Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

قراءة فى رواية الطريق إلى رأس العش

 

   

كتابة : أسماء محمود الكاشف

                                                                                              

مزيج من الأدب والفلسفة ينصهران فى التاريخ ،فى خضم الأحداث ، فى ميدان المعركة .. هكذا هى رواية الطريق إلى رأس العش ، للبطل المقاتل / عبد العزيز موافى ، الرواية إصدار الهيئة العامة لقصور الثقافة ، عام 2014 .

وما بين سطور الرواية والبالغ عدد صفحاتها 221 صفحة ، أفاض علينا وأفضى إلينا الأديب المقاتل - العظيم فى كلا المجالين – بقصص بطولية خالدة ، صنعها رجال هم من هذه الأرض نبت ، يمكن للقارىء الاستمتاع بوقائع البطولات و بتفاصيل المعركة ، وليس المقصود هنا معركة أبطالنا مع العدو فحسب ، وإنما أيضاً معركة كل منهم مع نفسه ، وبالأخص معركة بطل الرواية صلاح عبد الدايم معه شخصياً .

ولا نبالغ إن قلنا أن شخصية صلاح عبد الدايم كانت محور الأحداث ، والشخصة الرئيسية ، حتى أزف موعد الحرب وبدأ دور صلاح يتقلص شيئاً فشىء وسرعان ما أزدحمت الرواية بمجموع من الأبطال ، ولدوا من جديد فى ميدان المعركة ، ما عدا يائسان ، أولهما صلاح عبد الدايم ذلك الشاب الذى قدر له الالتحاق بالخدمة العسكرية وقت وقف اطلاق النار ليحمل وزملائه على عاتقهم مهمة تحرير الأرض ، وإن كان كثيراً ما لاح أمامه طيف محبوبته سامية ، ولكنه سرعان ما يستفيق ليجد نفسه بين زملائه فى الخدمة ، أو معهم على مائدة الإفطار أو فى الطريق إليه .. القوات على وشك العبور والخوف واليأس يتملكانه ..

واليائس الآخر هو الجندى سيد بشلة ، هرب من الخدمة لفترة تجاوزت العام ونصف العام ، وكما المسلم به تم تحويله إلى محاكمة عسكرية ، قضت بسجنه ثلاثة أعوام بالسجن الحربى ، لكن الجندى سيد ابتدع الكثير من الأساليب لتجنب تحويله إلى السجن الحربى ومنها إصابة نفسه ورقوده فى المستشفى مدعياً المرض ،، حتى حانت لحظة العبور وبدا سيد كما المجنون يستجدى القائد ليحيله إلى السجن الحربى أو يمنحه إجازة !! ، ولكن هيهات وقد دقت طبول الحرب .

وإن كان صلاح بدا لى كشخصية انهزامية إلا أن محبوبته سامية ، ذات التوجه اليسارى ، كانت شعلة من الحراك ، مشاركة فى جميع الانتفاضات ، تتسم بالإيجابية والتفاؤل ، متشبعة فى أعماقها بتاريخ الوطن ، تؤمن أن (( مصر قد جربت أكثر من ستين نوعاً من الاستعمار خلال التاريخ ، لكن ما من واحد منهم تمكن من أسر روحها ، فالشعب المصرى أشبه بمعدة تلتهم الغزاة ، ثم تصب عليهم عصارتها ، كى تصبغهم بثقافتها ومالا تستطيع هضمه تطرده إلى غير رجعة ... )) .

وترى سامية فى وجود الخونة والعملاء بين الشعب أنه استثناء لا ينفى القاعدة ، فلا ينفى وجود نموذج محمد بك أبو الدهب فى تاريخنا وجود شرفاء مثل راوية عطية وأم كلثوم وكابتن غزالى وفرقة أولاد الأرض وغيرهم ممن يبذلون قصارى جهدهم لانتشال مصر من الهزيمة .

ورغم أن دور سامية انتهى فعلياً فى الصفحة 47 فى آخر لقاء بصلاح قبيل المعركة ، فيما عدا ظهور طيفها وأحلام اليقظة التى تراود صلاح بين الحين والآخر ، إلا أنها كانت بالنسبة لى من القوة لدرجة أيقنت فيها أن قوة مصر تكمن فى وجودها وايجابيتها وتفاؤلها وتفاعلها وغيرها من أبناء مصر .. فلن تتجاوز مصر كبوتها والعزائم فى ركود .

أيام يمضيها الجندى صلاح ، يترك العنان للسلبية والانهزامية تتغولان فيه حتى عندما أعلن قائده لهم مهمة سرية المشاة فى العبور ، سأله كما سأل الجميع وقال :

وأنت يا صلاح معنا ولا مع نفسك كالعادة ؟

صلاح : دى لحظة أمر يا فندم مش لحظة اختيار

القائد : دى لحظة الاختيار الوحيدة اللى ممكن تواجه الإنسان

صلاح : الإنسان مبيختارش موته

القائد : لكن بيختار حياته

صلاح : ده إذا كان عايش يا فندم

القائد : وأنت  ؟؟

صلاح : يائس

القائد يلتفت موجهاً حديثه إلى الجميع قائلاً :

المسافة بين اليأس والأمل هى نفسها المسافة بين الموت والحياة والجبن والشجاعة ، مجرد خطوة واحدة .

ومنذ هذه العبارة أنزوى صلاح ، كما لو كان هو اللامبالاة واليأس والسلبية والقلق الذى لابد وأن ينتحى جانباً ويفسح المجال لمن تداركوا الموقف وواجهوا بحذر وشىء من الخوف فى البداية ، ثم سرعان ما تعاظمت بطولاتهم وإنجازاتهم فى خضم المعركة ، (( لقد تغلبوا على غريزة حب البقاء وذابت الذات الفردية فى المجموع إلى درجة الفناء فيه .. ))

بينما صلاح مندهش ،، يرقب ويتأمل حيناً ، ويختفى أحايين ، حتى ظننتنى أخاطب الكاتب : حسناً فعلت بتحييده فلا وقت للتخاذل ولا وقت لأحلام اليقظة التى تراود صلاح وانفعالاته واندهاشه ، رحى الحرب تدور بأسرع ما يكون، أغلق عليه فى حفرته البرميلية ،، حتى لا يتصاعد منه التخاذل ويتسرب شيئاً فشىء إلى زملائه .

كان قبيل الحرب يرى زملائه كائنات بائسة ، ضحايا كوارث لا دخل لهم بها ،كثيراً ما تأمل تصرفاتهم وبساطتهم وتلقائيتهم ، وقناعتهم ، ويندهش !! ولكنه فى لحظة ما من تأملاته ، أدرك الفارق بينه وبينهم ، فهم يعيشون فى عالم مستقر وفى سلام مع نفسه ، بينما يعيش هو فى عالم مهوش ومتوتر وبالتالى لا يعرف للسلام الداخلى أى معنى .

لقد هز النقيب سمير عبد الرحيم وجدان القراء وهو يردد كلماته التى يخبر بها رجال السرية بساعة الصفر والمهام الموكلة إليهم ، إذ قال :

(( أنا اتعودت إنى لما باطلب حاجة منكم بتنفذوها على أكمل وجه والنهاردة مش أنا اللى حاطلب إنما بلدكم وما افتكرش إنكم هاتخذلوها ...احنا اتربينا فى الجيش على إن عقيدتنا هى النصر أو الشهادة واتعلمنا كمان إن شعارنا هو مصر أولاً ومصر دائماً ، هى دى عقيدتنا وهو ده شعارنا وأنا مش هطالبكم النهاردة إلا بتحويل العقيدة والشعار من مجرد كلام إلى فعل حقيقى على الأرض .. احنا النهاردة هانعبر ... ))

وإن كان النقيب قرأ فى وجوه رجاله الخوف أثر المفاجأة ، والناتج عن إنحيازهم إلى غريزة البقاء كإنسان ، على حساب غريزة الواجب كمقاتل ، إلا أنه سرعان ما تدارك الأمر وأكد لهم ثقته بأن الإحساس بالمهانة لوقوع سيناء فى يد العدو سيتغلب على إحساسهم بالخوف .. وكان له ولمصر ما أرادا ...

وكانت أمور العبور تسير على ما يرام ، تسبق سرية المشاة سرية صاعقة عليها أن تواجه دبابات العدو وتمهد الطريق لرجال المشاة ..

وسرعان ما تلقينا أولى الصدمات مع استشهاد أبطال الصاعقة الثلاثة وهم يجابهون دبابات العدو ، هنا أدركت الفارق بين الحماس لخوض الحرب وخوض الحرب ذاتها بأهوالها وما تزهق فيها من أرواح ، أنها تستنزف الدماء ، الأحباب ، الزملاء ، الأبناء ، الآباء ، لكنها السبيل الوحيد كى يمنح وطننا قبلة الحياة ، حتمية لبزوغ فجر جديد ينتزع مصر من الظلمة والإنكسار .

كانت الصدمة والمحنة التى لم يتجاوزها العقل فى لحظتها ، حتى أننى من فرط الحزن ألقيت الرواية بجوارى أياماً ثلاثة ، أكرر قراءة ما بعد استشهادهم ، لحظة أن وارى فتات أجسادهم الثرى ..

(( بعد أن أنهى قائد سرية الصاعقة مهمته ، وأوشكت سرية المشاة على الوصول إلى الموقع لاستكمال مهمة احتلال الموقع الجديد ، جلس على الأرض في حالة من الحزن الشديد ، أمر أحد الضباط بأن يحضر له

( الأولاد ) ، أدرك الضابط أن القائد يريد بقايا أجساد الشهداء الثلاثة من رجال الصاعقة الذين دمروا دبابات العدو .

بدأ البحث المضنى عما تبقى منهم بعد أن فتكت بهم قذائف الدبابات الإسرائيلية ، لم يستطع الجند أن يجدوا سوى القليل من البقايا : الأقراص المعدنية … قطع من بقايا القوايش … جزء من جلدة رأس بها بعض الشعر … أصبع مبتورة ،وضع الضابط كل ما وجده الجنود داخل منديله الكاكى وقدمه إلى قائد السرية فى خشوع .

فرد القائد المنديل ووضعه مفتوحاً على الأرض وبدأت يده تتحرك جيئة وذهاباً ببطء ، فوق ما تبقى من الشهداء الثلاثة وكأنه أم تهدهد طفلها ثم خاطب بقاياهم :
خلاص يا حبايبى مش حنشوفكوا تانى ؟
صدقونى احنا هنكون رجالة زيكم وعمرنا ما هننساكم 
ثم أردف وقد اختنق صوته بالدموع التى حبسها عن السقوط
مع السلامة يا حبايبى
حفر بأصابعه حفرة صغيرة فى الأرض وضع بها المنديل سكب بعضاً من ماء زمزميته على الرمل الذى غطاهم به وكأنه يريد لتلك البقايا أن تثمر أو أن تمد جذورها فى التربة كى تستمد خلودها منه . ))

هنا فقط أدركت حقيقة أنهم استشهدوا بالفعل ، وإن كان لحظة مواجهتهم الدبابات مرت على العقل وإدراكه سريعاً ، إلا أن تصرف قائدهم ما بعد استشهادهم كان له أثر كبير فى فرض سلام الشهيد ووداعه .

وإن كانت تضحية رجال الصاعقة هى الأولى فى الرواية ، إلا أنه سرعان ما تسابق أبطال سرية المشاة وتباروا لدفع الشرور عن رفاقهم ودفع الهزيمة عن مصرنا .. فلم تكن بطولة شهداء الصاعقة نهاية المطاف ، إذ رسم أبطال السرية بداية من قائدها النقيب سمير إلى الصول خيرى والجندى بخاتى ، مثال الجرأة والإقدام ، وعبد الفتاح ، وبدر والملازم أول مجدى ناشد والملازم محمد فهمى والرقيب حسين وفتحى بدير ومنصور وجرجس وعرفة ، وعبد الستار ، جميعهم رسموا طريقاً إلى النصر ، امتزجت فيه أحزانهم بأفراحهم ، وتعالت ضحكاتهم ونزحت دموعهم ، فذاك استشهد قبل أن يرى وليده فى الدنيا ، وهذا نال الشهادة قبل أن يناله الثأر ، وحتى الجندى سيد المحكوم عليه بالسجن ، خرج من مكمنه محاولاً إنقاذ حياة صديقه عرفة ولكن روح صديقه أسلمت لبارئها .

آلمنا انفجار لغم شرانبل فى الشاويش عوف .. كما أوجعنا تفحم جثة فتحى بدير ، كم هى قاسية .. موجعة ،، حتى فى حال النصر .. إنها الحرب .

تدوى الطلقات حيناً .. وتدوى الذكريات حيناً آخر ، تتصاعد الهموم أحياناً ، وتعلو روح المرح والسخرية أحايين .. ولا زال صلاح هائم فى تأملاته ، أو ليس العبور واستشهاد زملائه كافٍ كى يذود عن وطنه بكل ما أوتى من قوة ؟؟                                                                         أكل هذه الأحداث الجسام ، وأولها العبور فى حد ذاته كحدث جلل اهتز له وبه العالم ، أليست كافية ليخرج صلاح من مكمنه ، يواجه العدو ، لطالما عاش على هامش الواقع بعد الهزيمة ، فما المانع أن يعيش الواقع وقد عبرت قواتنا وعبر معهم إلى الضفة الشرقية ، ذاك الأمر الذى كان ضرباً من الأحلام وأحد المستحيلات فى عقل الملايين ،، صار واقع وحقيقة .. ولكنه يستغرق الكثير من الزمن ليعيش ويتعايش على الضفة الشرقية .

لم يكن قائده هو الوحيد الذى فقد الأمل فى تفاعل صلاح عبد الدايم ودرأ الخطر عنهم ، بل أننا أيضاً فقدنا الأمل ذاته . بل أنه خُيّل إليّ أن العدو أيضاً نسى وجوده كمقاتل أو لم يعلم به من الأساس ..

و لم تكن صفحات الرواية وحدها التى توشك على الانتهاء ، بل إن صفحات التاريخ أيضاً توشك أن تغلق أمام اسمه .. وظللنا نتساءل هل يستفيق ؟؟

هل ينتزع نفسه أو ينتزعه الآخرون من السلبية واللاجدوى والإحباط ؟؟

توشك الصفحات أن تنتهى ، لكن المعركة مستمرة ، وأخيراً حينما حاول عبد الستار التصدى لتعزيزات العدو ودباباته وواجه جنوده ، وحصد أرواحهم برشاشه ، دونما أمر من القيادة ، فقد أندفع بغريزة واجب المقاتل ، أو بنداء ضميره ونخوته .. وربما دماء شهيد لاحت أمامه ، اختار أن يضحى من أجل الآخرين ، حيث الكل فى واحد والواحد فى الكل .. حصد الأعداء برشاشه ثم أطلقت إحدى الدبابات نيرانها على عبد الستار ليخلد شهيداً ، حينها فقط ذرفت عينى صلاح الدموع ،، ولأول مرة تحدثه نفسه وفلسفته معنفة إياه قائلة له :

(( هاهى بطولتك الزائفة تسقط تحت قدميه المليئتين الشقوق ..

أردت أن تكون بطلاً لتراهن على يأسك .. فكانت لك بطولة المنتحر

لكنه امتلك إرادة الحياة ، فى نفس الوقت الذى فقدت فيه كل شىء حتى نفسك ..

كنت تظن أن بينك وبين الجنود الآخرين أو الكائنات الأرضية كما كنت تسميهم مسافة بعيدة ..

وهاهو أحدهم يؤكد لك أن المسافة بينك وبينهم أبعد مما تتصور

لكنها هذه المرة مسافة معكوسة ..

أنت فى قاع الحياة وهو فى قمتها .. حين تمنيت موتك كنت تفعل ذلك لأن لست كفئاً للحياة ..

أما عبد الستار فقد كان عاشقاً لها ..... عاش لحظة اختيار .. فاختار )) .

وكان استشهاد عبد الستار دافعاً لأن يدرك صلاح أن المواجهة الآن بين الذات الجمعية والموت ولا مكان فيه للذات الفردية إلا منظوراً إليها من خلال المجموع ، تذكر شهداء الصاعقة ورئيس الأركان عبد المنعم رياض والمصريين الشرفاء ، وأولاد الأرض وكابتن غزالى وغيرهم

وقرر أن يقاتل ويخوض المعركة .. أطلق صاروخه على الدبابة الأولى ، فاخترقها ... واخترق معها اليأس والخوف .. والمستحيل .

انتهت المعركة بانسحاب العدو فور انسحاب اليأس والإنهزامية من نفس المقاتل صلاح عبد الدايم .. وحينما ينتصر الأمل والإقدام فى النفوس ،، تنتصر مصر .

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech