Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

أكتوبر فى الاستراتيجية العالمية .. د/ جمال حمدان

 

 

من إصدارات مكتبة الأسرة 2013 كتاب 6 أكتوبر فى الأستراتيجية العالمية للمفكرى العبقرى ، صاحب شخصية مصر عبقرية الزمان والمكان .. د. جمال حمدان ، الكتاب سبق أن طبع فى 1974 ونفذت الطبعة الأولى كما كان لدار الهلال طبعة أخرى سنة 1997 ، وأما ما وصل إلى فهو طبعة مكتبة الأسرة 2013 ..   بتكلفة سعر رمزية 7 جنيهات فقط للنسخة ، وتصبح بين يدى القارىء كتاب أو قل موسوعة أكتوبرية عظيمة .

فيما يقارب 450 صفحة مقسمة إلى أحدى عشر فصلاً سطر المفكر المصرى العبقرى رؤية وتحليلاً دقيقاً للعظم الجلل فى تاريخ مصر المعاصر ألا وهو نصر أكتوبر ..

ولأن النصر لم يأت من فراغ ، ولأن حرب أكتوبر لم تكن وليدة لحظة عابرة فقد صاحب تحليل النصر العظيم تحليلاً أيضاً لنكسة يونيو وما جرى من صمود الأستنزاف ، وعرفنا كيف أن النصر لم يأت متأخراً بل أنه جاء فى موعده المناسب تماماً ..

طاف المفكر بنا فى قضايا وتحليلات شتى بصورة شاملة ، وتوصل بنا إلى أن حرب أكتوبر لم تكن مفاجأة للعدو الصهيونى بل أنها كان يعرف تماماً ما يحدث وتوقع شارون وقوع الحرب خلال يومين وفكرت جولدا مائير فى الإجهاز علينا بضربة فى الموعد نفسه لكن تظاهر العدو بالوداعة وحبه للسلام ومحاولة لكسب الرأى العالمي والأهم طمعه وتوقه إلى نصر أكبر من يونيو 67 جعله يفكر فى أن ينتظر ليسحق جيشنا .. وقال أن محاولة الترويج أن الهجوم المصرى كان مفاجئاً وأن اسرائيل أخذت على حين غرة ما هو إلا محاولة لتبرير هزيمة العدو و التقليل فى الوقت نفسه من شأن نصر أكتوبر ، فالهدف المصرى فى تحرير سيناء هدف معلن للجميع ومكان العدو معروف وكذا العقبات التى إذا ما أجتازتها قواتنا و (( خط السير لمواجهته )) أيضاً معلوم للجميع ..

وقال أن حرب يونيو 67 كانت حرب طيران وفقط ودعمت النظرية القائلة بأن الطيران سيد حرب الصحراء .. ولكن فى 73 كانت حرب بجميع الأسلحة وجميع القوات برية وبحرية وجوية فى تناغم لا مثيل له ..

والحق أنه أنتابنى الذهول من التحليل الدقيق وتفسير المعلومات وتفصيلها حتى أصبحت كل صفحة اقرأها تضيف إلى الذاكرة حتى أصبحت كما التائه فى بحر من التحليلات الرائعة عن حدث واحد لا أعرف أيها أقتبس ، فما أن أعجب بتحليل حتى يرد خلفه تحليل آخر .. ترى أقتبس من حديثه عن موعد الحرب ،، أم العقبات ،، أم التدريب ،، أم مرحلة العبور .. أم أقوال جنرالات العدو .. فكل معلومة مهمة أن لم تكن أكثر أهمية عنن سابقتها ..

كما أشار إلى أن هزيمة يونيو وسيطرة العدو على أراضى شاسعة قد أفادت فى 73 ذلك أن جبهة الحرب اتسعت بالنسبة له كثيراً عما قبل 67 .. فتعدد الجبهات واتساعها أطال خطوطه الداخلية وبالتالى أرهق تحرك قواته على الجبهتين ومن ثم فشلت محاولته للأنقضاض السريع المباغت كما حدث من قبل ..

حتى توقيت المعركة وأختيار المخططين لشهر أكتوبر ذلك لأن انسب الشهور للحرب كان سبتمبر أو أكتوبر إذ أن الخريف أنسب الفصول فهو بعيد عن حرارة الصيف وبرودة الشتاء القاسية ، كما أختار القادة المخططين أن يكون الهجوم فى وضح النهار حيث لا يتوقع العدو أن يهاجم فالعمليات العسكرية إما أن تبدأ مع أول ضوء أو آخر ضوء ،، إضافة إلى توقيت الثانية ظهراً وتفضيله عن ساعات الصباح ،حيث تكون عين العدو فى عين الشمس .. كما يمنح الهجوم نهاراً للطيران والمدفعية فرصة كبيرة لضرب الأهداف بدقة وإحداث أكبر خسائر بثكنات العدو .. وكذا الإفادة من ضوء النهار فى عملية العبور ، حتى إذا ما حل الظلام وفاق العدو أصبح من الصعب عليه التحرك لأى عمل مجدى قبل الصباح ، فى هذه الساعات تكون قواتنا قد وصلت إلى مرحلة نقل المعدات الثقيلة والرئيسية فلا يظهر أول ضوء إلا وجيشنا بأكمله على الضفة الشرقية ..

كما اشار إلى أن سياسة التدريبات المصرية المتكررة بل والروتينية عبر السنوات الطويلة خصوصا فى الفترة فيما بعد اتفاقية وقف إطلاق النار (( مبادرة روجرز )) قد خدرت العدو ونمى فيه اللامبالاة والأستخفاف فتحرك قواتنا تدريب والتدريب مناورة وكل مناورة مع الريح ومن ثم فلا مانع ولا داعى لأستدعاء الأحتياطي (( التعبئة العامة )) بكل صعوباتها وتكاليفها ..

ولم يفت المفكر أن حرب أكتوبر فى جميع مراحلها كانت حرب مهندسين وأن هذا السلاح لعب دوراً غاية الأهمية فى عزف سيمفونية النصر ..

ومما اقتبست نصاً من بعض صفحات الكتاب ،، حتى بت أتمنى لو تمكنت من أقتباس الصفحات 450 .. من المقتبسات فى سطور هذه الموسوعة الفكرية التحليلية عن ملحمة العبور :

لقد عدنا يا دايان ! نعم عدنا إلى سيناء لا بشروط صهيون المهينة والحلول الاستسلامية ، كما ظل سنوات يتبجح بكل غرور الحقود وصلف المتحكم القمىء ، ولكن على أشلائه وفوق جثته عدنا ، عدنا بقوة الحديد والنار بعد أن أنفق العدو ست سنوات يصور وجوده فى سيناء المحتلة قلعة صماء غير منفذة للغزو مستحيل أقتحامها والواقع أن العدو – وهو خبيث أكثر مما هو ذكي وحاقد أكثر منه قادراً كما يظنه البعض أنما أنفق تلك السنوات فى محاولة عظمى لكي يكسب المعركة المنتظرة بغير رصاصة على الاطلاق أو قبل اطلاق الرصاصة الأولى .

                                            

والإشارة هى بالطبع إلى الحرب النفسية الضارية المخططة التى شنها فكل ما كان العدو يقوله ويفعله طوال السنوات الأخيرة كان موجهاً إلى المعركة الرابعة أو بالأحرى إلى ألا تكون معركة رابعة على الاطلاق . فبكل طريقة موجبة و سالبة كان يحاول أن يستغل أنتصاره السابق وأن يستثمر هزيمتنا ليهزمنا ثانياً بحملات التشكيك فى قدراتنا وإمكانياتنا ومعنوياتنا ، بل حتى فى طبيعنا وشخصيتنا ، ثم فى تسليحنا وأصدقائنا ، حاول أن يتسرب حتى يترسب فى أعماقنا ألا فائدة ولا جدوى وبالأسطورة الخرافية التى بناها عن (( جيش الدفاع الذى لا يقهر)) وقادته (( آلهة الحرب الجدد )) (كذا) ، والتفوق التكنولوجي ووالجوي الطاغي ، والحرب الألكترونية وباستعراض عضلاته وأسلحته االمتطورة والسرية ، بميراجه والفانتوم .. إلخ بكل هذا حاول بانتظام ارهابنا نفسياً لنرتعد فنرتدع فنتقاعس عن المواجهة ..

والجدير بالذكر أن العدو تابع حملته النفسية بانتظام وعن عمد وتخطيط لتحطيم أعصابنا ومعنوياتنا حتى آخر لحظة قبل أن يتلقى صدمة عمره بل وحتى بعدها ، فكلنا لا شك ما زال يتذكر صرخة إليعازر الإرهابية (( سندق لحمهم فى عظامهم )) وصيحة المعلق العسكري للاذاعة الاسرائيلية (( سنجعلهم يرون النجوم فى وضح النهار )) .. وقبل الحرب بيومين فقط قال إليعازر فى حديث للتلفزيون البريطاني ما مؤداه أن الجيش المصري إذا حاول عبور القناة فسيجد أمامه أقوى خط دفاعي فى العالم ، مما سيسبب له خسارة أكبر مما يظن القادة المصريون ، وعلى الرغم من هذه الخسارة فلن يتمكن مصري واحد من العبور إلى سيناء كما لن تتمكن دبابة مصرية واحدة من الوصول إليها ، ثم أضاف رئيس الأركان الاسرائيلي أن سلاح الطيران سيكون أداة البطش والردع الاسرائيلي ، فلسوف يسود جو المعركة على الفور ويتم القضاء على سلاح الطيران المصري وعلى سلاح الدفاع الجوي أيضاً فى الدقائق الأولى من بدء القتال .وختم اليعازر تهديداته بقمة الصلف والغرور(( إن هذه المرة ستكون حرب الساعات الست ، لاحرب الأيام الستة )) !

أما مايير فقد عبرت عن العجرفة والدهشة بدل التهديد قالت ببساطة فى حديثها إلى الاسرائيليين فى أول أيام القتال (( أن الهجوم العربي يرقى إلى الجنون )) !

أما دايان فكان لا يزال يعيش فى 1967 ويحلم بتكراره ، قال يوم 7 أكتوبر (( يومان لصد الهجوم المصري السوري ، ثم يومان يكتمل خلالهما استدعاء الأحتياطى الاسرائيلي ، ثم يومان لإنهاء القتال )) !

لقد خلقت اسرائيل الأسطورة بالفعل ، ضخمتها ، نشرتها واشاعتها ، ثم عاشت فيه حتى صدقتها وصدقتها حتى ارتدت إلى صدرها فى حركة عكسية (( كالبوميرانج )) فهزمتها ! – كلا ، بل نحن الذين هزمناها ، فثمة الآن فى الغرب نظرية - تبريرية محض - تقول أن اسرائيل هزمت لأنها صدقت اسطورة تفوقها وعاشت فى أوهام استعلائها وقد عبرت الأوبزيرفر عن هذه النظرية أثناء المعركة حين قالت (( أن القادة الاسرائيليين لم يعتدوا إلا أقل القليل بمدى شجاعة خصومهم وقدراتهم التكتيكية ، ولربما وقعوا أيضاً هؤلاء القادة ضحايا لأسطورة أنهم قوم لا يقهرون )).

على اننا نرى فى هذه النظرية من الأنحراف أكثر مما فيه من الأعتراف ، صحيح لقد كان الغرور الاسرائيلي الوقح وجنون العظمة مقتلا من مقاتلها ولكن الضربة الموجبة القاضية إنما أتت من القدرة العربية الذاتية ، المفترى عليها طويلا ، ومن التخطيط والتصميم والارادة العربية ، ونحن لم نسرق نصراً سهلاً هشاً من وراء ظهر العدو وإنما انتزعناه من بين اسنانه وبجدارة واقتدار .

لقد أراد العدو ان تكون المعركة الرابعة نسخة مكررة من معركة يونيو فجعلتها اليد العربية الجديدة ، العليا والطولى ، نسخة مقلوبة معكوسة منها ، لقد أستوعبنا نحن درس يونيو وتجربته المريرة وتركنا للعدو أن يمارس بهلوانياته الدعائية فى المباهاة والتفاخر وعبادة الذات وأن يجتر نرجسيته علناً ، فكان حتماً وحقاً أن يدفع ثمن النصر الرخيص الذي سرقه فى غفلة من زمن .

" وكما يلخص الهيثم الأيوبي بحذق المختص ((يمكن القول هنا أن انتصار إسرائيل السهل عام 1967 كان أكبر أعدائها وأخطر ما تعرضت له فى حياتها وأن هزيمة 67 علمت العرب دروساً كثيرة وكانت أفضل حلفائهم فى الحرب الرابعة وهكذا انطبقت على الصراع العربي الإسرائيلي قاعدة أثبتها التاريخ العسكري أكثر من مرة وهى : أنه يندر أن يتعلم المنتصر كثيراً من انتصاره أما المهزوم فهو أكبر المتعلمين من الهزيمة )) وفى المعنى نفسه قالت الديلى تلجراف (( أن العرب قد استفادوا من هزيمتهم فى 1967 بأفضل مما تعلم الإسرائيليون من أنتصارهم )) ..

*************

الحرب الشاملة : وهى ما بدأنا بالفعل ، وما كان حتماً أن نفعل منذ أن قررنا أن نطلق الطلقة الجوابية الأولى فى المعركة ، فلقد كان ضماناً شرطياً للنجاح ومصلا مضاداً لأى انتكاس ، والمقصود بالحرب الشاملة أن تبدأ كاملة مطلقة منذ أول لحظة دون مرحلة أو منطقة انتقال بين حالة اللاحرب والحرب ، وتفسير ذلك أنه كانت هناك نظرية شائعة بعد يونيو تقول بعملية تصعيد محسوبة المراحل فى مستوى المعركة ، كأن نبدأ مثلاً بحرب استنزاف من نوع جديد أو غير جديد على غرار ما شنته مصر عبر القناة حتىوقف إطلاق النار 1970 أى بتراشق المدفعية أو غارات الطيران أو إغارات القوات الخاصة أو البرية أو البحرية .. الخ

ولكن كان من الصعب أن نجد أخطأ من هذه الوصفة الساذجة التى كفانا القائد العام للقوات المصرية بعد عمليات أكتوبر مئونة تفنيدها . (( كان رأيى أن حرب الاستنزاف قد استنفدت أغراضها فى الفترة التى جربناها فيها ثم إن اسرائيل لن تقبل بالعودة إليها وأى محاولة من جانبنا لذلك سوف تواجه من إسرائيل برد فعل أقوى ))

ومعنى ذلك أننا كنا إزاء أحتمال قيامنا بعمليات صغيرة يقابلها العدو برد فعل كبير يتجاوز أبعادها السياسية العسكرية . ذلك أنه كان من الواضح أن العدو المتربص الحقود كان يلتمس أدنى ذريعة ميدانية من جانبنا لينتهزها فرصة ليبادر ويشن هجومه المفاجىء اجهاضاً وردعاً . وهو إن فاتته المباغتة الغادرة مرة لأى أعتبار عسكرى أو سياسي أو دعائى فسيجد فى أول رصاصة منا تلك الذريعة ليمارس الحرب الشاملة فوراً وبصورة كاملة لتدمير قوانا فى أسرع وقت ونحن لم نزل نتوقع رداً محدوداً .

ولقد كان ذلك بالدقة مقتلنا فى 1967 وتلك كانت فى الحقيقة أستراتيجية الحرب كأداة ضغط وتهديد سياسى واستعراض قوة أكثر منها استخدام القوة الجادة ولكن اللعب السياسى بالحرب لعبة خطرة قد يمكن أن يمارسها الأقوى وحده .

وقد كان واضحاً أن أى بداية للقتال من جانبنا أقل من حرب شاملة منذ أول لحظة تعرضنا لخطر ممكن وكامن ، وأن علينا حين نبدأ الحرب أن نعنيها بكل معانيها : أنه ليس ثمة نصف هجوم وهكذا بالفعل كان فقد تقرر أن تكون ضربتنا كبيرة شاملة بحيث يساوى جهدنا العسكرى على الأقل احتمال تعرضنا لرد فعل كبير من جانب العدو الذى ستكون ضربته المضادة كبيرة على أيه حال .

من ثم كان محور النجاح وأساس التخطيط هو ضبط توقيت الضربات والتحركات من جانب جميع أسلحتنا وقواتنا فى ترتيب مسلسل بحيث يتزامن بعضها أو يتعاقب بعضها فى جدول زمني محسوب ، يمهد لبعضها البعض لكى يتم فى ظلها وبمساعدتها وتحت غطائها ، ثم يسلم هو بدوره المهمة لغيره وهكذا ، ومن هنا سنلاحظ تزامن عدة عمليات فى ثنائيات كالتوائم السيامية الملتصقة أبرزها ثلاث : الطيران مع المدفعية : المشاة مع المهندسين : المدرعات مع المشاة الميكانيكية .

ففى لحظة واحدة سنرى ، بدأت عمليتان تتعلقان بعمق العدو هما الضربة الجوية الأولى وانطلاقة عملية المدافع الثقيلة ، وفى اللحظة نفسها بدأت عملية عبور الزوارق المطاط والعربات البرمائية المدرعة تحمل المهندسين لإقامة الكبارى والمعابر والمشاة لتأمين رءوسها على الضفة الشرقية ، وبعد أن تمت هذه العملية عبرت عليها كل من المدرعات والأسلحة الثقيلة فى جانب ومعها المشاة الميكانيكية والمدفعية فى الجانب الآخر .

)) فعدا ما فيه من مفاجأة خداعية كاملة فإن أختيار هذا الوقت الذى يسبق آخر ضوء بنحو 4 ساعات يكفل أيضا الاستفادة بضوء النهار طيلة هذه الساعات الأربع فى مرحلة طلائع العبور الخفيفة فيمنح قواتنا الجوية والمدفعية القدرة على دقة التصويب وعلى تصحيح نيرانها ففى ضربتها التمهيدية الأولى ، كما يتيح اسقاط معدات العبور الهندسية فى آخر ضوء ... ومن ناحية أخرى لا يكون العدو قد أفاق واستعد بطيرانه ومدفعيته حتى يكون الظلام قد حل وحرمه من العمل الجدى أو المجدى حتى صباح الغد بينما نكون نحن قد وصلنا إلى مرحلة نقل المعدات الثقيلة والقوات الرئيسية التى يمكن حينئذ أن تتم فى سلام خلال الليل الطويل فلا يظهر أول ضوء فى الغد إلا ويكون جيشنا بكامله رجالا وعتادا قد أصبح بالفعل على الضفة الشرقية .. وأخيرا وليس آخر أنسب ساعة من النهار حيث حركة الشمس اليومية ومواقعها بالنسبة إلى جبهة العدو وإلى جبهتنا نحن ، فقد أختيرت ساعة الصفر بحيث تكون عين العدو فى عين الشمس ، وليس العكس فيكتمل له بذلك عمى المعركة ، إذ لما كان فى الشرق موقعه فإن الشمس التى انتقلت نحو الغرب بعد الظهر تغمر عينيه بأشعتها المواجهة فتغشيها وتعاكس رؤيته على العكس من الموقف قبل الظهر ((   ..

.                                                                            

(( ومن هنا نلاحظ حقيقة غير عادية وعلى قدر غير عادى من الأهمية والمغزى ، لقد تمت عملية العبور بلا غطاء جوى بالمعنى التقليدى ، بمعنى مظلة من السلاح الجوى تحمى القوات المتقدمة ضد طيران العدو ، وبدلاً من ذلك الغطاء الهجومى ، كان الغطاء هو الدفاع الجوى ، أى شبكة الصواريخ المضادة للطائرات ، الثابت منها والمتحرك ، المحمول ميكانيكياً والمحمول بشرياً ، وكانت هذه طفرة أبعد ما تكون عن الكلاسيكية ، وتعد أول تجربة عسكرية فى تاريخ الحرب الحديثة تتم فيها المواجهة بين سلاح طيران معاد وبين نظام دفاع جوى بحت على أرض مكشوفة ،وفى ظل هذا الدفاع كان المهندسون والمشاة والمدفعية المصرية جميعاً يعملون ويتحركون فى وقاية نادرة ، ومن المحقق كما قرر القادة المصريون أن عملية العبور ما كانت لتنجح لولا هذه المظلة الواقية ، وفضلاً عن هذا فإنها حررت سلاحنا الجوى من أعباء تغطية العملية لينطلق إلى ضرب أهداف العدو فى العمق والتفرغ للمعارك الجوية معه . ))

(( أن سلوك العدو داخل نقطه الحصينة أثناء أقتحامها جاء تكذيباً لكل نظرياته العسكرية التى تنضح بالزهو والأستعلاء ، فما أن أطبقت القوات المصرية على دشمها حتى غاصت قوات العدو أو غاضت داخلها ، إلى أن نفذت إليها قواتنا . الآن قارن هذا بما قاله دايان قديماً : " إن جيشنا ليس كالقنفد الذى ما يكاد يرى الخطر حتى ينكمش على نفسه تحت أسلاك شعره وينتظر الضربة ، و إنما هو كالثور الذى ما أن يشعر بالخطر حتى يشرع بقرنيه استعداداً لهجوم " ،، فى أكتوبر مع ذلك استحال الثور قنفداً ! ))

(( أما الحقيقة الموضوعية الكاملة فلا تعدو كلمتين : خط فائق المنعة والقوة والبراعة بلا جدال وخطة أقتحام - مع ذلك – أشد تفوقاً و أبرع إعجازاً بلا لجاج ، ولم تكن التحصينات مصنوعة من الكرتون كما قال أحد الجنود الإسرائيليين ولا كان الخط شريحة من الجبن المثقوب إلا بعد أن شرحناه نحن وثقبناه ، وليس لنا نحن أن نأخذ أو نؤخذ هنا بدعايات العدو المغرضة ، سواء تهليلاً فى البداية أو تقليلاً فى النهاية ، فنحن انما نقلل من عظمة انجازاتنا إذا نحن قللنا من قوة خط العدو ))

(( فإذا ما انتقلنا إلى ملحمة اقتحام الخط فإن الأغرب من ذلك كله أن الخط إنما سقط اساساً على أيدى المشاة فى الدرجة الأولى ولم تكن سائر الأسلحة الأخرى إلا عوامل مساعدة وذلك بحكم طبيعة تلك الحصون ، حصونه التى تستعصى على المدفعية الثقيلة وكذلك بحكم الوقت ريثما تصل المدرعات بعد تمام مد الجسور والمعابر ، كذلك فقد كانت تلك المشاة من المشاة الراجلة لا الميكانيكية مزودة فقط بالقنابل اليدوية والمدافع الرشاشة والصواريخ المضادة للدبابات   ، ومن هنا لعبت القوة البشرية والعددية دوراً مهماً جداً ، فكانت هى التى اقتلعت الخط وخلعته خلعاً كأنها الإعصار الغلاب أو التيفون الطوفان   ))

(( والخلاصة ؟ الخلاصة لقد كانت ملحمة اكتساح خط بارليف فى جوهرها صراعاً بين الشجاعة والمناعة ، شجاعة المقاتل البحتة ومناعة الأبراج المشيدة ، مثلما كانت مواجهة بين فلسفة الخطوط الزاحفة المتحركة ونظرية الخطوط المحصنة الثابتة وفى الحالين تغلبت الأولى على الثانية : تغلبت الإرادة على الأرض والإنسان على السلاح ، وأصحاب الأرض على الغاصبين . لقد جاءوا ، رأوا ، وانتصروا ... عبروا .. اكتسحوا وانطلقوا . ))

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech