Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

مهمه خلف خطوط العدو - الفصل الثالث

 

 

( الفصل الثالث )

وبدأوا ينطقون الشهادة خلف نصر وقبل ان يشدوا تيلة الامان للقنبلة ... سمعوا اشارة نداء من خلال جهاز اللاسلكى فتوقفوا , ورد نصر على القيادة بوهن شديد وسمع قائده يبلغه انه تمكن من تحريك المجموعة الاخرى فى عدة اتجاهات حتى تمكن من ضبط اتجاه معين يمكن للمجموعتين من الاتصال ببعضهما .. وأن قائد المجموعة الثانية سيتصل به فورا ..

وفعلا حدث اتصال وتحدث الملازم أول علوان مع زميله الملازم أول نصر واتضح من ذلك الاتصال ان المجموعة الثانية على مسافة قريبة جدا من مكان نصر فهى خلف الجبل الذى امامه مباشرة .. وقدر نصر المسافه بينه وبين الجبل بكيلو مترين فقط فطلب منه نصر ان يعطى له اشارة مرئية .. وفعلا ظهر ضوء متقطع من أعلى الجبل .. فتم الاتفاق على أنه بعد آخر ضوء سيتحرك نصر ومجموعته الى المجموعة الاخرى ... وفى آخر ضوء .. فتح نصر الاتصال مع علوان وأبلغه انه قد حدد الزاوية التى سيسير عليها ليصل اليه وقدر المسافة بثلاثة كيلومترات .. وحدد له الوقت الذى سيقطع فيه تلك المسلفة وطلب منه فى توقيت معين أن يعطى له اشارة ضوئية اخرى ليصل اليه.. 

وعندما حاول نصر الوقوف هو وجنيدى وعادل شعروا بسكين تقطع بطونهم .. فصرخوا من شدة الألم ووقعوا على الارض مرة أخرى ولكن نصر حاول الوقوف مرة أخرى ببطء شديد حتى وقف .. وكذلك فعل جنيدى وعادل .. امر نصر بترك كل مامعهم من حمولات وبدأوا يتحركون فكانوا وكأنهم يتحركون على أربع .. كانوا فى تلك اللحظه يتمنون قطعة من الملح ليمتصوها لتجدد نشاطهم ولكن من أين يجدوها .. ومع ذلك استمروا فى السير بصعوبة فى اتجاه المحدد على البوصلة فعبروا سلسلة من الجبال كان من المفترض ان يجدوا المجموعة الاخرى خلفها .. ولكن عندما عبروا السلسلة الاولى وجدوا عدة سلاسل اخرى قبل ان يصلوا للمكان المحدد .. وأن المسافة المقدرة بثلاث كيلومترات اتضح انها لاتقل عن سبعة كيلومترات فقد موهت عليه سلاسل التباب المسافة فبعضها لم يكن ظاهرا من المكان الذى كان به وبعد ثالث سلسلة من تلك التباب كانت قوى جنيدى وعادل قد خارت تماما ..فوقعوا على الارض دون حراك  وبالكاد ابلغا نصر بعدم قدرتهما نهائيا على المواصلة .. وتوسلا له ان يطلق عليهما النار حتى لايقعوا فى الاسر ويستكمل هو مسيرته ..

رفض نصر ذلك .. وكان هو ايضا لايقوى على حمل بندقيته .. فطلب منهما ان يظلا مكانهما وترك معهما سلاحه .. وأخذ الزمزمية التى بها بعض الماء العفن بعد ان أخذ كلا منهما نقطة .. وودعهم ليلحق بالمجموعة الاخرى ليشربوا بما تبقى من الماء فى الزمزمية قبل الموت .. أما اذا اراد الله له الحياه .. فانه سيعود اليهم مرة أخرى ..

واصل نصر السير وعبر سلسلة التباب التى كان يعتقد أنها الاخيرة ولكنه وجد بعدها سلسلة أخرى وهنا كانت قواه قد خارت تماما فوقع على الارض ولم يستطيع تحريك يديه او قدميه .. ولم يتمكن من تحريك اى جزء من جسمه سوى عينيه .. حاول ان ينظر الى السماء ليطلب من ربه العون حتى يتمكن من الوصول الى تلك الجماعة ليشربوا نقطة ماء قبل ان يموتوا .. ولكنه لم يستطيع ان يرفع نظره الى اعلى فرقبته لاتساعده .. فكان نظره فى مستوى سفح التبه القريبه منه .. وفجأه شاهد اشارة ضوئية متقطعه ..

كانت تلك الاشارة هى الاشارة التى اتفق ان يطلقها قائد المجموعة الاخرى من كشاف بطريقه متقطعة فى الموعد المتفق عليه .. لتحديد اتجاه السير الى المكان المختبئ فيه المجموعة الاخرى .. فعرف نصر انه قريب جدا منهم .. ويبدوا ان ذلك اعطى لجسده الواهن دفعة ليتحرك .. فقاوم وجاهد وظل يزحف ببطء الى ان وصل الى قاعدة التل وتوقف .. فلم يستطيع نصر التحرك اكثر من ذلك فأعطى بفمه صفيرا متفقا عليه بين جماعات الاستطلاع للنداء على بعضهم .. وهو صفير يشبه صوت الكروان وسمع الرد عليه .. وانهار تماما .

كان الرقيب حلمى قائد ثانى المجموعة الثانية على سفح الجبل يعطى اشارة ضوئية .. وهو الذى رد على الصفير .. وهو الذى شاهد نصر وهو يقع على اول التل .. فأسرع بالنزول اليه وكانت المسافه من أعلى تزيد قليلا عن   500مترا .. ووصل الى نصر الذى كان فى حالة شبه غيبوبة .. ومع ذلك شعر بيد تربت على وجنتيه ليفيق وكان يسمع شبه همس ينادى عليه " حضرة الضابط .. حضرة الضابط " وأحس ان اليد التى تربت عليه فيها شيئ من القوة ومع ذلك كان كل همه الماء .. فأشار له على الزمزميه التى معه ..

وكان نصر يقصد بذلك أن يلحق زميليه بالماء الذى عانى كل تلك المعاناه ليصل به اليهم ولكن الرقيب حلمى لم ينظر الى الماء الذى يشير اليه .. بل كان يفعل شيئا آخر أخرج الرقيب حلمى من شدته مايسمى " بالعجر " أى البطيخ الصغير قبل النضوج .. وضربها بيده فقسمها الى نصفين .. واقترب بنصف البطيخة الصغيرة من فم نصر , وصار يعصرها فنزل فى فمه بعض قطرات منها .. وظل حلمى يعصر فى فمه .. وفجأة شعر نصر وكأن ، الحياة قد دبت فيه مرة أخرى  فاستطاع أن يجلس قليلا ويستند على صدر حلمى وفجأة خطفها من يده وصار يلتهمها بشراهة ووحشية.. التهم نصر نصف هذه البطيخة الصغيرة .. وحاول ان يتكلم ...  ولكن حلمى لم يعطه الفرصة فوضع نصف البطيخة الآخر وامسكها نصر وكاد يلتهمها ولكنه فجأة توقف  وطلب من الرقيب حلمى ان يأخذها الى جنيدى وعادل .. فأبلغه ان يأكلها هو فمعه غيرها وسأله عن مكانهما فضبط له نصر الزاوية العكسية فى البوصلة ليسير عليها وأبلغه انه سيجدهما بعد حوالى كيلو مترا

وأسرع حلمى فى الاتجاه الذى أشار اليه نصر .. واستأنف نصر أكل باقى العجرايه وظل نصر مايقرب من الساعة فى نفس المكان وهو سعيد لعودة القوة والحياة اليه ولكنه كان قلقا على جنيدى وعادل .. وعندما وصل بهما حلمى وشاهدهما قادمين سائرين على أقدامهما .. اطمأن .. وعندما وصلا الى نصر احتضن الثلاثة بعضهما وانهاروا فى بكاء الفرحة كالاطفال..

تقدمهم حلمى كدليل .. وطوال الطريق كان حلمى يقص عليهم كيف انهم اسقطوا فى مكان خطأ نتيجة لظروف المعركة .. ونفد الماء والتعيين ووصلوا الى المرحلة الأخيرة من الحياة واقترب الموت منهم جدا  لولا ذلك البدوى الذى عثر عليهم وهم فى الرمق الاخير .. فأسرع وأحضر لهم الماء والغذاء .. واصطحبهم وأخفاهم قرب غيط البطيخ الذى يخص احد اقاربه .. ومن لحظتها وهم يعيشون على ذلك البطيخ الصغير أى العجر وعلى الغذاء والماء الذى يحضره البدوى ..

ووصلوا الى الخور والتقى نصر بباقى المجموعة وكانوا الملازم أول علوان ومعه جندى يدعى عبدالسلام والرقيب حلمى .. وسريعا مافتح الملازم اول علوان الجهاز وأرسل اشارة الى القيادة يبلغهم بالتقاء المجموعتين .. وجاء الرد بتهنئتهم من قائدهم المقدم صلاح بسلامة نصر ورجاله .. وأمر بأن تنضم المجموعتين فى مجموعة واحدة بقيادة نصر.. وان ينتظروا تعليمات أخرى ..

واحتفالا بانضمام المجموعتين .. ونجاة مجموعة نصر من الموت .. اقام البدوى بتجهيز وجبة دسمة جدا كانت بالنسبة لهم فى ذلك الوقت من أمتع وأشهى الوجبات التى تناولوها فى حياتهم . فقد كانت وجبة الحياه بالنسبة لهم فهى مكونه من قلب العجر مع الصلصة والدقيق ..

قام نصر بتوليف جهاز الاستقبال على تردد اذاعة العدو ليستمع الى أخبار المعركة فسمع ان العدو قام بالقبض على بعض افراد الكوماندوز المصريين ومن هذا الخبر عرف ان العدو يقوم بتمشيط الجبال الكبيرة التى تستخدم لاختفاء الكوماندوز .. فصحب المجموعة وتركوا تلك المنطقه المعرضه بأن يقوم العدو بالتفتيش فيها .. وذهب بهم الى جبل صغير او نقول تل كبير ..

وبمعاينة المكان اتضح ان ذلك التل يحتوى على عدد كبير من الخيران .. والخور هو تلك الفجوات التى تشبه الكهوف التى تكون بالجبال ,.وان هذه الخيران تكون غير نافذه بمعنى انه ليس لها مخرج للهروب منها فى حالة اذا هاجمهم العدو.  كانت هذه هى عيوب ذلك المكان الذى لايصلح للاختفاء .. أما مميزاته فهو يطل مباشرة على محاور رئيسية .. محور طولى الذى يؤدى الى الجيش الثالث ومحور عرضى يصل بين محورين رئيسيين .. فهو كموقع مراقبة لجمع المعلومات صالح 100% فقرر نصر الاستقرارفى هذا المكان ..وكان ذلك فى 25 اكتوبر 1973 ..

 دخل نصر ورجاله الى اول خور قابلهم .. وكانت المفاجأة له ولمجموعته فقد شاهد اطارا لعربة اسرائيلية كاملا ومنفوخا وصحيحا وسليما .. مستندا الى مدخل الخور فى ممر السيل الملاصق للمدخل كان معهم لحظتها ذلك البدوى سليم .. فسأله نصر عن ذلك فأبلغه ان من عادة العدو ان يترك امام تلك الخيران اى شيئ من معداته .. وتفسير ذلك او الغرض منه ان العدو يوحى لمن يريد ان يختفى فى تلك الخيران او الكهوف انه سيعود مرة اخرى اليها .. وعليه يخشى استخدامه فى الاختفاء .

نصح افراد المجموعة قائدهم نصر بالابتعاد عن ذلك المكان خشية عودة العدو اليه اصر نصر على الدخول فيه..فهذا يتماشى مع خطة الخداع .. فالعدو لايمكن ان يتصور انه رغم تلك العلامة الدالة على عدم امان هذا المكان انه يوجد من يجازف بالاختفاء فيه

وعندما دخل نصر ورجاله الى الداخل .. اتضح لهم فعلا صلاحية المكان للاعاشه فهو مدرج الى اعلى بحفر طبيعى من الطبيعة .. ايضا يوجد مايشبه المدق بحيث يستطيعون الصعود الى اعلى للمراقبة الخارجية دون ان يراهم احد ..فوزع نصر رجاله وطلب من احدهم ان يصعد الى أعلى ليكون كنقطة مراقبة وملاحظه وانذار لهم بينما أمر الباقى بتجهيز مكان للاعاشة .. وطلب من البدوى سليم ان يذهب ويحضر لهم التموين من طعام وماء ..

قام نصر بتنظيم الخدمات فالبعض فى راحة .. والبعض يعمل فهناك من عليه المراقبة .. وهناك من يتصل بالقيادة للابلاغ عن المعلومات .. وهناك من يقوم بشحن بطاريات الاجهزة باليد .. واحيانا كانت القيادة تطلب منهم استكشاف المناطق المحيطة بهم فكان يخرج الى هذه المؤموريات نصر وعرفان كلا على حده فى اتجاهات تبعد حوالى خمسة كيلومترات فكانت المهمة تنتهى فى نفس اليوم .. وقد استمروا على هذا النظام لمدة ثلاثة أشهر .

قضت تلك المجموعة الثلاثة اشهر الماضية فى عمل وابلاغ معلومات عن قوات العدو التى كانت سريعا ماكانت تضرب من قواتنا .. ايضا أمضت المجموعة الثلاثة اشهر فى صيام اقتصادا فى الطعام  فقد كانوا يجتمعون قبل المغرب لتجهيز وجبة الافطار كما علمها لهم البدوى الوطنى سليم .. وعندما يأتى المغرب يشرب كلا منهم ماقيمته غطاء زمزمية مياه ثم يتناولون طعام الافطار الذى سرعان ما ينتهى وبعد الاكل يشربون الشاى ثم ينوون الصيام حتى مغرب اليوم التالى ..

فى يوم وصلت اشارة لاسلكية من القيادة تطلب من نصر ان يتجه الى اول موقع كان به عند بداية العمليه وهو الموقع المشرف على مكان اللواء المدرع والمطار والمحاور الثلاثة فى منطقة " تمادا " والذى تركه منذ حوالى ثلاثة اشهر  ليعيد استطلاعه وجمع المعلومات عن قوات العدو التى هناك لمعرفة ما استجد من تطورات فى تحركات قوات العدو على محاور ذلك المكان .

سلم نصر قيادة المجموعة لزميله الملازم علوان وجهز نفسه واخذ بعض الطعام والماء .. وكان البدوى سليم قد حضر هذه المرة ومعه شقيقه ويدعى سعد وكان معهما جمل وسأل نصر سعد اذا كان يعرف الطريق لهذا الموقع.. فأجابه بالايجاب فقد كان يرعى فيه الغنم عندما كان صغيرا .. فاصطحبه نصر معه ومعهما الجمل وبدأ التحرك مع آخر ضوء ..

وسارا طوال الليل حيث كانا يتبادلان ركوب الجمل .. كانت تلك الرحلة من الصعوبه بمكان لأن الارض التى يسيرون عليها فى بداية المشوار كانت عبارة عن 50 كيلومترا من الارض المفتوحة المسطحة التى ليس بها اى مكان للاختفاء .. فكان لابد من قطع تلك المسافة فى ظلام تلك الليلة .. فكان لزاما عليهم ان يتحركوا بالخطوة السريعة واحيانا أخرى يجريان ليتمكنا من قطع هذه المسافة فى الارض المكشوفة .. وفعلا تمكنا من قطع تلك المسافة فى اول ليلة .. وقبل اول ضوء وصلا الى منطقه جبلية خلفها يقع موقع اللواء المدرع وعندها قام نصر باخلاء سبيل الجمل ..

كان الموقع المقصود الذهاب اليه هو اول موقع احتله نصر ومجموعته أى المنطقه التى تشرف على المحاور الثلاثة ... ونتذكر ان نصر كان قد اختصر الطريق فعبر السلك الشائك ووصل الى الموقع مباشرة .. ولكن الآن وبعد وقف اطلاق النار اصبحت الظروف مغايرة .. فلايمكن له اختراق السلك فكان لابد وأن يناور ويلتف حول الجبل فى دروبه المختلفه ليصل الى هناك ...

كان الموقع المقصود الذهاب اليه محاطا بسلسلة من الجبال المتتالية وفى نهايتها يوجد لسان جبلى يطلق عليه لسان ريشه فى منطقة تسمى " تمادا " وهذا اللسان يخترق الموقع المراد الوصول اليه تماما .. وكان اللسان ملتفا مع التفافات الجبال ويحيط بتلك السلسلة من جميع الاتجاهات ..

وركب نصر وسعد اللسان وصعدا ..ومضى الوقت وهما يصعدان مع اللسان حتى سقطت عليهم " شبورة " ولكن كانت على شكل سحابه كثيفة داكنه فقد كان الوقت فى منتصف شهر ديسمبر .. وظلا سائرين يصعدان مع اللسان ويهبطان معه فى الظلام الدامس وهما لايدريان بمرور الوقت الى ان كانت تلك المفاجأة

كانت المفاجأة شيئا ما أغرب من الخيال .. كانا يسيران فى الظلام التام .. وفجأه وجدا أنهما فى ضوء النهار الكامل .. فقد كانا قد خرجا من السحابة التى كانا بداخلها .. ولم يكن معهما ساعة ليحددا الوقت .. ولكن من الشمس عرف نصر ان النهار قد طلع عليهما ولكن تلك الشابورة اخفته حتى خرجا منها .

كانت الشمس ساطعة تماما .. والاكثر انهما وجدا نفسيهما على حافة اللسان وفوق الموقع تماما وشاهدا حركة الصباح لآفراد العدو من حيث الذهاب للحمامات وارتداء الملابس وخلافه من مظاهر بداية يوم جديد

انتاب نصر زهول تام .. فمكانه الذى وجد نفسه فيه فجأة مكشوف تماما ولو ان احدا من جنود العدو نظر لأعلى لشاهدهما بوضوح .. والأكثر انه وجد بالقرب منه وعلى مسافة لاتتعدى 20 مترا من مكانهما برجا للمراقبة وعليه جندى بالسلاح .. وبالقرب من البرج مخزن الذخيرة فى حضن لسان الجبل ومن الزهول قال نصر لسعد البدوى ..  ياسعد .. احنا اتكشفنا ورد عليه سعد .. أى والله انكشفنا ..

 أمر نصر  سعد بالرقود فورا وفعل هو أيضا وبدأ يستطلع المكان حوله ليحدد مكانا للاختفاء فوجد انه لامجال أبدا للاختفاء .. فاذا ذهب الى اى مكان سينكشف حتى لو عاد من الطريق فهو ايضا مكشوف .. فنظر فى نظارة الميدان التى معه ليتأكد اذا كان هناك من شاهدهما فلاحظ من الحركة العادية انه حتى هذه اللحظه لم يكتشفهما العدو ..

بدأ نصر يقوم بما يسمى بتقدير الموقف .. فوجد ان نسبة تعرضه للكشف تبلغ 95% .. وايضا وجد انه فى مكان مرتفع وعلى مسافة ابعد من مدى تأثير اسلحة العدو عليهما .. وكان على العدو ان يصد اليهما اذا اكتشفهما .. فحسب زمن صعود العدو اليهما فوجده سيستغرق اكثر من ساعة .. فكر ايضا فى انه قطع كل تلك المسافه لتنفيذ مهمة مطلوبة منه .. وهى استطلاع ذلك الموقع والابلاغ عن معلوماته .. وهاهو فوق الموقع يراه وبوضوح .. فالعدو ومعداته تتحرك أمامه على المحاور التى حوله .. فلماذا لاينفذ مهمته الآن .. وحتى لو اكتشف – وهذا وارد جدا – يكون قد ابلغ المعلومات المطلوبه لقيادته .. وتذكر المثل الذى كان يسمعه من جدته دائما " ضربوا الاعور على عينه قال خسرانه خسرانه " فلماذا لايفيد جيشه ووطنه بابلاغ المعلومات وليحدث بعد ذلك مايحدث.

كانت الخطورة الشديدة عليهما من ذلك الجندى الذى يقف ببرج المراقبه حارسا على مخزن الذخيرة فهو لايبعد عنهما بأكثر من عشرين مترا .. حقا كان يقف وظهره لهما .. ولكنه لو فكر ان يلتفت للخلف لشاهدهما وهما على مرمى سلاحه .. وكان سيطلق النار عليهما فورا .. فأمر نصر البدوى سعد بأن يركز بعينيه على ذلك الجندى وينبهه لو التفت اليهما حتى يتمكن منه قبل ان يتمكن منهما .. ولكن يبدوا ان الجندى كان عنده ضمير فى حراسته لمخزن الذخيرة  فلم يلتفت للخلف ابدا

وبجرأة وعدم خوف وبهدوء أعصاب بدأ نصر يستطلع الموقع بكل اتجاهاته ويكتب المعلومات ويشفرها .. ثم قام بما يزيد على نسبة خطورة الكشف وهو فرد هوائى الاسلكى .. وبدأ يبث اشاراته التى تحمل كل المعلومات التى يراها بمنتهى الدقه ومنتهى الوضوح ..  

انهى نصر المهمة المطلوبة منه .. ولم يكتشف .. ولكنه ظل هو وسعد كامنين فى ذلك المكان المكشوف بلا حراك لمدة عشر ساعات .. حتى انتهى النهار وكان آخر ضوء .. وبدأ نصر وسعد الحركة ورحلة العودة .. وعاد نصر وسعد على اللسان من نفس المكان الذى حضرا منه .. الى ان وصلا الى المكان الذى تركا فيه الجمل والعتاد الذى كان قد اخفياه .

واستغرقت هذه الرحلة مايقرب من ساعتين.. ووجدا الجمل مكانه فأخذ العتاد المخفى والجمل وبدأ خط سير العودة .. وكانا يعتقدان ان المسافة من هذا المكان الى الطريق حوالى كيلوونصف الكيلو الى اثنين كيلو .

وهما فى هبوط من على اللسان شاهد نصر كشافات سيارة بعيدة على الطريق الجانبى ولكنها كانت على نفس بعد الطريق منهما .. كانت السيارة قادمة من اتجاه الشمال .. وتأخذ اتجاه الجنوب .. وفجأة بدأت تنحرف فى اتجاه الغرب واذا بالمسافه بينهما وبين الطريق الذى عليه السيارة لاتتعدى الثلاثين مترا   ومعنى ذلك ان كشاف السيارة سيسقط عليهما ويكتشفهما .

توقع نصر الكشف .. ولكن كانت تلك المفاجأة غير المتوقعة .. والتى لايصدقها اى عقل .. الا عقول من يتعاملون مع الجمال .. فالجمل حيوان غريب خصه الله بامكانيات فائقة فهو يمتاز بكم كبير من الذكاء التلقائى والاحساس القوى خصوصا الاحساس بالخطر  فقد فوجئ نصر الذى كان راكبا على الجمل .. انه بمجرد ان اكتشف الجمل كشاف السيارة رقد فورا على مستوى الارض وكأنه جندى مدرب على الاختفاء برقوده على الارض ولف جسده حول احدى كودى العشب وثبت فى مكانه حتى لايكتشف ..

ثبت الثلاثة نصر وسعد والجمل فى مواقعهم على الارض بلا حراك .. وفى الحقيقة فان أفضل وضع فى مثل تلك المواقف هو الثبات التام .. فالحركة هى التى تكشف بعد ان تكتشف .. وهم فى هذا الوضع الساكن كانت السيارة قد عبرتهم وانطلقت الى طريقها ..

أسرع نصر وسعد والجمل جريا حتى كيلو مترين حتى ابتعدوا عن هذا المكان وبدأوا السير الطبيعى فى تلك الارض المفتوحة والمكشوفة تماما التى قدموا منها وهى مسافة 50 كم فاجتازوا تلك المسافة فى هذه الليلة وكانت سرعتهم حوالى 8 كم / ساعة .. واقتربوا من مكان الجبل الذى به القاعدة التى تحتلها  المجموعة وكان اول ضوء قد اقترب .. فأخذ سعد الجمل متجها نحو دياره .. ودخل نصر الى الخور الذى به جماعته  فاستقبلوه أحسن استقبال .. كان افراد الجماعة يعرفون مدى المشقة التى تكبدها قائدهم .. فبدأوا يجهزون له وجبه ساخنه .. وكانت من السردين فقد احضر لهم البدوى سليم علبا من السردين الاسرائيلى والبصل وعلبا من الصلصة . وعندما بدأوا يستمتعون بتلك الوجبة جاء الخطر ..

شاهد نصر فرد المراقبة من مكانه بأعلى فى حالة قلق .. ثم استدار وصار يشير له اشارات فيها الهلع طالبا الاقتراب منه .. فترك نصر الأكل وأسرع بالصعود اليه فى نقطة المراقبة .. وعندما وصل شاهد نصر بنفسه الخطر القادم .. فقد كانت عربات العدو المدرعة قادمة فى اتجاه الخور .. بينما شاهد جمل سليم يجرى بعيدا عنها ..

وأول تحليل لنصر هو ان العدو اكتشف البدوى سليم وشقيقه سعد وأنهما اعترفا على مكان المجموعة والعدو قادم لمهاجمتهم .. كان أفراد المجموعة قد شعروا بالخطر فاستعد الجميع بالسلاح منتظرين اشارة من نصر ... مازالت عربات العدو تتقدم .. فأعطى نصر بيده للمجموعة إشارة الاستعداد مع إشارة أخرى بعدم إطلاق النار إلا بإشارة أخرى.. وظل نصر يتابع تقدم عدد 6 عربات للعدو حيث ظلت تتقدم ثم انتشرت على مسافات وكأنها تقوم بعملية حصار للمكان .. ثم اندفعت داخل مدخل الخور المختبئ فيه أفراد المجموعة وتوقفت عند إطار السيارة التي ذكرنا أنها كانت بمدخل الخور من قبل أما باقي العربات فقد توقفت أمام مدخل احد الخيران الموجودة بالمكان ونصر مازال على وضعه رافعا يده استعدادا لإعطاء أمر إطلاق النار عندما شاهد عدد 6 جنود حاملين للرشاشات يقفزون من جانبي السيارة المدرعة ويأخذون وضع الاستعداد في اتجاه مدخل الخور.. أما الجندى السابع فقد كان يقف خلف مدفع رشاش مثبت أعلى العربه .

هناك تعليمات مستديمة لفرد الاستطلاع خلف خطوط العدو الا يطلق النار الا بعد ان يطلق العدو النار .. وبعد التأكد من أن العدو اكتشفه ويقصده فمن المحتمل ان يكون العدو يطلق النار من منطلق التهويش ولكنه لم يكتشف أحدا ومعنى ذلك انه يجب أنه يجب أن يكون فرد الاستطلاع يملك اعصابا من حديد ..

وهذا ماكان يتميز به نصر .. فرغم ماشاهد فانه ظل رافعا يده بالاستعداد ولم يعطى اشارة الضرب . رغم ان لحظتها كان بداخله مايدفعه باعطاء الاشارة ومع ذلك ساعده الله على التأنى .. فشاهد باقى العربات يتكرر منها ماحدث للعربة التى امام مدخل الخور وحبس نصر انفاسه حتى لايسمع العدو دقات قلبه القوية  

ظل نصر مركزا على العربة المدرعة التى وقفت امام الخور الذى به والجماعة وشاهد رشاش العربة موجها اليه تماما .. كان ذلك هو احساسه الذى اوصله الى الاقتناع التام بأن العدو فعلا اكتشفهم ويراه هو شخصيا .. وهاهو يسدد اليه رشاش العربه المدرعة .. عند هذا الحد قرر نصر وكاد يعطى اشارة اطلاق النار وعادة تلك الاشارة تصدر عن المخ الى اليد .. وحقا صدرت .. ولكن يد نصر لم تنفذ الامر او اشارة العقل .. اما لانها تجمدت من شدة الخوف .. أو أن الله ألغى تلك الإشارة الصادرة من عقل نصر وأمر اليد بعدم تنفيذها ... ظل العدو فى هذا الوضع بسيارته امام مدخل الخور مباشرة لدقائق احسها نصر الدهر كله .. وفجأة شاهد الافراد السته يقفزون مرة اخرى الى السيارة .. وكذا حدث لباقى السيارات ..التى بدأت تتراجع للخلف وتتجمع فى نقطة تبعد قليلا .. هنا شعر نصر بنوع من الهدوء والتقاط الانفاس .. فقد تأكد انه لم يكتشف  وانهم ليسوا قادمين لهم ..

ولكن مرة أخرى تقدمت العربات بنفس التشكيل الى مكانها الاول ووصلت العربه الى مدخل الخور  وقفز الجنود الى الارض .. ولكن هذه المرة وقف قائد العربة امام الجنود وظهره للخور وصار يتحدث معهم .. فتيقن نصر بأن مايحدث ماهو الاتدريب .. ماكاد نصر يطمئن ويشير لرجاله بالاطمئنان .. إلا وشاهد مايشير الى ان الكارثة ستحدث وان اكتشافهم اصبح مؤكدا ..  فقد شاهد الجمل الخاص بالبدوى سليم قادما من بعيد فى اتجاه الخور .. والخطورة أن ذلك الجمل كان عليه السرج.. فالعدو لايلتفت الى اى جمل بدون سرج فهذا عادى .. أما اذا كان عليه السرج فمعنى ذلك ان هناك من يركبه .. عاد نصر لرفع يده بالاستعداد مرة اخرى .. فالجمل يعرف مكان الخور .. ويبدوا انه فزع من تلك المدرعات فأراد ان يختفى .. وبما انه يعرف ذلك الخور فانه سيسرع اليه للاختفاء فيه .. وفى هذا دلالة قاطعة على ان هناك احدا بالداخل. فأشار نصر بالاستعداد ثانية بينما الجمل يتقدم الى الخور  وظل يقترب ويقترب ودقات قلب نصر تزداد مع اقترابه ..                                                                 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech