كتب أيمز لصديقه زين في يونيو 1974، قبل ايام من اقناع عرفات للمجلس الوطني الفلسطيني بنقل فكرة دولة فلسطينية على جزء من الأرض المحررة، يقول "انا فقط وسيط، والوسطاء يمضون في العادة وقتا طويلا في الانتظار، وهناك قول (من صبر ظفر). وهو ما ينطبق عليك وعليّ أيضاً. أخبر صديقنا بأن يتحلى بالصبر".

حتى لو لم يكن سلامة عميلا رسميا، فإن أيمز على الاقل اعتبر نفسه مسؤولا جزئيا عن جلب ذلك الثوري الفلسطيني الى دائرة الضوء. كانت تلك خطوة للشرعية السياسية والابتعاد عن الإرهاب. لقد كان سرا مكشوفا في الوكالة انه هو الذي اثر علي عرفات  ، وان البعض مع ذلك عرف ان أيمز نجم صاعد.

خلال مسلسل الحوادث بين عامي 1973-1974، كان أيمز يعمل في طهران بامرة السفير هلمز، ثم انتقل الى الكويت، وقد طار بشكل متكرر الى بيروت للقاء سلامة، لكن عمله في طهران تطلب منه ان يحصل على خبرات جديدة عن الأمور التي تخص الإيرانيين.



في خريف عام 1973، وبعد ستة اشهر من وصوله الى طهران حصل أيمز على ترقية كبيرة ليكون مديرا لمحطة الوكالة في الكويت. كان السفير هلمز هو من اعد لتلك الترقية، ان بوب سعيدا جدا بالعودة الى شبه الجزيرة العربية، غير ان زوجته تبرمت، لأن العائلة مازالت غير مستقرة بعد، تعيش في بيت مؤقت في طهران وقت أن صدرت الأوامر بالانتقال.

عندما وصلوا الى الكويت، كان متاعهم الذي شحنوه من واشنطن لا يزال محملا على ظهر باخرة متجهة الى إيران. أقامت العائلة في فندق هيلتون غير البعيد عن السفارة الاميركية، لكنها وجدت بيتا مسيجا على طراز بناء البيوت الخليجية. ومن سطح ذلك البيت كان باستطاعة العائلة ان ترى المياه الفيروزية للخليج، سجل الاطفال في المدرسة الأميركية، لم تكن توجد في الكويت خدمات تلفزيون بعد، لكن الأطفال باستطاعتهم ان يمشوا إلى الساحل ويسبحوا كل يوم تقريباً.

استمتع بوب بالعودة الى الأجواء التي يفضلها، فبدأ يستقل سيارته ويتوجه للبادية ويتوقف هنا وهناك للحديث مع البدو في طريقة دعيت العائلة في احدى الأمسيات لتناول العشاء عند احد الجيران. نصبت خيمة سوداء في حديقة البيت وجاء مضيفهم بصحن كبير مليء بالارز وفوقه خروف مشوي محمر.

ارسل أيمز في ذلك الخريف برقية على السفير هلمز، اخبره فيها عن الحياة الجديدة للعائلة في الكويت فرد بالقول، "انني سعيد أن الأمور تجري بهذا الشكل الجيد".

يفضل أيمز كثيرا العمل الميداني في الخارج على العمل في احد مكاتب لانغلي وحضور الاجتماعات، اضف الى ذلك ان مرتبه يكون اكثر، تولت الوكالة دفع ايجار البيت، وكان بإمكانه استخدام سيارات السفارة، كما صرفت له مخصصات مالية اضافية. وطبعا كانت السفارة تدفع له ما يصرفه خلال اجتماعاته السرية مع العملاء. كان يعمل تحت امرته في محطة الكويت ضابطان، وكان الثلاثة في الغالب يرسلون ما يقرب من 20 تقريرا في الشهر.

تمكن خلال وجوده هناك من تحنيد عميل فلسطيني يبدو انه على معرفة واسعة بالسياسات الفلسطينية والكويتية، اعطى بوب هذا العميل السري اسما هو MJVOICE/1 وكانت له ارتباطات قوية بالجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين.

يستمر تعيين منصب مدير المحطة في العادة ثلاث سنوات، لكن واشنطن اعتبر الكويت موقعا صعبا، لذلك فإن المديرين هناك لم يمكثوا أكثر من سنتين، وايا يكون الأمر انتهت مهام بوب في صيف 1975. وربما كان سبب نقله من الكويت مقالة نشرت في مطلع عام 1975 في مجلة Counter Spy، وهي مجلة يسارية تترصد نشاطات وكالة المخابرات المركزية وتنتقدها وكشفت فيها اسمه.


طلب سلامة من أيمز أن يأتيه بجواب واشنطن عن الأسئلة التالية:

ماذا تقصد حكومة الولايات المتحدة عندما تقول "المصالح الفلسطينية"؟

كيف يتعامل "الحل السلمي" مع مسألة "المصالح الفلسطينية"؟

هل سيفسح المجال للفلسطينيين في وضع خطط الحل السلمي الجزئي أو الشامل؟ إذا كان الجواب بالإيجاب فما هو؟ كيف يمكن لأي حل أن يكون ذا معنى إذا استمر وجود الأردن؟


بدأت ابتزازات جماعة أيلول الأسود تدفع القضية الفلسطينية إلى واجهات الصحف العالمية، وكان اغتيال وصفي التل عام 1971 هو البداية فقط، وخلال السنتين التاليتين اتهمت الجماعة بمسؤوليتها عن ارتكاب عدد من الهجمات:

• 15
مارس 1971: تخريب مصفاة شركة غلف في روتردام.

• 15
ديسمبر 1971: محاولة اغتيال سفير الأردن في بريطانيا، زيد الرفاعي

• 6 فبراير 1972: تصنيف خمسة عناصر من الفلسطينيين باعتبارهم عملاء للموساد، في مدينة كولن.

• 8
مايو 1972: اختطاف طائرة شركة Sabena الرحلة رقم 572 إلى مطار اللد، حيث اقتحمها رجال الكوماندوس الإسرائيليون، وقتلوا اثنين من أصل أربعة خاطفين من جماعة أيلول الأسود، كما قتل أحد الركاب.

خريف 1972 اغتيال الملحق الزراعي الإسرائيلي في بريطانيا آمي شجوري عن طريق رسالة متفجرة.

• 28 ديسمبر 1972: السيطرة على مبنى السفارة الإسرائيلية في بانكوك من قبل أربعة عناصر من أيلول الأسود وفشلت المحاولة حين أحاط الجيش التايلندي بالمبنى، واستسلم الفدائيون.

يناير 1973: تهريب عدد من صواريخ أرض- جو الى روما، وكان أعضاء أيلول الأسود على وشك إسقاط طائرة كانت تقل رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير، وتمكن الموساد من كشف مخطط العملية قبل دقائق من تنفيذها.

• 14
مارس 1973: تفخيخ ثلاث سيارات في مدينة نيويورك لتفجيرها لدى وصول مائير إلى هناك، ولم تنفجر القنابل وفر عضو جماعة أيلول الأسود خالد الجواري إلى روما، واعتقل هناك عام 1991، فأعيد إلى الولايات المتحدة فسجن حتى 2009.

لقد اعترف علي حسن سلامة بشكل ما عن مساهمته في بعض تلك الهجمات.

المصدر

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech