Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

مهمه خلف خطوط العدو - الفصل الثاني

 

( الفصل الثانى )

فطن العدو ان هناك من يتجسس على تلك المنطقة .. فخرجت مجموعات منه لتمشيط القطاع المحيط بالمعسكر بحثا عن رجالنا .. وشاهد نصر ذلك وعرف انهم يبحثون عنهم .. واقترح عليه زميلاه ان يسرعا بترك ذلك الموقع .. ولكن نصر رفض ..وكانت وجهة نظره انهم بداخل المعسكر فعلا .. ولايمكن ان يتصور العدو ولن يتخيل ان الكوماندوز المصريين يقطنون معه فى نفس مكانه .

وفعلا عادت مجموعات العدو بعد ساعات وبعد ان مشطت المنطقة المحيطة بالمكان ولكنها لم تقترب من مكان ابطالنا الثلاثة ... شعر نصر ان مدة الوجود خلف خطوط العدو قد تطول .. فبدأ يقتصد فى الماء والتعيين الذى معهم ..استمر وضع نصر وجماعته على هذا الحال حتى يوم    23اكتوبر اى لمدة 17 يوما فى هذا الموقع .. وكانوا يتحركون منه للاستطلاع ثم يعودون للابلاغ .. وهدأ الموقف الحربى بيننا وبين العدو نوعا ما .. وذلك بعد وقف اطلاق النار ..

واكتشف نصر انه لم يبق معه من التعيين مايكفى ليوم واحد وزمزمية مياه واحدة ولم يكن نصر يريد ان يشغل قيادته اكثر مما هى فيه او خوفا ان يطلبوا منهم العودة .. فقد كان نصر ومجموعته متلذذين بعملهم من هذا الموقع الحيوى .. فهم داخل احشاء العدو ويضربونه من داخله وهو لايعلم عن وجودهم فى بطنه .

 وطالت المدة وقل التعيين والماء .. لم يصبح لديهم سوى علبة سردين واحدة وزمزمية مياه وحيدة ولم يغب عن القيادة فى مصر ان نصر ومجموعته قد نفذ منهم التعيين والماء رغم انه لم يشك من ذلك .. ولكن الان اصبح الموقف حرجا فاضطر نصر ان يبلغ القيادة بما هم عليه الان .. وكان رد القياده عليه بان يتوجه الى مكان آخر حددته له ..وقيل له انه سيجد به بئر ماء وسيجد هناك التعيين ايضا .

لم يكن نصر يعلم بان الثغرة قد حدثت وضغطت على ميزان النصر قليلا ..فكان من المتعذر دفع احد من الارض ليلتقى بنصر ويسلم له مايحتاجه .. فتح نصر خريطته ليحدد الاحداثيات لهذا المكان الذى ابلغ ان به بئرا.. ففوجئ ان هذا البئر فى منطقه يطلق عليها " جبل الحسنه " وان مكانه بمدخل ممر متلا فى اتجاه الشرق وانه يبعد مسافة 50 كيلومترا على الخريطة ويلزم للوصول اليه مناورة التفاف حول الجبل يبلغ طولها حوالى 20 كيلو مترا .. معنى ذلك ان ذلك المكان المطلوب الذهاب اليه يلزمه مسيره 70 كيلو مترا على الاقدام .. وترجمة هذه المسافه بالزمن هى من يومين الى ثلاثة ايام بلياليها ..مع اعتبار ان نصر ورفاقه اصبحوا الآن فى حالة من الضعف بسبب نقص الغذاء ..

وكان الاخطر من طول المسافة ان تلك الارض التى من المفترض التحرك عليها ارض خطيرة على رجال الاستطلاع خلف الخطوط .. فهى ارض مسطحة تماما ليس بها اى سواتر للاختفاء فيها .. بل الاكثر انها بجوار تحركات العدو التى لاتبعد عن تلك الارض اكثر من عشرة كيلو مترات .. وعملية الاختفاء فى مثل تلك الارض من المستحيل فكان لابد ان يكون التحرك ليلا فقط مع ضرورة اخفاء الاثر ولمسافة سبعين كلم ..

وبدأ نصر وفرداه رحلته الى تلك البئر المنشودة .. وكان من الضروري قبل ترك هذا المكان إخفاء اى اثر يدل على انهم كانوا بهذا الموقع .. خصوصا ما يطلقون عليه درجة الاستضاءة فكانوا يعملون حسابا للظلط الذى تطؤه أقدامهم خوفا مما يطلق عليه درجة الاستضاءة .. بعد ذلك تاتى المرحله الثانية من الرحلة .. وهى مرحلة المناورة والالتفاف حول الجبل ليتمكن من الخروج من موقعه الذى كان تقريبا بداخل معسكر العدو .. وهذه المرة لايمكن اختراق السلك كما حدث فى الدخول ..

 فقد توقف اطلاق النار وتوقفت حالة الحرب واصبح العدو لديه القدرة اكثر على التركيز .. وكان على نصر ان يناور فيصعد فى اتجاه قمة الجبل .. ثم الاتجاه شرقا بعيدا لمسافة 15 كيلومترا ..ثم جنوبا لنفس المسافة وذلك للبعد تماما عن المعسكر .. كانت حالة نصر ورجاله فى تلك الرحلة ليست كحالتهم الاولى فمن المؤكد ان نقص الغذاء والماء قد اثر على قواهم وكان جنيدى اكثر معاناه منهما فقد اثر نقص الغذاء على طفليه الذئبين وكان الضمور يظهر عليهما .. فخشى عليهما من الموت .. ولكنه كان يخشى عليهما اكثر من عادل .. فقد كان الاخير من آن لآخر ينظر اليهما بشراهة فكان جنيدى يسرع باخفائهما عنه فى شدة الميدان التى يحملها على ظهره

لم تكن قوى افراد تلك المجموعة فقط هى التى تأثرت بل حدث ما اثر على معنوياتهم فقد بدأ نصر يلاحظ تغيرا فى حال قوات العدو .. فبعد الهلع الذى كانت مصابه به تلك القوات فى الاسبوعين السابقين .. لاحظ على العدو هدوءا فى تصرفاته .. والأكثر بدأ يعرف ان العدو قد مد بالمعدات الجديدة وذلك من طائراته التى يدل صوت محركها على انها طائرات جديدة ..

 ايضا لاحظ تدفق قوات العدو من الشرق الى الغرب .. عكس ماكان يحدث فقد كان ارتداد قواته فى الاتجاه المعاكس اكثر كثيرا من تقدمه الحالى .. بدأت الوساوس تلعب فى صدر نصر .. فقام بتحويل جهاز الاسلكى وتوليفه على الاذاعه ولو ان ذلك ممنوع .. فسمعوا اخبار الثغرة .. فأثر ذلك على معنوياتهم بالسلب ..

ولكن سريعا ما أصبح تأثيره بالايجاب .. فما حدث يحتاج منهم مجهودا أكثر ليساعدوا قواتهم على المقاومة وليمنعوا تدفق قوات العدو على الغرب . بالابلاغ على تدفق قواته لتضرب قبل وصولها فأكملوا المناورة سريعا ودخل نصر ورجاله الوادى وقطعا فى تلك الليلة حوالى 20 كلم .. وعندما اقترب اول ضوء كان لابد لهم من الاختفاء تماما .. فدفنوا أنفسهم تماما تحت سطح الارض ومكثوا فى هذا الوضع المؤلم وتحت تلك الشمس المحرقه طوال النهار ولكن فى نفس الوقت كانوا على اتصال دائم بالقيادة والابلاغ عن كل تحركات العدو التى كانوا يشاهدونها من مكان اختفائهم ..

ومضى نهار ذلك اليوم وهو اليوم 18 وبعد آخر ضوء خرج كلا منهم من حفرته وقاموا بازالة القرائن الداله على وجودهم فى هذا المكان ولكن كان قد حدث تغير فى حالتهم الصحية بسبب نقص الغذاء والماء .. فبدأت تظهر عليهم اعراض غريبة.. فقد جفت السنتهم لدرجة انها تحولت الى قطعة جافه بارزة خارج الفم .. ولايستطيعون ادخالها لتخشبها .. لدرجة انهم كان يصعب عليهم الحديث .. فكان كلا منهم ينقط عددا من نقط المياه المتبقية معهم على اللسان .. ثم يدفعه بيده ليدخل داخل فمه .. ايضا شعروا بتلاشى قواهم .. فقد تلاشت الاملاح من اجسادهم فكانوا يلعقون عرقهم ويستمتعون بطعمه الذى به نوع من الاملاح .. ومع كل تلك المعاناه الى ان جنيدى ظل حريصا على الذئبين .. خصوصا من عادل .. فقد استبد من الاخير الجوع جدا .. ولم يكتفى الان بالنظر بشراهه لهما .. بل تحدث مع جنيدى عن الاستغناء عن احدهما وحاول ان يقنعه بأنهما سيموتان من الجوع .. وقبلهم سيموت الذئبان لانهما يعانيان من نفس معانتهما .. فبدلا من ان يموتوا .. فليزبحوهما ويأكلوهما ليتمكنوا من مواصلة مهمتهم .. فالوطن اهم من الحيوانين ولكن ابدا لم يوافقه جنيدى على ذلك وجاء آخر ضوء وبدأ نصر ورفاقه التحرك وقطعا تلك الليلة 25 كلم وقبيل اول ضوء .. بدأ نصر ورفاقه عملية الاختفاء .. فكان لابد وان يحفروا لانفسهم حفرا يرقدون فيها ولكن كانت قواهم قد خارت تماما وبالكاد حفر كل منهم حفرة لايزيد عمقها عن النصف متر . واستلقى كل منهم فى حفرته بعد ان غطى نفسه والحفرة بفروع الاشجار . وسنحت الفرصة لعادل .. فقد غفل جنيدى قليلا فى حفرته ..

وتسرب احد الذئبين الصغيريين وخرج من الحفرة التى كانت على عمق قليل  ويشاء حظه العاثر أن يقترب من حفرة عادل الذي كان ينظر إلى السماء راجيا من الله المعونة .. وفجأة وجد الذئب الصغير يقف فوق حفرته .. وبسرعة اختطفه وأمسك به .

وقبيل أول ضوء .. شم نصر مايشبه رائحة الشواء وتعجب لذلك .. فرفع صوته قليلا " حد شامم ريحة حاجة " فرد عليه جنيدى لا يافندم سيادتك عارف انى مبشمش .. ولكن نصر لم يسمع صوت عادل فرد عليه عادل " ريحة زى ايه يعنى "  فرد نصر ريحة حاجة بتتشوى .. حاجة زى الكباب يعنى .. وهنا صرخ جنيدى " ينهار اسود " وانتفض بلا مبالاه من حفرته صارخا مندفعا الى حفرة عادل ..

 ولولا ستر الله فقد كان آخر ضوء قد حل وأظلمت الدنيا , لكان العدو قد كشفه واسرع نصر الى حفرة عادل .. تمكن نصر بصعوبة من ان يبعد جنيدى من فوق عادل .. الذى كان ممسكا بقطع الشواء ويقدمها لهم .. فلم يأكل منها شيئا بمفرده .. وجلس الثلاثة وكان نصر وعادل يحاولان ايقاف جنيدى من البكاء .. فقد كان منهارا فى اثناء مضغه لنصيبه من لحم ذئبه الصغير .

أعاد لحم الذئب الصغير بعض القوة الى نصر وجنيدى وعادل .. اللذين ظلا شبه متخاصمين .. حتى بعد ان أكل جنيدى من لحم ذئبه فقد امتنع عن الكلام مع عادل الا فيما يخص العمل فقط .. اما عادل فانه كان طوال رحلة السير فى هذه الليلة يحاول ان يسترضيه ولكن جنيدى ظل على موقفه .

كان على نصر ان يركز تماما أثناء سيرة على البوصلة .. فالارض الذى يسير فيها ارض مسطحة ليس بها اى علامات مميزة ترشده على صحة خط سيره .. فلو انحرف نصر مقدار ديسى واحد فقط فترجمه ذلك على الارض هى مائة متر فى كل كيلوأرض ومعنى ذلك ايضا فى النهاية ممكن ان يحرف نصر وجماعته عن مكان البئر فى نهاية المشوار حوالى اثنين كيلومتر .. وعليه فلن يصل اليه ابدا فكل الارض ليس بها أى نقط مراجعة يراجع عليها نفسه فى الخريطة او الى عوامل مميزة للاسترشاد بها .. يضاف الى ذلك أن العدو دائم التحرك طوال الليل على جانبى خط السير مضيئا بكشافات عرباته ومدرعاته فيضطر نصر الى سرعة الانحراف على خط سيره يمينا ويسارا ليختفى عن زوايا الاضاءة حتى يهرب منها ثم يحاول العودة مرة أخرى لخط سيرة ..

وقبل ظهور أول ضوء وهو قبل الشروق بساعة تقريبا ..وعلى البعد شاهد نصر أويخيل له انه يشاهد شيئا ما يشبه " السبية " .. وعندما نظر فى نظارة الميدان تأكد أن مايشاهده هى سبية فعلا .. ولم يكن نصر يتوقع ان يصل الى البئر بمثل هذه الدقه بعد كل الانحرافات التى قام بها ليختفى عن العدو .. لكن هاهو امام تلك البئر وها هى تلك السبية منصوبة عليه وبكرة تتدلى منها حبل وبفرحة بدأ نصر يشد ذلك الحبل وهو يأمل ان يكون فى آخرها جردل او صفيحة ممتلئة بالماء .. ولكن ابدا لم يتجاوب الحبل معه ورفض التحرك .. وتقدم جنيدى وعادل وتجمع الثلاثة بكل ماتبقى لديهم من القوة ولكن ابدا لم يتحرك معهم الحبل ..

 نظر نصر حوله بيأس فوقع نظرة على نصف جركل مقطوع وبه بعض الماء فأمسك بزمزمية وبحرص نقل الماء الذى بالجركل الى الزمزمية فامتلأت لنصفها  وكان جنيدى وعادل واقفين منتظرين بكل لهفة شربة من هذا الماء فملأ نصر غطاء الزمزمية وسلمه لجنيدى أولا وطلب منه أن يشرب ثلث الغطاء وشدد عليه الآ يتجاوزه .. امسكه جنيدى وقربه من فمه وبمجرد ان لامست شفتيه الماء اسرع بابعاد الغطاء عنه .. وتعجب نصر فهو لم يرتشف سوى رشفة صغيرة بالكاد بللت شفتيه .. سلم جنيدى الغطاء الى عادل وبعيونه نظرة تشف . وأمسك عادل بالغطاء وهو متعجب من اكتفاء جنيدى بتلك الرشفة الصغيرة .. وعندما وضع الغطاء على فمه وأخذ الرشفه الاولى توقف وهو ينظر بغيظ الى جنيدى .. وأمسك نصر بالغطاء وشكرهما على اقتصادهما فى الماء وبدأ هو يأخذ رشفته  وسرعان ماتوقف هو الآخر .. فقد كانت تلك الميه  لها رائحة تكره معها نفسك وأنت تشرب منها . ومع ذلك شعر نصر بالسعادة بهذه المياه .. فبها أصبح غير محتاج الى ان ينبه عليهم بالاقتصاد فى الشرب فكان ايا منهم يضع على فمه غطاء الزمزمية وسرعان مايبعدها ويكتفى بأن يأخذ نقطة منها فقط لتبقيه على قيد الحياه ..

 لم يكن نصر اقوى من فرديه .. فلقد انهارت قواه تماما وامتلأ قلبه باليأس مثلهما ولكنه تذكر انه القائد وأنه المسئول عن حياتهما  وأنه لابد ان يستميت فى محاولة اعادة الامل وحب الحياة فيهما فبدأ يعمل على تقوية دافعهما .. وعندما بدأ يتكلم عن الوطن والوطنية لم يتمالك عادل ذلك الشاب المرح نفسه من الصراخ غاضبا معاتبا القيادة التى ارسلتهم فى مهمة سته ايام فتركوهم كل هذه المدة ولم يحاولوا حتى انقاذهم .. وانضم له جنيدى ايضا ..

سمع منهما ذلك وهو صامت .. وبعد ان انتهيا من تفريغ تلك الشحنه التى كانت بداخلهما توقفا .. وانتظر ثورته عليهما .. ولكنه لم يفعل .. وبهدوء ذكرهم انهم من الفرقة الانتحارية المعروف عنها ان الموت فيها هو الاساس .. والحياه هى الاستثناء ذكرهم ايضا انهم رجال عاهدوا الله والوطن على الموت فى سبيله.. انه الموت قادما لامحالة .. فلنعمل لآخر نفس على القضاء على اكبر عدد من الاعداء .

ووقف نصر وحمل سلاحه وقال انا شخصيا سأستمر ولن استسلم.. وترك لهم حرية الاختيار فاما الاستسلام أو الكفاح من أجل الوطن والحياة .. وتركهم واستأنف سيره دون ان ينظر خلفه .. فنظر الاثنان لبعضهما وفجأة نهضا وبنشاط اسرعا خلف قائدهما الى ان لحقا به .. واستمر الثلاثة فى السير .. فقد كان لابد من الابتعاد عن مكان البئر قبل ظهور اول ضوء ..

وبدأت بوادر اول ضوء .. وكان لابد لهم من التوقف .. وتجهيز حفر فى تلك الأرض المفتوحة للاختفاء فيها.. ولكن من اين يأتى احدهم بالجهد ليحفر . فجلس الثلاثة على الارض ثم نهض نصر وحاول ان يحفر عسى ان يقتدوا به ولكن ماكان يمسك بالجاروف ويحاول ان يبدأ فاذا به سرعان مايتوقف لم يقو على شئ وجلس مفكرا .. فتذكر مادرسه .. تذكر ذلك المبدأ من مبادئ قوات الاستطلاع الذى يقول " اذا لم تتمكن من الهبوط فاصعد " بمعنى اذا لم تتمكن من النزول لاسفل للاختفاء فلتبق بأعلى واعتمد على التمويه , والخداع فاختفى كل منهم خلف كوديه زرع من كوديات الصحراء .. وكما تعلموا لفوا اجسامهم حولها وثبتوا على ذلك اخرج جنيدى ذلك الذئب الصغير من عبه حتى يستنشق بعض الهواء .. وصار الذئب يتحرك حوله . ولكن جنيدى كان يخشى اقترابه من عادل الذى كان ينظر اليه .. ويبدوا ان ذلك الحيوان الصغير عرف ماحدث لاخيه ففجأة اطلق ساقيه للريح مبتعدا وحاول جنيدى الجرى خلفه .. ولكن لم يتمكن فليس لديه القوة ليجرى .. وظل واقفا فخشى نصر ان يشاهده العدو .. فصرخ فيه ان يرقد ويختفى .. فرقد ولف جسده حول تلك الكودية من العشب .. ولكن كان صوت بكائه يصل الى نصر وعادل .. الذى ظل يواسيه ويهدئ من حزنه .

اتصل نصر بالقيادة ليبلغهم عن موقف البئر .. التى لم يتمكنوا من استخراج المياه منها .. وبعد فترة من ارسال اشارته .. وصلته رساله غريبه من قيادته فقد ابلغوه بانهم سيرسلون له طائرة هيلكوبتر بها الطعام , والماء وعليه عندما يراها ان يعطى لها اشارة وسألهم عن نوع الاشارة .. فكان ردهم عليه ان يطلق طلقة اشارة أو يظهر نفسه ويشير لهم فى الطائرة لتهبط لهم .

وقبل وصول آخر ضوء .. اتصل نصر بالقيادة .. وتحدث مع قائده ببعض الانفعال فلم تصل اى طائرة .. وايضا ابلغه بعدم اقتناعه بما ورد اليه فى الاشارة السابقه .. وسمع قائده انفعاله .. فتحدث معه بهدوء .. وابلغه الحقيقة فالوضع لايسمح لهم لهم ابدا بارسال ما ينقذهم .. فهم عاجزون عن ذلك تماما فكان من الافضل ان يصدروا اليهم ذلك الامر بالظهور للطائرات واعطاء اشارة لها فيراهم العدو فيهبط ويأسرهم فالأسر افضل من الموت جوعا , وعطشا لأنه من الممكن بعد ذلك استبدالهم بأسرى العدو الموجود  منهم اعداد كبيرة .. سمع ذلك نصر من قائده ورفضه .. ولكنه أبلغه بأنه سيأخذ رأى أفراد جماعته وعرض نصر الاقتراح على على جنيدى وعادل .. حتى يكون امينا فى اعطائهم حقهم فى الاختيار .. ولكنه كان سينفصل عنهما لو قرروا الاستسلام ..

ورفض الاثنان بدون تفكير عرض القيادة .. فهما يفضلان الموت على الاسر .. ولم يتمالك نصر نفسه فاحتضنهما بسعادة وبفخر .. ثم اتصل بالقيادة وابلغ قراره وقرار جماعته برفض الاستسلام .. وبالاستمرار حتى الموت ... عندما سمع قائد نصر المقدم صلاح كامل رد نصر وجماعته .. ابتسم بفخر وقال " هؤلاء هم جنود مصر " كان ذلك القائد يعرف عن رجاله كل شئ .. مواصفاتهم , افكارهم , طباعهم  .. مايمتازون به وماهم ضعاف فيه كان دارسا لكل رجاله وكانوا امامه ككتاب مفتوح وكان يعرف عن نصر حب الزمالة والصدق والاخلاص والاقدام على التضحية من اجل الغير وفكر انه اذا اثار فيه تلك الروح .. فانها من الممكن ان تكون وسيلة لانقاذه وعدم استسلامه للموت كما توقع منه من آخر رسالة له .. وعليه قام بالآتى .

اتصل المقدم صلاح كامل بنصر .. وأرسل له رسالة مشفرة .. ابلغه فيها بما حدث لاحدى مجموعات الاستطلاع .. وهى مجموعة زميله الملازم اول علوان  الذى اسقط فى منطقه خطأ وليس معه خريطه لها وأنه هو ورجاله على شفا الموت جوعا وعطشا.. وانه عن طريق توجيهه تمكن من توصيله الى منطقه قريبة من منطقته .. وان حياه الرجال الثلاثة بالمجموعة الاخرى متوقفه عليه .. وطلب منه ان يصل اليهم لمحاولة انقاذهم ..على الاقل ببعض قطرات الماء الكريه التى معه.. وابلغه انه سيتولى توجيهه هو وجماعته الى ان يصل اليهم .

وفعلا نجح القائد وهو عن بعد فى اثارة حماس نصر الذى نقل حماسه الى من معه فقوى الدافع لديهم لانقاذ زملائهم .. ويقول نصر فى هذا المجال .. ان المقدم صلاح قام بعملية تشبه عمليات التحام سفينتى فضاء فى الفضاء الخارجى .. وذلك من حيث صعوبتها فى التوجيه الدقيق .. فقد كان عليه ان يوصل المجموعتين لبعضهما فى ارض تبلغ مساحتها مايقرب من 100 كلم مربع وظل يعطى لنصر اتجاهات ومسافات يسير فيها .. وفى كل مرة كان يوهمه انه اقترب من المجموعة ومر على ذلك ثلاث ليال بثلاثة أيام .. بذل فيها هذا المجهود بدون طعام او ماء .. سوى تلك القطرات الكريهه ..

واستمرت الاتصالات بالتوجيهات الملاحيه لنصر الى ان وصل الى نهار اليوم الخامس ..وفى اول ضوء .. كان التعب والارهاق والاعياء والجوع والعطش قد تملكهم جميعا فارتمى كل منهم بجوار كوديه شجر .. ولف جسمه حولها فلم تكن قواهم تماما فلم يكن لديهم اى جهد ليقوموا حتى بعمليات الاخفاء .. فقد فقدوا كل اهتمام وكل حرص .. لم يتمكنوا حتى من الحديث سويا الا بصعوبة ..

بعد فترة جمع فيها نصر بعض الجهد وتحدث مع زميليه بوهن شديد قائلا .." يااولاد احنا بعد كل اللى عملناه لو وقعنا فى الاسر العدو مش هيطبطب علينا .. كل إلى هيعمله هيأخذ مننا اى معلومة .. واحنا ماعندناش اى قدرة او طاقة تتحمل ضغطا بدنيا او نفسيا .. واهانه وتعذيبا عشان نعترف .. فايه الى تشوفوه " ونطق جنيدى بصعوبه قائلا " الانتحار" ونطق عادل مكملا " قبل مانتمسك ياريت يافندم تحاول تمسك طبنجتك وتضربنا " ولكن كان من الصعب على نصر فعل ذلك فسألهما " ايستطيع احدكم ان يفعلها " فأجابا بالنفى فقال " يبقى نشوف حل تانى نخلص بيه بسرعه " .

اقترح عادل ان يقوم نصر بتفجير قنبله يدوية فيهم الثلاثة .. ونال هذا الاقتراح القبول .. وبدأ نصر التنفيذ واقترب الثلاثة من بعضهم .. وبصعوبه امسك نصر بقنبله وقرأ كل منهم الفاتحة .. ثم استنطقهم نصر الشهادة فنطقوا بها خلفه .. ووضع اصبعه فى حلقه تيلة أمان القنبلة واغمض الجميع اعينهم وهم يكررون الشهادة ... وحاول نصر ان ينزع تيلة الامان من القنبلة ليفجرها ولكنه لم يتمكن حتى من ذلك فقد كانت قواه اضعف من ان يتمكن من نزعها .. واستبطأ جنيدى وعادل الانفجار او الموت .. ففتح اعينهما فشاهدا عدم قدرة نصر على نزع الفتيلة المؤمنة للقنبلة ..

وسلم نصر القنبلة لجنيدى فهو ضخم عسى ان يستطيع .. ولكن ذلك الجنيدى رفض ان يفعلها وسلمها لعادل .. الذى رفض ايضا .. واقترح نصر ان يعلق القنبلة فى شدته  ويضع كلا منهم أصبعا فى الحلقة وسويا يشدون تيلة امان القنبلة لتنفجر فيهم وفعلا فعلوا ذلك ووضع كل منهم أصبعه فى الحلقه .. ونطق الثلاثة الشهادة .

 

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech