Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

كل رجال السويس فدائيون في وضح النهار - الجزء الثالث

 

 

 

للتواصل مع الكاتب مباشرة

 

«عواد» .. قائد الفدائيين

في الأول من يناير عام 1965، أنهى الجندي مجند «محمود عواد حماد» صاحب الرقم العسكري «184020»، فترة تجنيده الإجباري بعد أن قضى ثلاث سنوات و6 أشهر و11 يوم في خدمة الجيش المصري، وقتها كان عمره لا يتجاوز 25 عامًا، لكن إحساسه بالمقاومة والفداء ظهر جليًا في تدريباته القتالية مع الجيش وفي حرب اليمن التي شارك فيها، حبه للوطن تجاوز أي شيء لديه، كان يعلم أن إسرائيل هي العدو الأول ولابد من كبح جماحها.

وحينما جاءت هزيمة يونيو عام 1967، كان «حسن» شقيق «محمود عواد» ضمن الجنود المصريين الذين استشهدوا في هذه الحرب، وكان عواد وباقي أهالي السويس أول من ذاقوا مرارة الهزيمة، فقد رأوا أمام أعينهم طائرات العدو تقصف القواعد الجوية للجيش المصري في سيناء وباقي منطقة القناة، وشاهدوا الجنود المصريين عائدين من سيناء ممزقين الأجساد والأنفس.

«الوطنية لا تباع ولا تشترى، إحنا أهل السويس شفنا المآسي، شفنا جنودنا، جايين من سيناء بعد النكسة، مهزومين كل واحد فيهم كان ماشي أكثر من 50 كيلو في الصحراء، وحينما وصلوا لمياه قناة السويس افتكروها مياه عذبة حاولوا يشربوا منها من شدة العطش، فيه منهم اللي رمى نفسه في القناة مطلعش تاني، إحنا شفنا الذل، كان الجنود اليهود يجلسون على الشاطئ الآخر للقناة من ناحية سيناء يتراقصون أمامنا بسخرية، كلنا أتأثرنا، بقى كل واحد فينا من شباب السويس عايز يعمل أي حاجة للبلد، ويطرد اليهود من سيناء».

بهذه الكلمات استهل البطل الفدائي «محمود عواد» حواراً طويلاً بيني وبينه جمعنا في منزله القريب من ميدان الأربعين، والذي طالما كان ملجأ لجدعان السويس من الفدائيين في فترة ما بعد النكسة وحرب الاستنزاف وأكتوبر، وقد امتد بنا الحوار لأكثر من خمس ساعات، استعاد خلالها «عواد»  ذكرياته وبطولاته ضد العدوان الإسرائيلي في سيناء ومنطقة القناة.

استقبلني «عواد» في منزله قبل أيام من الذكرى الـواحدة وأربعون لحرب أكتوبر، وفي الغرفة التي كانت دومًا يجلس فيها مع أصدقاء عمره الشهداء «إبراهيم سليمان ومصطفى أبو هاشم»، بدأ «عواد» يحكي بداية التحاقه بمنظمة سيناء العربية، وخوضه المعارك الفدائية لتحرير الأرض.

بعد ساعات من نكسة يونيو بدأ «عواد» يلملم أصدقاءه للوصول إلى أي عملية فدائية ضد إسرائيل، وقتها كانت قوات الدفاع الشعبي للجيش المصري تعطى دورة تدريبية مكثفة لمن يريد الالتحاق بها من شباب السويس، ومن يجتازها يحصل على«فرقة انتحارية»، تقدم «عواد» ومعه آلاف من شباب السويس، الذين خاضوا تدريبات قاسية تحت الشمس وفي وسط البحر، يقودهم فيها مدربين من قوات الصاعقة والمظلات بالجيش المصري، في مكان يبعد عن السويس مسافة 50 كيلو متر في منطقة تسمى «بير عبيد» بالقرب من «العين السخنة».

«كانوا يأخذونا بالقوارب المطاطية، في مياه قناة السويس أول ما بننزل القناة فجأة القائد بتاعنا من أول يوم تدريب، بصوت عالي يأمرنا بالقفز في المياه «نط في المياه» ولم يكن معنا عوامات أو أي شيء، لو كنت بتعرف تعوم هتكمل، كنا نعوم اكثر من خمسة كيلومتر، بقينا نشجع بعض على السباحة، كل فترة نلاقي بجانبنا شاب بيغرق من التدريب لأنه مش بيعرف يعوم ، كنا بنجري عليه ننقذه، بنفضل نعوم لحد ما نوصل على الشاطئ، كان فيه ناس كتير حصلها إجهاد شديد، وشباب آخرين تركوا المعسكر ولم يكملوا الدورة التدريبية، كان من ضمن التدريبات أن أنا أمسك قنبلة حية وأحدفها لزميلي يمسكها وبعدين ويرميها تنفجر، محدش عملها في التدريبات دي كلها غيري أنا ومصطفى أبو هاشم وده بسبب ثقتنا في بعض كنا فاهمين بعض كويس وبنتحرك بالإشارات، لأننا كنا عارفين زمن انفجار القنبلة بالظبط، ما قمنا به من تدريبات أذهل قادة الجيش كلهم» هكذا يحكي «عواد».

لدرجة أن حدث له في أحد التدريبات شرخ في ذراعه اليمنى  وطلبت منه القيادة أن يذهب للمستشفى ليضع ذراعه في الجبس، إلا أنه رفض، لأن ذلك كان سيعيقه عن اجتياز الفرقة الانتحارية. كانت من ضمن التدريبات الشاقة التي خضع لها الفدائيين في هذه الدورة التدريبية أن تأمرهم القيادة بالنزول في «بلاعات مجاري»، في محاولة للاختباء في حال تم اكتشافهم من قبل العدو.

يقول «عواد»: «الفدائي لازم يكون بيعمل كل حاجة، إحنا أكلنا الفئران والثعابين، كان الجيش يقوم بتدريبنا على كيفية تقطيع رأس الفأر وأكله، كانوا لازم يعودونا على كل الحاجات دي، أفرض مثلا أنت في الجبل دلوقتي ومفيش أكل هتعمل أيه، لازم تعيش من الحاجة الموجودة، الفار لحم زي أي لحم إحنا مكناش بناكل بطنه ولا فيه وقت ندبح أو حاجة، أيدينا كانت بتبقى زي الحديد، بتمسك رأس الفار وتقطعها، وزي ماهو بنجيب شوية مياة في الرملة، ونغطيه وبعدين نحطه في النار، لما يطلع من النار يبقى استوى، نشد جلده نبص نلاقي لحمة حمراء، نأكله ونترك باطنه مقفول ، كنا لازم نأكل أي بروتين».

جزء من تدريبات الفدائيين كانت ركوب لنشات مطاطية وإطلاق الرصاص في مياه القناة، بحيث يستقلوا لانش مطاطي بالقرب من من منطقة «بير عبيد»، ويذهبون لنقطة التجمع، فور وصولهم لتلك النقطة، في مياه القناة، يتم وضع مجموعة من >>البلاليين<< في المياه وفي أسفل كل بالونة قطعة صغيرة من الرصاص حتى تصبح لنشات الفدائيين داخل مجموعة من هذه "البلالين"، التي كانت هي الهدف المراد إطلاق النار عليه، وقتها يطلب قائد اللانش من أفراد المجموعة أن يطلقوا الرصاص على تلك البلالين ويصيبها، وفي نفس الوقت يتحاشى إصابة زملاءه في اللنشات الأخرى، فكان ذلك التدريب يساعد على الثبات الانفعالي للفدائيين.

وبعد فترة من هذه التدريبات الشاقة أصبح واضح أمام قيادات الدفاع الشعبي، أن هناك ستة أشخاص من الفدائيين هم أفضل المتدربين، كان من بينهم «محمود عواد»،  طلب قائد الدفاع الشعبي من الستة فدائيين أن يقف كل واحد منهم بمفرده، وطلب من باقي الشباب في التدريب أنه من يريد منهم أن يعمل تحت قيادة أحد هؤلاء الـ6  يسرع في الوقوف خلفه في طوابير، كان «محمود عواد» وقتها يقف انتباه ووجه تجاه البحر، لكنه لاحظ قيادات الدفاع الشعبي ينظرون إليه وعلى وجوههم ابتسامة عريضة، وقتها تخيل أنه لم يقف وراءه أي شخص، وأنه سيصبح في حالة يرثى لها، لكن بمجرد ما أمره قائده أن يلتف للخلف دور، وجد وراءه عدد كبير من الفدائيين، بينما الصفوف الأخرى شبه فارغة.

بعدما حصل «عواد» على الفرقة الانتحارية  بتقدير امتياز، أصبحت مهمتهم المكلفين بها من قيادات الدفاع الشعبي هو الذهاب لمنطقة «بور توفيق»، والقيام بدوريات استطلاعية في مياه القناة ، وكل منهم يحمل سلاحه الآلي في محاولة أشبه ب«لجان شعبية» لحماية محافظة السويس من العدو الإسرائيلي، فكان «لنش» مطاطي يحمل مجموعة من الفدائيين يتجول بعرض القناة في منطقة «بور توفيق»، ويقابله «لنش» آخر مطاطي من الفدائيين حتى يطلع عليهم النهار.

وبعد عدة أسابيع من نكسة يونيو خُيّل للقيادة العامة للقوات المسلحة أن قوات العدو الإسرائيلي متمركزة في منطقة «لسان بور توفيق»، لكن بعد الدوريات التي قام بها فدائيو السويس، اكتشفوا أن قوات العدو حينما يحل عليها الظلام  ينسحبون لـ«دشمة» بعيدة في عمق سيناء خوفًا من قوات اللجان الشعبية من الفدائيين اللذين كانوا يقومون بجولاتهم الليلة في مياه القناة.

ظل «عواد» ورفاقه في دورياتهم ليلاً، حتى عرف من صديقه الفدائي «عبد المنعم خالد» أن المخابرات الحربية المصرية تستعين بمجموعات من الفدائيين لتنفيذ عمليات بعمق سيناء، بادره «عواد» بسرعة «ألحقني بيهم يا عبد المنعم»، بعدها ذهب عواد لمكتب المخابرات الحربية بالسويس، أعطوه استمارة بيانات كي يملأها، ثم أنهوا المقابلة معه ووضعوه لمدة شهر ونصف تحت الاختبار والمراقبة، حتى أرسل إليه مكتب المخابرات الحربية يطلب لقاءه.

«ذهبت لمكتب المخابرات أحد الضباط قابلني ويسألني أسمك أيه، قلت له محمود عواد حماد إبراهيم، لاقيته يقول لي لا اسمك محمود عواد حماد إبراهيم حسن سعادة، وأنت أصولك من جزيرة أولاد حمزة من محافظة سوهاج، استغربت أنهم وصلوا لجدود جدودي، قالي أنت حصلت على فرقة انتحارية وكنت مصاب في ذراعك، ورفضت أن يتم علاجه من استكمال الفرقة الانتحارية، وهذا يعتبر شرف عظيم أن تكون مصاب وتصر على أنك تاخد الفرقة، كما انك حصلت على درجة الامتياز في هذه الدورة».

ويتابع عواد شهادته عن انضمامه للمخابرات الحربية بالسويس موضحًا أن ضابط المخابرات بادره قائلًا: «أنت عندك استعداد تعمل عمليات فدائية في سيناء، قلت له عندي استعداد أعمل أي حاجة إلا أني أفجر نفسي لأنني اعتبر من يفعل ذلك جبان، هناك حالات فقط من الممكن أن أفجر فيهما نفسي لو أنا هسد ثغرة العدو ممكن يدخل منها، أو أحط نفسي في فوهة دبابة كان ستقتل زملائي».

 

في الفصل القادم يكشف عواد عن أسرار أول عملية قام بها الفدائيون في السويس بعد عدة شهور من نكسة يونيو، والتي أسفرت عن تدمير دورية إسرائيلية في منطقة «كبريت»، وسميت تلك العملية معركة كبريت الأولى.

 

 

الشيخ حافظ سلامة بجانبه محمود عواد قائد الفدائيين، أعلى مئذنة مسجد الشهداء الذي طالما كان مأوى الفدائيين في حرب السويس والحصار وما قبلها.

 

معركة كبريت الأولي

 

كانت أول عملية كلف بها محمود عواد بعد التحاقه للعمل في «منظمة سيناء العربية» تحت إشراف «المخابرات الحربية»، هي توصيل  عدد من الفدائيين إلى سيناء عبر لانشات مطاطية وتأمين وصولهم للضفة الشرقية للقناة، بعدها بدأ التكليف المحدد لعواد بزرع ألغام خلف خطوط العدو في سيناء، كان ذلك في أواخر عام 1967، وكان الغرض من هذه العملية، هو زرع تسعة ألغام في منطقة تسمى«كبريت» في سيناء، والغرض منها تدمير دورية إسرائيلية كانت تمر من تلك المنطقة.

«منطقة كبريت» بعد نكسة يونيو كانت مجرد منطقة يقوم العدو بدوريات متتالية فيها، وبعد أن قيام إسرائيل بإنشاء خط بارليف، أصبحت «كبريت» من ضمن النقاط الحصينة على طول خط القناة في سيناء، كما أضحت مقرًا لأحد القيادات الإسرائيلية الفرعية، ضمن خط بارليف وملتقي الطرق العرضية شرق القناة، وهو الأمر الذي عكس أهمية القاعدة إذ يمكن من خلالها السيطرة علي كافة التحركات شرق أو غرب منطقة القناة، وبعد حرب أكتوبر كانت كبريت تقع في المنطقة الفاصلة بين الجيشين الثاني والثالث المصريين.

 

 وعلاوة علي ذلك تقع في أضيق منطقة بين البحيرات المرة الكبرى والصغرى والمسافة بين الشاطئين الشرقي والغربي عند هذه المنطقة لا تزيد علي 500متراً، وتوجد في الوسط جزيرة يستطيع من خلالها العدو تطويق الجيش الثالث والوصول لمدينة السويس بسهولة، كل هذه العوامل كان لها دور يوم «16 أكتوبر» حينما عبرت قوات من العدو الإسرائيلي لغرب القناة من خلال ثغرة «الدفرسوار»، وهو ما جعلها نقطة تستهدفها القيادة المصرية دوماً، نظرا لأهميتها الإستراتيجية.

في تلك العملية تم تكليف اللواء «يحيى شبايك» ومعه النقيب «فاروق زمزم» من المخابرات الحربية بقيادة مجموعة الفدائيين المكلفين بزرع الألغام في «منطقة كبريت»، الخطة المتفق عليها أن يصل الفدائيين إلى منطقة كبريت من خلال «فلوكة» تعبر بهم قناة السويس، وفي سيناء يستقبلهم أحد البدو من رجال المخابرات الحربية، كدليل، للمنطقة التي سيقومون بزرع الألغام فيها.

 

«المخابرات دربتنا على طرق رص الألغام وعملها، ذهبنا بفلوكة معانا سلإحنا الآلي فقط وتسعة ألغام وبنسة، حينما أخذنا الألغام كانت موضوعة كلها في علبة واحدة، كانت من نوع اسمه «بيك لايت»، من نوع البلاستيك السميك، غطاء اللغم كان فيه جوان، لكن المفجر نفسه مصنوع من الألومونيا، وكان الدليل البدوي وقتها ينتظرنا كي يأخذنا إلى نقطة تسمى «المدق» في منطقة «كبريت» .. » هكذا يروي عواد.

وحينما وصل عواد ورفاقه، على جبهة سيناء، أول شيء وجدوه هناك حقل من الألغام وسلك شائك، وقتها اتصلوا بقائدهم في غرب القناة اللواء «يحيى شبايك» عبر جهاز اللاسلكي، وأخبروه بوجود ألغام في المنطقة، أمرهم بإلغاء العملية والرجوع لغرب القناة، لكن «عواد» وزملاءه أصروا على زرع الألغام وتدمير دورية العدو الإسرائيلي.

«كانت أمنية حياتي أعمل عملية فدائية، قلت للقائد تمام يافندم وقفلت جهاز اللاسلكي، وتوكلنا على الله وفتحنا ثغرة من المنطقة ودخلنا، لكننا دخلنا بحرص شديد، لم ننتظر إلا لثوان حتى وجدنا الدليل البدوي - عرب سيناء بيعرفوا يشوفوا الكحل في العين -  وجدنا الدليل ينادينا بكلمة السر، ردينا عليه بكلمة السر، كان وجهه وقتها مختبئ في شاله البدوي، تبادلنا السلام سلم علينا، واتجهنا للمنطقة المراد تنفيذ العملية فيها».

لكن عواد يقول أنه أخطأ في هذه العملية حينما وجد أكثر من خمسين نوع من الأسلاك الكهربائية التي تصل لمواقع العدو الإسرائيلي متواجدة على الأرض، فقام بقطعها هو وزملاءه الفدائيون، وقتها شعرت دورية إسرائيلية بوجود المجموعة بالقرب من المدق، لكن حينما وصلت إليهم  كانوا قد انتهوا من زرع الألغام التي تفجرت فيها.

فبعد أن وصل الفدائيون  إلى نقطة المدق،  بدءوا في زراعة الألغام بجانب بعضها البعض كي تكون متصلة وقريبة من الهدف بحيث تنفجر في وقت واحد.

ويف عواد لي عملية زرع القنابل قاءلا «كان معانا كوريت صغير، ومعانا مشمع صغير مساحته 60 سم× 60 سم،  بنحفر في الأرض، ونضع الرمل على المشمع، كان معانا ثلاثة أنواع من المشمع ، كي لا يتغير لون طبقات الأرض عندما نزرع اللغم، فكنا نعيد كل طبقة من التراب مكانها، لأن لون التراب لو تغير، العدو هيحس أن فيه ألغام في هذه المنطقة، فنعيد نفس لون الطبقة الأصلية حتى لا تشعر أي دورية إسرائيلية أن الأرض بها ألغام، ولحد ما زرعت 6 ألغام بأيدي».

لكن «عواد» وأثناء زرعه للغم السابع، فجأة سمع الدليل البدوي، يطلب منهم إنهاء العملية والعودة من حيث أتوا لأن هناك دورية إسرائيلية قادمة، في الطريق، كان هناك ثلاثة ألغام فقط تم تعميرهم وتجهيزهم للانفجار فور مرور أي دورية عليهم، حاول عواد بسرعة أن يحفر في الأرض كي يزرع اللغم السابع، إلى أن وضع ثلاثة ألغام أخرى بـ «استعجال» ،في منطقة واحدة، وهمَّ أفراد المجموعة مسرعين للهروب قبل مجيء الدورية الإسرائيلية، ونزلوا للقناة، وركبوا «الفلوكة» بسرعة، وأثناء عودتهم يحكي عواد، أن سائق سيارة الدورية الإسرائيلية ظل يسير بضع دقائق بجوار مكان زرع الألغام، وبعدها مال بسيارته ناحية الألغام المزروعة، وفجأة انفجرت السيارة بالدورية، حيث أن الثلاثة ألغام والذي قام عواد  بزرعهم في الأرض دفعة واحدة، رفعت السيارة وانفجرت بمن فيها «كانوا ثمانية إسرائيليين» ماتوا جميعا.

وكان مقرر لعواد وزملاءه العودة إلى الوحدة العسكرية التي تحركوا منها لمنطقة كبريت، وتلك الوحدة تقع في منطقة البحيرات المُرة القريبة من منطقة تنفيذ العملية «كبريت» وكانت مليئة بالطمي وحينما عاد عواد بـ «الفلوكة» وفور نزولهم على الشاطئ، «غرزت» أقدامهم في الطين، بسبب طبيعة المنطقة، لكنهم  وجدوا الفرحة عارمة على وجوه قيادات الوحدة من ضباط وجنود، وأخذوهم بالأحضان والتكبير دون أن يهتم أحدهم بأن ملابس الفدائيين كساها «الطمي»، وقتهما خيل لقائد المجوعة أن عواد ورفاقه، قبض عليهم، بسبب تأخرهم في العودة بعدما أمرهم اللواء «يحيى شبايك» بإلغاء العملية، لكن وفور سماع انفجار الدورية الإسرائيلية، تأكدوا جميعا من نجاح الفدائيين في تنفيذ العملية.

«حينما كانت تحدث أي مشكلة صغيرة في سيناء وأخبر قيادتي أن فيه ألغام أو كشافات، كانوا يطلبون مني إلغاء العملية فورًا حفاظًا على سلامتي، لكنهم كانوا يعلمون دائمًا أنني أصر عليها ، ولن أعود قبل تنفيذ العملية، في أحدى العمليات كانت كشافات اليهود تضيء في الطريق الذي نذهب فيه لتنفيذ أي عملية فدائية، وحينما نبلغ قيادتنا يطلبوا منا الانسحاب وقتها فورًا، غير أنَّي كنت أغلق  جهاز اللاسلكي وأدخل لأنني استغل كشافات العدو في إنارة الطريق لنا، فكنا نمر في الظلام بعدما يأخذ الكشاف دورة كاملة»، هكذا يتذكر عواد إصراره على تنفيذ عملياته الفدائية.

وحينما كشف العدو الإسرائيلي موقع القاعدة التي كان الفدائيون يتمركزون فيها غرب القناة، لإجراء تدريباتهم القتالية، في ظلام أحد الليالي وقت حرب الاستنزاف، قام عواد بتوزيع الخدمات على زملاءه واتجه كعادته إلى أقرب نقطة لمياه قناة السويس، ليقضي عليها الليل،حيث كانت قاعدتهم تبتعد ثلاثة كيلومترات عن القناة، وقتها حمل عواد بندقيته الآلية، محاولًا استطلاع ما وراء القناة.

 وفي تلك الليلة لاحظ عواد مجموعة صغيرة من قوات العدو الإسرائيلي تستقل «لنش مطاطي» متجهة إلى نقطة الفدائيين غرب القناة، ولاحظ نزول أحد جنود العدو بالقرب من تلك النقطة، لكن إدارة الهيئة الهندسية في الجيش المصري كانت قد زرعت ألغام على الشواطئ القريبة من نقاط تمركز الفدائيين غرب القناة، وكانت تلك الألغام، موضوعة تحت «سقالات خشبية»، تبتعد عن شواطئ الضفة الغربية بمسافة 15 متراً.

وحينما نزل الجندي الإسرائيلي إلى واحدة من هذه «السقالات الخشبية»، انفجرت إحدى الألغام في وجهه، لاحظ عواد الانفجار من بعيد لكنه حينما ذهب كان باقي قوات العدو تلملم أشلاء الجندي الإسرائيلي، مسرعين به إلى اللنش المطاطي، فوق أمواج القناة، محاولين العودة بالجندي جثة هادمة من حيث أتوا بعد فشل مهمتهم، وقتها رفضت تلك القوة الصغيرة من قوات العدو أن تترك جثة زميلهم في غرب القناة حتى لا يحققوا نصر معنوي للقوات المصرية من خلال أسر زميلهم.

«أثناء حرب الاستنزاف، كان يتم استهداف ميناء الأدبية من سيناء، وقتها أصدرت قيادة الجيش أوامر لكل المراكب واللنشات والطوربيد المتواجدين بالميناء أن يسيروا تجاه البحر الأحمر حتى تنتهي غارة العدو الإسرائيلي، وقد أقامت ا لهيئة الهندسية في القوات المسلحة هذه «السقالات الخشبية» حتى تسهل من عملية تموين اللنشات والطوربيد اللذين تركوا ميناء الأدبية بسبب الإغارة عليه، فكانت تأتي سيارات تحمل براميل  لتموين هذه اللنشات  وتمر عبر السقالات الخشبية التي صنعت خصيصًا من فلنكات السكة الحديد لتموين الطوربيد واللنشات)).

الجزيرة الخضراء

في منتصف شهر يوليو من عام 1969، وفي الوقت التي كانت فيه حرب الاستنزاف مشتعلة بين الجيش المصري وقوات العدو الإسرائيلي، انزعج العدو من توالي نجاح قواتنا في عملياتها العسكرية ضده، فقامت كتيبة مدعمة بعناصر مهندسين من العدو الإسرائيلي بالهجوم ليلاً على «الجزيرة الخضراء» الواقعة جنوب «لسان بور توفيق» والتي كانت تتمركز فيها سرية مشاة يدعمها بعض الرشاشات القصيرة المضادة للطائرات من قوات الجيش المصري.

ويقول الفريق أول «محمد فوزي» وزير الحربية وقت حرب الاستنزاف في مذكراته أن العدو الإسرائيلي كاد أن ينجح في هجومه واستعادة الجزيرة الخضراء في هذا التوقيت لولا تمسك أفراد السرية بمواقعهم، حيث قاموا بقتال العدو ليلاً باستخدام خطوط النيران الثابتة للأسلحة الصغيرة والرشاشات.

وكانت المعلومات أثناء هذه المعركة ناقصة لدى قيادة الجيش الثاني الميداني بسبب انقطاع «الكبل» البحري للمواصلات التليفونية فأمر قائد الجيش تلقائيًا بضرب الجزيرة كلها بنيران مدفعية الجيش وكانت مفاجأة لأفراد وقوارب العدو ولنشاته التي وقعت تحت تأثير نيران المدفعية المركزة فتم قتل وتدمير جميع قوات العدو ولنشاته فوق «الجزيرة الخضراء»، بينما كانت قوات السرية المصرية بالجزيرة «مخندقة » مسبقًا في الأرض الصخرية بالجزيرة والتي احتاجت لمجهود كبير من أفراد السرية المصرية لإعداد هذه الخنادق وانسحبت فلول العدو الإسرائيلي تاركة خلفها معداتها ولنشاتها المدمرة، ويؤكد الفريق «فوزي» في كتابه «حرب الثلاث سنوات» والذي دْوَّن فيه جزء من معارك الجيش المصري وقت حرب الاستنزاف، أن السبب الرئيس في منع احتلال العدو الإسرائيلي للجزيرة الخضراء هو تصرف قائد الجيش المصري، حينما قرر استخدام مدفعية الجيش بالكامل في تركيز نيراني ضخم على الجزيرة وأصبح ذلك هو العامل المؤثر الذي ساهم في القضاء على قوات العدو المكشوفة فوق سطح الجزيرة.

 لكن في هذه الأثناء وقت معركة الجزيرة الخضراء، كان «محمود عواد» وصديقه «مصطفى أبو هاشم» عائدين من عملية فدائية أخرى في منطقة تسمى «رأس مسلة» في سيناء، حيث استطاعوا الاستيلاء على قارب مطاطي من قوارب العدو الإسرائيلي وعادوا به بالقرب من الجزيرة الخضراء، وأثناء قربهم من الجزيرة في الساعة الواحدة صباحًا، واجهتهم كتيبة العدو الإسرائيلي التي حاولت احتلال الجزيرة، ووجهت إليهم كشافات الإنارة، لكن عواد لم يفكر كثيرًا وأطلق عليهم النار مسرعًا حتى أبتعد عدة أميال عن الجزيرة، بعدها رأى بعينه سرية المشاة المصرية ومعها عدد من الرشاشات القصيرة المضادة للطائرات تشتبك مع الكتيبة الإسرائيلي.

انتظر «عواد» و«أبو هاشم» حتى هدأت الاشتباكات وبدأ ضوء الشمس يسطع، كانوا لا يزالون في عرض مياه القناة بالقرب من الجزيرة الخضراء، حينما اقتربوا  وجدوا أكثر من عشرين جندي مصري من القوات المصرية غارقين في مياه القناة، ممسكين بـ «شمندورة» لا يستطيعون السباحة، حاول الفدائي «مصطفى أبو هاشم»  إنقاذهم، وقفز في مياه القناة، لكنه لم يستطع إنقاذ أحد، وغرق الجنود في المياه، كان هؤلاء الجنود ضمن القوة المصرية التي استعانت بها سرية المشاة المصرية المتواجدة على الجزيرة الخضراء، من أجل الاشتباك مع العدو الإسرائيلي، وحينما اقترب اللنش الذي كان يقل هؤلاء الجنود من الجزيرة الخضراء، أمر قائد الجيش تلقائيا بضرب الجزيرة  كلها بنيران مدفعية الجيش، لأن المعلومات كانت ناقصة لديه، فتم تدمير كل قوات الكتيبة الإسرائيلية، وسرية المشاة المصرية، وعدد من الجنود اللذين ذهبوا نحو الجزيرة للاشتباك مع الكتيبة الإسرائيلية.

«حينما صعدنا للجزيرة الخضراء بعد انتهاء الاشتباكات وجدنا عدد من الجنود الإسرائيليين قتلوا، وعدد من جنودنا أيضا تم قتلهم بالخطأ، وجدنا عسكري مصري شهيد كان يجلس على أحد المدافع ونصفه السفلي تم تدميره من القصف، وأتضح لنا بعد ذلك أن الإسرائيليين لم يستطيعوا احتلال الجزيرة، لكن قائد الجيش أمر المدفعية بتسليط نيرانها على الجزيرة الخضراء،  وأحدث ذلك خسائر في قواتنا».. يروى «عواد» شهادته على معركة الجزيرة الخضراء.

تحسّر عواد عما حدث لجنودنا في تلك الليلة، وهو يحكي كان الحزن يخيم عليه، يقول أن أكثر من سبعين جندي مصري قتلوا في عملية الجزيرة الخضراء، وحوالي 200 مصاب، بسبب خطأ من عسكري إشارة تخيل أن العدو الإسرائيلي احتل الجزيرة، وأبلغ قيادته، ثم قامت القيادة بإرسال جنود إنزال، وحدثت المعركة بين الجنود المصريين وبعضهم البعض، وبين الكتيبة الإسرائيلية التي كانت لا تزال في مياه القناة ولم تستطع احتلال الجزيرة الخضراء.

 «أحد الجنود المصريين حينما رأى ضابط  من الضفادع البشرية المصرية، يتجه بالقرب من الجزيرة الخضراء، أبلغ قيادته، وكانت وقتها هناك كتيبة إسرائيلية تحاول احتلال الجزيرة، فقامت القيادة المصرية بإرسال لنشات مطاطية إنزال بجنودها وكان فيه 6 مدافع على الجزيرة الخضراء، كلهم تدمروا لم يتبق إلا مدفع واحد، وقتها كان هناك طائرة إسرائيلية تطلق نيرانها على الجزيرة والقارب المطاطي الذي يتواجد به الجنود المصريين، العدو أطلق قذيفة بعيدة عن القارب، لكن سائق القارب المطاطي ارتعش ومال بالقارب، وهذا جعل القارب ينقلب في المياه بما فيه من جنود مصريين، كلهم غرقوا، محدش فيهم كان بيعرف يعوم، الله يرحمهم بقى، فيه شرفاء كتير ماتوا ومعارك وأخطاء كثيرة من بعض القيادات، وللأسف تم طمس كل هذه الحقائق».. يقول عواد.

معركة «الجزيرة الخضراء» أثرت كثيرًا في شخصية «عواد»، والأخطاء الفردية التي ارتكبها البعض وأودت بحياة جنود ليس لهم أي ذنب، وماتوا خطأ، جعلته يتذكر وقت أن قتلت قوة إسرائيلية عشرة جنود مصريين وسرقت أحد الرادارات، في خليج السويس، وقتها كان عواد في قارب مطاطي أيضا في المياه بالقرب من تلك المنطقة، وكان سلاحه يضرب طلقات «خارق حار»، أخذ يضرب على تلك القوة الإسرائيلية، لكنه كان وحيدًا وقتها وكانت القوة الإسرائيلية قد أتمت مهمتها بنجاح، وأخذت إسرائيل تلك العملية كترويج لقوة جيشها.

وفي تلك العملية الخاصة بسرقة محطة الرادار الكاملة يروي الفريق «سعد الدين الشاذلي» رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصري وقت حرب أكتوبر، في كتابه عن حرب أكتوبر، أن العدو الإسرائيلي في ديسمبر من عام 1969، قام بعملية إغارة ليلية على محطة الرادار في البحر الأحمر، وقتها لم يكن مستيقظ لحراسة الرادار سوى فردين بينما كان الحراس الثمانية الآخرون نائمين، وقام العدو وقتها بهجوم ليلي مفاجئ اشترك فيه ستين رجلًا فقتل الحارسين، وأسر باقي أفراد الطاقم ثم سيق الرادار وعاد به وقد حدث ذلك كله في سكون وهدوء لم يتنبه له أحد من القريبين من تلك المنطقة.

وفي لقائي بالبطل الفدائي «محمود عواد» كان يتذكر دائما ما أسماه أخطاء الرئيس الراحل «أنور السادات» في حرب أكتوبر، تذكر «معركة الفاتح» التي خسرت فيها مصر 500 دبابة بعد أن تم تدميرهم في ساعتين بسبب قرار تطوير الهجوم الذي اتخذه السادات يوم 10 أكتوبر 1973.

يقول «عواد» أننا دخلنا حرب «5 يونيو من عام 1967» بغرور شديد وكان الرأي العام وقتها مهيأ إلى أننا سنسحق إسرائيل، لكننا هُزمنا بسبب أخطاء القيادة وتم تدمير مطاراتنا بالكامل، ويتمم عواد بتلك الآية القرآنية التي طالما كان يرددها طيلة حياته  «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».

يتابع حواره وفي قلبه حسرة على جنودنا المتواجدين في سيناء الآن، «الجنود اللي موجودين في سيناء الآن غلابة لا يفقهوا شيء عن التسليح ولا متدربين ولا واخدين فرق أو أي شيء، حتى الآن يوجد جنود في الجيش لا يستطيعوا استعمال البندقية، إحنا في سيناء لما كان نتزنق وقت العمليات الفدائية، كانت المخابرات تعطينا أنابيب، أشبه بأنبوبة معجون الأسنان، فيها مواد مركزة، تحافظ على توازننا مثل أدوية الفيتامينات لأننا نظل وقت طويل بندون شراب أو طعام».

((لما كنا بنتزنق، كان بدو سينا الله يمسيهم بالخير، يخفونا في أماكن عندهم، وساعات كنا بنسمع صوت الإسرائيليين قريب مننا لكن ما يقدروش يدخلوا، البدو كانت لديهم حركات تمويه، فكانوا يضعوا في أقدمنا أحذية أشبه بفرو الأغنام، حتى تصبح آثار أقدامنا كأنها أغنام تسير في الطريق، وكانوا يعلقون طعامنا في باطن الماعز حتى لا يراها الإسرائيليون وفي أوقات كنا نخبئ اللنشات المطاطية من الإسرائيليين ونحن في عمق سيناء، فكنا نفرغ الهوا من  اللنش المطاط، وندفنه في الأرض» يروي «عواد» شهادته على بطولاته التاريخية.

طيلة 42 عام مروا على حرب أكتوبر كان «عواد» وزملاءه الفدائيين يعانون من تجاهل دولة مبارك، والسادات لهم، كانت هناك حرب مضنية على الفدائيين، وكان التوجه العام للدولة وقتها، أن الحديث عن بطولات الفدائيين سيضعف من عزيمة الجيش المصري ودوره، بعد أن انتهت حرب أكتوبر جاءت سيارة كبيرة تابعة للجيش المصري وأخذت كل الأسلحة التي استولى عليها الفدائيون من القوات الإسرائيلية التي حاولت احتلال السويس يوم 24 أكتوبر وألحق بهم الفدائيون هزيمة ساحقة..

وستضمن الفصول القادمة من هذا الكتاب والخاصة ب «معركة 24 أكتوبر وتحت الحصار» التفاصيل الكاملة لما قام به الفدائيون فيها.

وكان منزل محمود عواد يعتبر مخزن لكل هذه الأسلحة التي استولى عليها الفدائيون من الإسرائيليين، لكنه بعد حرب أكتوبر قامت مباحث أمن الدولة بالسويس مراراً بتفتيش منازل الفدائيين وأهمهم منزل «محمود عواد»، وتعاملت معهم الدولة بطريقة سيئة باعتبارهم عناصر إجرامية وليسوا فدائيون.

«بعد الحرب بيوتنا اتفتشت وبعد ما كنا فدائيين بقينا خطرين، وأمن الدولة فضلت تراقبنا كتير، باعتبارنا متدربين ومن الممكن أن تستعين بنا الجماعات المتطرفة، كأننا هنا فاتحين مكتب مرتزقة، ده من جهل أمن الدولة بالأوضاع وقتها» هكذا يتهكم «عواد» على تعنت الدولة معه ومع وزملاءه.

وحينما انتهى الحصار على مدينة السويس، في يناير 1973، أعلن أن لعواد وزملاء من الفدائيين راتب شهريًا قيمته «خمسة آلاف جنيه» من الدولة نظير ما قاموا به في حرب السويس وما قبلها من بطولات في حرب الاستنزاف، لكنه لم يصرف لهم حتى الآن سوى مبلغ 200 جنيه كل عام في أعياد أكتوبر، إلى أن أُقِرَّ لهم منذ خمس سنوات مرتب شهري ثابت «1200» جنيه نظير عضويتهم في جمعية مجاهدي سيناء العربية، والتي تعتبر لم لشمل الفدائيين والحاصلين على نوط الامتياز من الدرجة الأولي.

«عواد» كان بائس من حالة البلاد وقت حكم مبارك «وقت مبارك البلد كانت بايظة، والله العظيم فيه ناس بتاخد نجمة سيناء ولم تفعل أي شيء، لمجرد أنه قريب لشخص بعينه، ذات مرة أحد  قياداتي في المخابرات طلب من مبارك أن يعطيني نجمة سيناء من الطبقة الأولى، لكن مبارك منه لله كان بيوزع نجمة سيناء على اللي حواليه وينسى الفدائيين، إنهاردة اللي بياخد نجمة سيناء بياخد معاها «20 ألف شهريًا هدية».

يستكمل «عواد» حكايته: «مبارك كان يعادينا منذ أول يوم وصل فيه للحكم، وكان يلخص أكتوبر في شخصه فقط، وينسى الأبطال الحقيقيين لنصر أكتوبر».

وفي أواخر أيام حكم مبارك قرر المجلس المحلي في السويس أن يكرم مجموعة الفدائيين «محمود عواد» وأصدقاءه، لكن «عواد» لم ينس ما حدث بالتفصيل في تلك الندوة، حينما جاء أحد أساتذة الجامعة وافتتح الندوة قائلًا «باسمكم جميعًا نبعت رسالة تهنئة لصاحب النصر الأول في أكتوبر الرئيس محمد حسني مبارك»، فجأة لم يتمالك «عواد» نفسه وإذا بصوته يرتفع ويقول لأستاذ الجامعة الذي لم يتذكر اسمه «كان أولى بك أن تشكر الله على نصره لنا، لأنه وما النصر إلا من عند الله، وليس من عند مبارك»..

فجأة اشتعلت القاعة الصغيرة بالتصفيق والتكبير لأكثر من عشر دقائق، وقتها اشتعل حماس «عواد» وأخذ يسأل أستاذ الجامعة : «ماذا فعل حسني مبارك في نصر أكتوبر؟ وماذا فعل الجنود والمشاة والفدائيين ؟».

لكنه بنفس راضية ورغم ما تعرض له من الكثير، كان دومًا يردد أثناء الحوار تلك الكلمات «الحمد لله أنا مش منتظر حاجة من حد.. ما كان لله .. دام وانتصر وما كان لغير الله ذهب وانكسر..  طالما قاتلت ومنتظر جزاءك من ربنا فان الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، بقالهم فترة قليلة كل سنة بيكرمونا و بناخد مبلغ كل شهر أينعم هو قليل شوية لكن مستورة الحمد لله، هذا أفضل بكثير أيام مبارك والسادات مكناش بناخد حاجة، لكن الحمد لله دلوقتي بقى فيه تكريم، أنا مش عايز حاجة من الدولة لو الدولة اديتني مش هقول لا، لكن أنا استحالة أطلب من الدولة حاجة، الدولة بتركز على الفن و الكورة إنما أبطال مصر الفدائيين محدش ينظر إليهم، محافظ  السويس العام الماضي قطع عنا مكافأة أكتوبر لسه مش عارفين في الاحتفال الجاي هيعمل إيه".

والآن في عام 2015 وقد أكمل البطل الفدائي «محمود عواد» 75 عامًا، أصبح جد لـ 11 حفيد، ولا يزال يحتفظ بذكريات شبابه وبطولاته، في منزله الذي طالما كان ملجأ لكل الفدائيين في السويس، والذي ورثه عن أبويه هو و أحد عشر شقيقًا.

بعد حرب أكتوبر عمل عواد موظف بشركة بترول في السويس كما اشتغل بمهنة «سباك» بجوار عمله، في شركة البترول، لكنه منذ عشر سنوات أصيب بضعف في بصره، صرف خلالها مبالغ طائلة من أمواله لإجرائه عدة عمليات جراحية في عينيه، وهو الآن لا يستغني عن مجموعة من العدسات تساعده على القراءة والرؤية، حتى أنه وأثناء جلوسي معه، كان يستعين بعدسته المعظمة لتساعده في رؤية ذكرياته بعد حرب السويس عبر عدة صور فوتوغرافية كان يعرضها عليّ.

لكنه لا ينتظر شيء من أحد مردداً «ما كان لله دام وانتصر، وما كان لغير الله ذهب وانكسر».

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech