Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

أسلحة الحسم في حرب أكتوبر - الجزء الاول

الجزء الأول

كتب : م/مينا يوسف

مراجعة : وحدة الدراسات العسكرية والأمنية  - المجموعه73مؤرخين MSRU

مقدمة

 

لقد كانت حرب اكتوبر عام 1973 معزوفة رائعة شاركت في عزفها كافة اسلحة و افرع القوات المسلحة المصرية و من اصغر جندي لاكبر ضابط كلٍ له بطولته الخاصة.....و لكن حاول البعض-خلال فترة ما- ان يمنح رصيد النصر كله للقوات الجوية و لقيادتها في ذلك الوقت و كان القوات الجوية هي من فعلت كل شئ بالحرب....كلامي هذا لا يعني اطلاقا التقليل من حجم و عظمة الانجاز الذي حققته القوات الجوية في الحرب...و خصوصا بالضربة الافتتاحية للمعركة...فكان التخطيط لها علي احسن ما يكون و دقة و روعة التنفيذ علي خير ما يرام...و هذا حق ابطال القوات الجوية علينا ان نرفع لهم القبعة في كل زمان و مكان

و لكن....علينا ان نسال انفسنا سؤال هام....ما هي الاسلحة التي قلبت موازين المعركة؟؟؟و كيف استطاعت تلك الاسلحة ان تتحكم في زمام المعركة تخطيطا و تنفيذا؟؟؟و كيف ساعدت تلك الاسلحة الجيش المصري علي الاحتفاظ بزمام المبادئة في الساعات الاولي بالمعركة؟؟؟

هنا يجب ان نرصد نقطة هامة... و هي ان الرئيس السادات في توجيهه المكتوب لبدء المعارك لتحرير سيناء...ذكر نقطة هامة جدا و هي ان التنفيذ يجب ان يكون في حدود امكانيات القوات المسلحة المصرية...و هذا هو السبب الرئيسي في كتابة ذلك المقال و هو ان تلك الاسلحة-من وجهة نظري- هي من حددت فعلا امكانيات القوات المسلحة في الحرب و تحكمت في زمام المعركة تخطيطا و تنفيذا.

تلك الاسلحة...و التي سوف نناقش ادوارها في المعركة و تاثيرها علي سير المعارك بالترتيب هم:

1-    سلاح المهندسين

2-    قوات الدفاع الجوي

3-    وحدات الصواريخ المضادة للدبابات

سلاح المهندسين

قبل بدء معارك اكتوبر قال موشي ديان وزير الدفاع الاسرائيلي انذاك "ان عبور قناة السويس و اقتحام خط بارليف يستلزم جهود سلاح المهندسين الامريكي و السوفيتي مجتمعين معا" و بعد الحرب كان يقول "لقد صار خط بارليف كالجبن السويسري به من الثقوب اكثر ما به من الجبن"

بعد ان نجحت اسرائيل في احتلال كامل ارض سيناء و الوصول للضفة الشرقية لقناة السويس....استقر الراي داخل رئاسة الاركان الاسرائيلية علي اعتماد استراتيجية الدفاع الثابت عن سيناء...و ذلك عن طريق انشاء عدد من النقاط الحصينة علي القناة فيما عرف بخط بارليف نسبة لحاييم بارليف رئيس اركان جيش الدفاع الاسرائيلي في ذلك الوقت و صاحب فكرة انشاء الخط

فكرة انشاء الخط و تبني استراتيجية الدفاع الثابت كان لها اسباب...اولها بتر سيناء عن الجسد المصري تماما بانشاء عازل حصين لردع اي امل للمصريين في استعادة سيناء...ثانيا اتساع عرض الجبهة  - حوالي 170 كم- مما يستلزم اعداد كبيرة من القوات في حالة استخدام دفاع متحرك بمجموعة فرق مدرعة لاحتلال الخطوط الامامية و هذا غير متوفر لدي جيش الدفاع لان الجيش الاسرائيلي يعتمد اساسا علي الوحدات التي يتم تشكيلها من الاحتياط في حال نشوب معارك فعلية علي الارض و ليس القوات العاملة دائمة التواجد...ثالثا بعد المسافة بين شرق القناة و اسرائيل جعل امكانية تهديد مصر لامن اسرائيل امر صعب و في المقابل قرب المسافة بين اسرائيل و هضبة الجولان جعل من الاولي ان تتمركز القوات العاملة علي الجبهة الشمالية اكثر من الجبهة الجنوبية.

انشاء خط بارليف)انظر مرجع رقم 3)

اهم ميزة حظيت بها اسرائيل عند بدء انشاء الخط هي ارتفاع منسوب ارض الضفة الشرقية عن ارض الضفة الغربية-حوالي من 6-10 م- و ذلك بسبب ان اثناء حفر قناة السويس كان ناتج الحفر يتم تشوينه في الشرق بسبب ان الارض في الغرب عبارة عن اراضي زراعية...و كذلك اثناء اعمال التعميق و التوسعة للقناة في كافة مراحل تشغيلها كان ناتج التكريك يتم ضخه للشرق.

خريطة توضح اماكن حصون خط بارليف

 

 

بدات اسرائيل في بناء النقاط الحصينة لخط بارليف من مارس 1968 حتي انتهوا منه في مارس 1969 و تم رفع الساتر الترابي لحماية النقاط الحصينة (تكلفته 248 مليون دولار) و نتيجة للخسائر التي حدثت به اثناء معارك الاستنزاف فقد قاموا بتطويره (تكلفة التطوير 500 مليون دولار) بعد وقف اطلاق النار في اغسطس 1970 و رفعوا الساتر الترابي ليصل لارتفاع 21 م  و صبوا الدشم بكميات خرسانة هائلة...كان السقف يصب علي عدة طبقات ليحتمل قصف الطيران و تم تدعيمه بقضبان السكك الحديدية و كتل الحجارة الضخمة حتي يتحمل الموجات الانفجارية للقصف المباشر....ثم يغطي كل ذلك رمال الساتر الترابي للتمويه و اخفاء النقطة...و داخل النقطة كانت كل وسائل الحياة و الترفيه موفرة للجنود...و فوق الساتر الترابي تم انشاء حقول الغام و اشراك دفاعية و اسلاك شائكة و مرابض دبابات فوق النقاط و ما بينها....و اسفل النقاط تم انشاء خزانات المواد الملتهبة (نابالم و كيروسين و بعض الزيت الخفيفة سريعة الاشتعال) كفيلة ان تحيل سطح القناة الي قطعة من الجحيم حيث ستصل درجة الحرارة ال 700 مئوي.

بلغت عدد النقاط القوية الي 31 نقطة (بعضها علي القناة مباشرة و بعضها الاخر يعمل كنسق ثان يبعد عن الاول بمسافات تتراوح بين 600 م حتي 3 كم)...كل نقطة تتكون من عدة طوابق..بعضها مخصص لنيران الاسلحة الخفيفة و الرشاشات و البعض الاخر عبارة عن مرابض للمدفعية...و بالتالي تستطيع اسرائيل بمجرد بدء العمليات الحربية ان تحيل القناة و ضفتها الغربية الي قطعة من الجحيم...حيث ستغرق مراكز النيران بكل نقطة من نقاط الخط المهاجمين المصريين بوابل من النيران  و المدفعية...و سيقوم النابالم بحرق كل ما هو حي في المنطقة...و عندما تحتل الدبابات مرابضها فوق الساتر الترابي ستقوم بنسف كل ما هو موجود في الضفة الغربية!!!!!

بالاضافة لتعلية الساتر الترابي...قامت اسرائيل بزيادة عمقه تجاه الغرب حتي اصبح علي حافة القناة تماما و تم عمل ميله مطابق تماما لميل حافة قناة السويس (بمتوسط 80 درجة-تقريبا راسي) مما جعل ان مجرد الوصول للجانب الشرقي و محاولة وضع قدم علي ارض الضفة الشرقية امر مستحيل سواء للافراد او المدرعات او المركبات.

لقد استوعبت اسرائيل دروس و خبرات حرب الاستنزاف جيدا كما وعت دروس الحروب المعاصرة و التجارب السابقة في مجال خطوط الدفاع الحصينة...فقد سبق خط بارليف في الانشاء خطين دفاعيين و هما خط ماجينو الفرنسي و الذي سقط بسبب انه لم يكن يرتكز علي موانع طبيعية فقد هاجمه الالمان مع بدء الحرب العالمية الثانية و قاموا بتطويقه من جهة الغابات حيث توقف...و الخط الثاني هو جدار الاطلسي الذي بناه النازيون في الحرب العالمية الثانية و سقط عندما هاجمه الحلفاء في نورماندي و لم تكن تحصيناته و اشراكه الدفاعية قد اكتملت....و هنا نجد ان اسرائيل استوعبت تلك الدروس جيدا فقد كان خط باريف يرتكز علي مانعين طبيعيين هما البحر المتوسط شمالا و خليج السويس جنوبا كما انهم حصنوه و بنوا اشراكه الدفاعية بشكل هندسي شديد التعقيد و لم يكتفوا بذلك بل زرعوا تلك الاشراك الدفاعية علي ساتر ترابي ارتفع لمسافة تجاوزت 20 م في بعض القطاعات.

اصعب مانع مائي في التاريخ

لم تكن فقط الصعوبات كلها مركزة بخط بارليف والساتر الترابي...فقد كانت قناة السويس مانعا مائيا فريدا من نوعه...و يتطلب عبوره مجهود شاق و تخطيط مدروس بعناية...فقد كانت ميول اجناب قناة السويس شديدة الانحدار – زاوية قائمة تقريبا- و يستحيل استخدامها بواسطة المركبات او المدرعات علي حالتها تلك الا بعد اقامة تجهيزات هندسية لها...كما ان حركة المد و الجزر بالقناة متغيرة الي حد كبير علي مدار اليوم الواحد...ففارق المنسوب بين اعلي مد و ادني جزر يصل في القطاع الشمالي ال 60 سم اما في القطاع الجنوبي فيصل الي 2 م...كما ان سرعة التيار و اتجاهه في القناة تتراوح بين 18 م/دقيقة في القطاع الشمالي حتي 90 م/ دقيقة بالقطاع الجنوبي...و يتغير اتجاه التيار كل 6 ساعات من الشمال الي الجنوب و من الجنوب الي الشمال.

المهمة المستحيلة

و هنا علينا ان نتوقف لالتقاط الانفاس و يجب ان ندرك حجم المهمة التي علي سلاح المهندسين ان يقوم بها....فسلاح المهندسين في اي جيش في العالم مهمته تتلخص ببساطة في جملة واحدة "اعمال التجهيز الهندسي الفني لميدان القتال و ازالة اي معوقات التي من شانها ان تعطل تنفيذ المهمة المخصصة للقوات المهاجمة"....و لكن كيف؟؟؟ فقد حصن الجيش الاسرائيلي نفسه داخل حصون عاتية تستطيع كل منها ان تتحمل قنبلة زنة 1000 رطل...و من امامهم مانع مائي يتطلب مجهود شاق ينأي به اولو القوة لاجتيازه....فالامر جد عسير...و لكن الامر محسوم بينهم و بين انفسهم... فلا تفريط في الارض و ما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة...و تكليفات القيادة واضحة من اليوم الاول...الا تترك اي مشكلة مهما كانت بسيطة الا و ان يوضع لها اكثر من حل....هذه امور لا جدال عليها.

اول مشكلة و اعقد مشكلة واجهت سلاح المهندسين هي ذلك الساتر الترابي و النقاط الحصينة الموجوده بداخله...ففتح الثغرات بالساتر الترابي وسط تلك الغابة من الاسلاك الشائكة و حقول الالغام و مصاطب الدبابات و اقامة المعابر امر هام جدا لعبور الدبابات و المركبات و قطع المدفعية...و يمكننا القول انه عند الوصول لتلك النقطة في الحرب ستكون مصر قد حسمت امرها في هذه المعركة و نجحت في تثبيت اقدامها بالضفة الشرقية بنسبة 90%...و لكن اين السبيل؟؟

كانت الافكار المتداولة(انظر المرجع رقم 4) في ذلك الوقت هي باستخدام المفرقعات او القصف المباشر للمدفعية او القنابل الثقيلة لاحداث اكبر دمار ممكن بالنقاط و تدمير الاسلاك الشائكة و الالغام- و هو ما لن يحدث بسهولة نظرا لان رمال الساتر ستمتص معظم الانفجار دون احداث تاثير كبير في التحصينات-  و بعدها ستقوم البلدوزرات بمحاولة تمهيد و ضبط الميول بالساتر الترابي لعبور الدبابات....و لكن تلك المعدات ليست مؤهلة للعمل في وسط جحيم المعارك...و بمجرد ظهورها علي خط الافق يمكن ان تصبح كومة من الحديد عديم القيمة بواسطة قذيفة طائشة من اية دبابة.... و بعيدا عن تلك التعقيدات فان زمن فتح الثغرة الواحدة قد يستغرق في حدود 15 ساعة...15 ساعة من العمل لفتح ثغرة واحدة و فرد المشاة في انتظار المعونة و المدد الواصل من الغرب...الامر كان غير مقبول علي هذا النحو.

جاء الحل من داخل ملجأ قائد الفرقة 19 مشاة بالجيش الثالث الميداني...عندما اقترح المقدم مهندس/باقي زكي يوسف رئيس فرع مركبات الفرقة علي قائده فكرة في اثناء اجتماع قيادة الفرقة لمناقشة مشاكل العبور عام 1969 و هو ما كان شاهده فعليا اثناء عمله بالسد العالي....

 

الفكرة ببساطة كانت باستخدام طلمبات الضغط العالي لتوجيه المياه تجاه الساتر الترابي و ستقوم المياه بتحريك الرمال و اسقاطها تجاه قاع القناة....ستسقط الرمال و ستسقط معها كل ما فوقها من الغام و اسلاك شائكة و مصاطب دبابات... تلقفت ادارة المهندسين العسكريين الفكرة و بدات البحث و التطوير و تنقيح الفكرة بالتعاون مع كليات الهندسة و ادارات البحوث...و توصلوا في النهاية ان كل متر مكعب مياه يمكنه تجريف متر مكعب تربة من الساتر الترابي...و تم استيراد طلمبات توربينية من المانيا و اخري ميكانيكية من انجلترا....و قامت ادارة المهندسين بعمل نماذج واقعية للساتر الترابي و تدريب القوات عليها بحيث نصل لافضل اسلوب للتعامل مع الساتر الترابي و هدمه في اقصر وقت ممكن.

لقد كانت فكرة استعمال الطلمبات ممتازة من كافة النواحي...فقد جعلتهم يعملون بعد بدء العبور بوقت قصير حيث كانت قد وصلت وحدات المشاة الي عمق 400 م داخل ارض سيناء مما يجعلهم يعملون في امان من نيران الاسلحة الخفيفة...كما ان استخدام المياه لم يشعر به الاسرائيليين الا بعدما راوا الدبابات تدخل سيناء و هذا ليس كاستخدام المفرقعات في العملفسوف يلفت نظر الاسرائيليين لما يقومون به و قد يوجهون مدفعيتهم بشكل اكثر دقة لهم....كما ان تلك الفكرة هي افضل توظيف لطبيعة الارض و الموقع فالمياه موجودة في القناة و الساتر كله عبارة عن رمال و لن تحتاج الي نقل اي معدات ثقيلة للموقع او اية مواد من خارج منطقة القتال....كما ان الرمال المتهايلة من كل ثغرة تم فتحها في الساتر الترابي قد ساعدت علي ضبط ميول القناة في قطاعها مما سهل في انشاء و تثبيت الجسور العائمة.

بالرغم ان فكرة الطلمبات كانت الحل الامثل لمشكلة للساتر الترابي و بالرغم من كل التجارب التي تمت علي تلك الفكرة و علي كافة انواع التربة....الا ان التنفيذ علي ارض الواقع يظهر ما لا يتوقعه بشر و هذه الامور واردة في الاعمال الهندسية...فمع بدء اعمال التجريف للساتر الترابي اثناء المعركة بدات تظهر المشاكل في قطاع الجيش الثالث و تحديدا في قطاع الفرقة 19 مشاة(راجع الرجع رقم 2)...فقد ظهرت ترسبات كلسية بتربة الساتر الترابي في ذلك القطاع وصارت الثغرات اشبه بعجينة جير و جبس مما ادي الي تاخر تشغيل المعابر...مما اجبر مدرعات الفرقة 19 مشاة علي العبور من معابر الفرقة 7 مشاة الجار الايسر لها حتي ان اللواء 1 مشاة ميكانيكي عبر من معابر الفرقة 7 ليلة 8/9 اكتوبر بالرغم ان المخطط كان عبور اللواء من معابر الفرقة 19 ليلة 6/7 اكتوبر.

طبقا للخطة فقد تقرر فتح 14 ثغرة في كل قطاع فرقة من فرق المشاة الخمسة و بذلك يصبح العدد الاجمالي 70 (راجع المرجع رقم 5).... و تمت اضافة 6 ثغرات في قطاع بورسعيد ليصبح الاجمالي 76 ثم تم رفع العدد ال 80 ثغرة...كل ثغرة تحتاج الي 5 طلمبات بحيث يصبح اجمالي الطلمبات 400 طلمبة و تمت اضافة 50 طلمبة احتياطي فاصبح الاجمالي 450 طلمبة...المعابر كانت تبادلية بحيث ان كل معبر له بديل في عمله...حتي لا يحدث سدد في الشرايين المؤدية لسيناء.

كانت المشكلة الحيوية الثانية للسلاح هي النابالم(راجع المرجع رقم 8)...كيف يمكن ايقاف تاثير ذلك الجحيم علي المشاة العابرين للضفة الشرقية...و قد تفتق ذهن اللواء ابراهيم شكيب عن فكرة سد انابيب النابالم بخلطة اسمنتية...و قد خضعت الفكرة لدراسة وافية و تمت تجربة عدة خلطات اسمنتية لتبيان مدي قدرتها علي الصمود في وجه النابالم و انها لن تتفاعل معه ....و هو ما حدث فعلا...ففي ليلة الهجوم 5/6 اكتوبر 1973 كانت مجموعات الصاعقة قد تحركت الي اماكن خطوط النابالم و تم سدها بالخلطة الاسمنتية و عندما حاول الاسرائيليين استخدام النابالم لم يجدوا نقطة واحدة تصعد للسطح.

كما سبق و اوضحنا انه اذا نجحت مصر في دفع دباباتها و مركباتها و قطع مدفعيتها الي سيناء لتدعيم رؤوس الجسور ستكون بهذا قد حسمت امرها في الضفة الشرقية بنسبة 90%...و لذا كان لزاما علي ادارة المهندسين العسكريين ان تجد الوسيلة الفعالة و المؤثرة لتشغيل المعابر بمجرد الانتهاء من فتح الثغرات و ضرورة تذليل اي عقبات تعيق هذا العمل....لذلك قامت مصر باستيراد مجموعة من الكباري العائمة لهذا الغرض كما قامت ادارة المهندسين بتصنيع اجزاء من الكباري في ورشها و بالتعاون مع ورش القطاع العام(راجع المرجع رقم 6)...كما نجحت ادارة المهندسين العسكريين في تصنيع وصلات للمزج بين انواع الكباري المختلفة مع تقليل زمن تركيب و تجهيز الكوبري الواحد من عدة ساعات الي 30 دقيقة فقط و كذلك التدريب علي اعمال صيانة الكباري في مواقع المعابر باسرع وقت ممكن حتي لا تتعطل المعابر لفترة طويلة....لقد كان ذلك ثمر تدريب شاق و سنوات من البحث و الدراسة...(راجع مرجع رقم 5)فلقد كان لدي مصر بعد هزيمة يونيو 3 كتائب كباري فقط و قبل بدء العبور اصبحوا 22 كتيبة...يكفينا ان نذكر ان كثير من رجال السلاح بترت اطرافهم او اصابعهم بسبب الوصلات المتحركة للكباري و كذلك العميد احمد حمدي الذي اشرف بنفسه علي تشكيل كثير من تلك الكتائب الجديدة و ظل يقاتل وسط رجاله حتي استشهد عند معبر الشط بقطاع الجيش الثالث اثناء محاولة اصلاح احد الكباري المعطلة.

لقد كان لدي مصر قبل بدء حرب اكتوبر عدد 12 كوبري ثقيل لعبور المدرعات –هذا غير الكباري الخفيفة و الكباري الهيكلية- وضع اثنين منها مع كل فرقة من فرق المشاة الخمس للعمل بشكل تبادلي و بذلك اصبح الموجود بالجبهة 10 كباري و 2 فقط للاحتياط(راجع مذكرات الفريق الشاذلي ص54)...و مع بدء عمليات 6 اكتوبر و بدء تشغيل المعابر بدات تظهر المشكلات فالكباري تتعرض للقصف بشدة و بدات تحدث اعطال بها مما استلزم ايقافها...و علي رغم ان الرجال لا يدخرون جهدا لاصلاح الكباري الا ان ازمة التكدس بدات تظهر علي المعابر حتي انه في يوم 8 اكتوبر و اثناء زيارة الفريق الشاذلي -رئيس اركان حرب القوات المسلحة- لقطاع الفرقة 7 مشاة بالجيش الثالث اضطر لترك سيارته و الترجل لمسافة طويلة حتي وصل للجسر(راجع مذكرات الشاذلي ص273,274)...مما دفعه للقاء رئيس مهندسين الجيش الثالث اثناء عودته و اقترح عليه فكرة انشاء كوبري مصمت –كوبري من الرمل و الحجارة- لربط الشرق بالغرب لان هذا الكوبري لن يؤثر فيه القصف بالقنابل مثلما يحدث مع الكوبري العائم و قد اكد له رئيس المهندسين امكانية ذلك....و بعد خضوع الفكرة للدراسة و ثبوت فعاليتها تم انتقاء انسب اماكن بالقناة لعمل هذا الكوبري –حيث تكون سرعة التيار صفر تقريبا- و هي الدفرسوار (الانسب تماما) و القنطرة و الفردان...و نتيجة لحدوث الثغرة تم عمل الكباري بالقنطرة و الفردان فقط مع ترك مسافة تتراوح من 40-50م في منتصف القناة لم يتم ردمها بسبب السرعة العالية للتيار و تم سد الفراغ بكوبري عائم و قد تم بناء جسر الفردان في 1 ديسمبر و تم بناء جسر القنطرة في 9 ديسمبر...و قد فكر الاسرائيليين بنفس الفكرة و نفذوها بالدفرسوار بعد الثغرة فيما عرف فيما بعد بجسر الهروب الحجري كما اسماه المشير ابو غزالة في مذكراته.

لقد بذل رجال سلاح المهندسين جهدا خرافيا في عمليات التجهيز لبدء العبور منذ الايام الاولي لاستقرار قواتنا غرب القناة بعد هزيمة يونيو....فقد حفروا الخنادق و الملاجئ الخاصة بالوحدات المرابضة علي الجبهة مباشرة و قاموا بتمويهها و كانوا يبذلون جهودا مضنيه للحفاظ عليها من تقلبات الجو...حيث كانت الرياح تحرك رمال الصحراء و تردم مداخل الخنادق...قاموا بانشاء اكثر من 3000 كم من الطرق و المدقات الطولية و العرضية حتي تستخدمها المركبات و المدرعات للوصول الي شاطئ القناة لبدء العبور و كانت الطرق كثيرة بحيث اصبح من الصعب علي العدو معرفة اي الطرق ستسلكها المدرعات و المركبات(راجع مرجع رقم 6) و قاموا ايضا بتدبيش الترع كترعة الاسماعيلية و المخاضات التبادلية بحيث يمكن استخدامها كطرق بديلة للوصول لغرب القناة قبل بدء العبور في حال ضرب الطرق الرئيسية و الكباري المؤدية لتلك المناطق...كما قاموا بتجهيز مناطق اسقاط الكباري و تثبيت تربتها و قاموا بتجربتها اثناء المناورات للتاكد من قدرتها علي تحمل وزن الكباري و كانت ساحات الاسقاط كثيرة بحيث لم يكن العدو يعرف اي الاماكن التي سيستخدمها المصريين لاسقاط الكباري اذا ما بدات المعركة...كما نجح افراد المهندسين في ابتكار و تصنيع المهمات الاساسية اللازمة للمعركة كسلالم الحبال التي وفرت جهدا كبيرا لجنود المشاة اثناة تسلق الساتر الترابي و جاكتات النجاة و عربات الجر و التي تم استخدامها في نقل الذخائر و بعض القطع الثقيلة الي الضفة الشرقية و كذلك حبال الجر و حبال العبور....بعض افكار سلاح المهندسين علي رغم انها نجحت في التجارب و البيانات العملية الا انها لم تستخدم اثناء الحرب...كالمزلاقانات الميكانيكية التي صنعت خصيصا لكي تنقل المعدات الي فوق الساتر الترابي بعد عبور الكباري و لم تستخدم نظرا للنتائج الممتازة لفكرة استخدام المياه لفتح ثغرات الساتر الترابي.

قام رجال المهندسين في الافرع الرئيسية للقوات المسلحة بتضحيات عظيمة اقرب ما تكون للاساطير اثناء حرب الاستنزاف...فمع وضوح حجم الهزيمة بعد يونيو 1967 بدات القوات الجوية فورا في اعادة تجهيز المطارات و اقامة مطارات جديدة خصوصا السرية وسط الاراضي الزراعية....فقام رجال المهندسين بالتعاون مع شركات القطاع العام في ملحمة اعادة البناء فبداوا باعادة رصف المطارات (Run way) و بناء الدشم الخرسانية لها بتصميم و تنفيذ مصري 100%  و تمويه علي افضل ما يكون و خصوصا للمطارات السرية بحيث لم تعد تتوقع اسرائيل من اي مكان ستخرج لها الطائرات.

و مثلما حدث مع المطارات كان يحدث ايضا مع قواعد الدفاع الجوي...فمع قرار الرئيس عبد الناصر بانشاء القوة الرابعة و هي قوات الدفاع الجوي...بدات وتيرة البناء...و ايضا بمشاركة القطاع المدني و تصميم و تنفيذ مصري 100% ....و لكن اسرائيل ادركت خطورة ما يحدث...و وجهت قصفها بكل شدة و قسوة علي قواعد الدفاع الجوي...و سقط المصابين و الشهداء ...عسكريين و مدنيين....و لكن استمروا...استمروا برغم كل ما حاق بهم....هكذا كانوا...حاملين ارواحهم علي اكفهم...يبتغون احدي الحسنيين "النصر او الشهادة".

اشترك رجال سلاح المهندسين في الدراسات التي تمت لاختيار افضل توقيت للهجوم...بحيث يكون المد في اعلي حالاته لسهولة وضع اول قدم علي الشاطئ و تكون سرعة التيار اقرب الي الصفر حتي يكون العبور في خط مستقيم و عمودي علي الشاطئ...و كذلك حالة القمر و شدة اضائته و بقاؤه في السماء و ملائمة ذلك للعمليات الهجومية و حالة الطقس و ملائمتها لاعمال القتال الجوي و البحري.

لقد روعي في التخطيط للمعركة و توقيتاتها..الا يسمح لوحدات المشاة التقدم لمسافة كبيرة شرق القناة في الساعات الاولي للمعركة مع ان ذلك كان ممكنا مع الانهيار السريع لخط بارليف....لكن كان اهم ما في الامر الايترك جنود المشاة يضعون انفسهم امام تواجد كثيف لدبابات العدو قبل ان تصلهم الوحدات المدرعة ذات القوة النيرانية الكبيرة و التي ستمكنهم من التعامل مع دبابات العدو بشكل اكثر قوة و عنفا...و هذا كان يقع علي عاتق رجال المهندسين ....اما ان ينجحوا في مهمتهم علي خير وجه او ان تضيع امال امة باكملها في تحرير ارضها.

و مع دقات الساعة الثانية و خمس دقائق من بعد ظهر يوم 6 اكتوبر 1973...و بدء الضربة الجوية و هدير المدافع.....تحرك رجال المهندسين العسكريين خلف رفاقهم من المشاة قلوبهم مملوءة ايمان و تشع وجوههم نورا نحو مواقع الثغرات المحددة سلفا بدقة....و بدات الاعمال التي تدربوا لاجلها طويلا...و بعد 4 ساعات تم فتح اول ثغرة في الساتر الترابي في قطاع الفرقة الثانية مشاة و عبر اول لواء مدرع...و قرب الساعة 2030 (الثامنة والنصف مساءا) كان قد تم فتح 60 ثغرة بالساتر الترابي...و تم عبور الوحدات المدرعة علي الكباري في مواعيدها طبقا للمخطط....و صار لدي مصر في ذلك الوقت في شرق القناة خمس رؤوس كباري لخمس فرق مشاة مدعمة بوحدات المدرعات و جاهزة لصد الهجوم المضاد المدرع للعدو قبل شروق شمس يوم 7 اكتوبر...و صار خط بارليف كقطعة الجبن السويسري به من الثقوب اكثر ما به من الجبن.

المصادر

مذكرات حرب اكتوبر للفريق سعد الشاذلي

1-http://group73historians.com/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A3%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%B1/468-%D8%A7%D9%86%D8%AC%D8%A7%D8%B2%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%AC%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D8%B1%D8%AC%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D9%86%D8%AF%D8%B3%D9%8A%D9%86-%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D9%88%D8%B1.html

2-http://www.group73historians.com/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A3%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%B1/387-%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%88%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%83%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%83%D9%8A.html

3-http://group73historians.com/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A3%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%B1/462-%D8%AE%D8%B7-%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%84%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B5%D9%8A%D9%86-%D9%85%D9%86-%D8%AE%D8%B7-%D9%85%D8%A7%D9%86%D8%B9-%D9%81%D8%B1%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%89-%D9%82%D8%B7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A8%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D9%8A%D8%B3%D8%B1%D9%8A.html

4-http://group73historians.com/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A3%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%B1/481-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B9%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%AA-%D8%B3%D9%84%D8%A7%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D9%86%D8%AF%D8%B3%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A.html

https://www.youtube.com/watch?v=fbHbCpY3cyM

5-http://group73historians.com/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A3%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%B1/265-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AC%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%89-%D8%A8%D8%B3%D9%84%D8%A7%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D9%86%D8%AF%D8%B3%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%89-%D8%AD%D8%B1%D8%A8-73.html

6-http://www.group73historians.com/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A3%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%B1/897-%D8%A5%D8%B9%D8%AC%D8%A7%D8%B2-%D8%B3%D9%84%D8%A7%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D9%86%D8%AF%D8%B3%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%B1.html

7-http://group73historians.com/%D9%85%D9%84%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B7%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%AA/1045-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%AD%D9%85%D8%AF%D9%8A.html

8-http://group73historians.com/%D9%85%D9%84%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B7%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%AA/87-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%88%D8%A7%D8%A1-%D8%A3%D8%B1%D9%83%D8%A7%D9%86-%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85-%D8%B4%D9%83%D9%8A%D8%A8.html?showall=1&limitstart=

https://www.youtube.com/watch?v=j4VKC6ACKRo

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech