Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech
Get Adobe Flash player
مستمرين معاكم بإذن الله 2008-2024 **** #لان_لجيشنا_تاريخ_يستحق_أن_يروي **** ***** إنشروا تاريخنا وشاركونا في معركة الوعي **** تابعونا علي قناة اليوتيوب 1100+ فيديو حتي الان **** تابعونا علي صفحات التواصل الاجتماعي** أشتركوا معنا في رحلاتنا لمناطق حرب أكتوبر **** يرجي استخدام خانة البحث **** *** تابعونا علي تليجرام - انستجرام - تويتر

قراءة في الوثائق البريطانية (2-1) 1974: مباراة تقييم حرب أكتوبر بين القاهرة ودمشق وتل أبيب

1973 cross73

 

 

قراءة في الوثائق البريطانية (2-1) 1974: مباراة تقييم حرب أكتوبر بين القاهرة ودمشق وتل أبيب

لندن: حسن ساتي

إذا كان عام 1973 قد تميز عربيا وعالميا بحرب أكتوبر، أو الحرب العربية ـ الإسرائيلية الرابعة بتداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعروفة، فلم يكن عام 1974 أقل تميزا بأية حال، إن لم يكن أكثر أهمية، على صعيد الوثائق السرية البريطانية التي يفرج عنها في يناير (كانون الثاني) من كل عام، بعد مرور ثلاثين عاما عليها كما هو معروف.

والأسباب هنا كثيرة، وفي مقدمتها أن الحرب التي وضعت أوزارها في 25 ـ 26 أكتوبر قد شغلت الدبلوماسيين بترتيبات وقف إطلاق النار ومن ثم الترتيبات التالية بحثا عن تسوية للصراع العربي ـ الإسرائيلي، وقد كان ذلك من بين أسباب مصر وسورية لإشعال تلك الحرب كما تكشف وثائق عام 1974، ليجدوا أنفسهم، أي الدبلوماسيون وهم وبأفكارهم أكثر مواد الوثائق السرية حيوية، مع نهايات العام بمناسباته المعروفة من أعياد الميلاد والى احتفالات نهاية العام، ومن ثم لم يلتقطوا أنفاسهم الا في يناير 1974، ليخلدوا الى مهاراتهم وخبراتهم في التحليل والاستنتاج، وهذا هو تحديدا ما أكسب هذه الوثائق أهمية أخرى.

من هنا، وفي يناير تحديدا، دخل السير بي. دبليو آدمز السفير البريطاني لدى مصر، ودبليو ليدويغ السفير لدى إسرائيل، ودي. إيه. روبرتس السفير لدى سورية، في مباراة سرية، في تقييم الحرب وآثارها على أطرافها الثلاثة التي خاضتها. ونقدر أنه وفوق القيمة التاريخية لهذه الوثائق وتلك الرؤى، والتي تلبي قطعا شغف القراء المحبين للوثائق السرية، فهناك ما يفيد الباحثين والدبلوماسيين، وما أكثرهم، في هذه المادة التي تخيرتها «الشرق الأوسط» من بين آلاف الوثائق عن تلك الحرب. فلكل من السفراء الثلاثة منهجه في قراءة الحدث، وتكنيكه في الكتابة، بل والتدقيق الممعن في المفردات، وبالطبع التحيزات، وربما الى حدود تقحم ما هو شخصي، وكل ذلك في عداد طبائع النفس البشرية، وهم بشر.

وبحسابات الأهمية المعلوماتية فقط، قدمنا رؤية السير آدمز على زميليه ليدويغ وروبرتس، فمصر هي التي بدأت الحرب وهي أثقل من الدولتين بحسابات الجيوش والسكان والمساحات المحتلة، والنصيب الأكبر في الخسائر في حرب 1967، ونترك من بعد للقارئ أن يتجول في مضامينها بدءا من اليوم، آملين أن نكون قد أحسنا الاختيار وترتيب الأحداث.

* أهداف مصر.. وقصة التحضيرات

* وثيقة رقم: 86/ 74

* التاريخ: 7 يناير 1974

* إلى: وزير الخارجية، سري للغاية

* من: السفير، القاهرة

* الموضوع : الحرب العربية ـ الإسرائيلية الرابعة (عملية بدر).

* أولا: مقدمة: أهداف مصر 1 ـ قطع راديو وتلفزيون القاهرة عند الساعة 2.15 بالتوقيت المحلي من يوم السبت 6 أكتوبر 1973 إرسالهما ليعلنا أن اسرائيل قد شنت قبل ثلاثة أرباع الساعة هجوما جويا على سخنة وزعفرانة على سواحل البحر الأحمر المصرية، فيما أعلن بعد فترة وجيزة من ذلك أن القوات المسلحة المصرية قد عبرت قناة السويس وأن الطيران المصري قد هاجم القواعد الإسرائيلية في سيناء. وليس هناك أي بناء تراكمي لدى الرأي العام من أي نوع وبأية حال لهكذا إعلان، وقد استغرق الأمر لدى الرأي العام وقتا وجيزا ليستيقنوه. وفي الحقيقة، ومن جانبنا، فقد تيقنا أن الحرب العربية ـ الإسرائيلية قد بدأت، فقط حينما أذاع راديو إسرائيل أخبارا عن هجمات متزامنة من القوات السورية على الجولان، والمصرية على سيناء.

2 ـ هناك حشد من الدروس التي يمكن الاستفادة منها من هذه الحرب، ومن فشلنا في التنبؤ بها، وستأخذ وقتا حتى نتمكن من هضمها. وسأحاول في هذه الرسالة أن أسجل، بالدقة قدر الإمكان، على أساس من الأدلة المتاحة لنا حاليا، مجرى الأحداث التي قادت مصر الى بدء الحرب، ومن خلالها مسار القتال نفسه. وسأعلق على التعقيدات السياسية لهذه الأحداث في رسالة منفصلة. ولمزيد من الإقناع، أرفق فهرسة تفصيلية للأحداث من 6 أكتوبر الى 8 نوفمبر 1973 .

3 ـ برغم أن المصريين تظاهروا بأنهم قد بدأوا القتال دفاعا عن النفس، ومن المفترض أنهم سيواصلون قول ذلك من باب التسجيل الرسمي للمواقف، إلا أن تلك الحجة تآكلت بسرعة لحد لم يعد فيه الآن شك بأنهم قد خططوا وبدأوا الحرب. فما هو أملهم في ما سيحققوه بها؟ من الصعب الإجابة على هذا السؤال بوضوح وببساطة. ولكن وفي خطوط عريضة، فالهدف المصري هو ضمان انسحاب إسرائيلي من الأراضي المصرية المحتلة منذ حرب 1967 . وعلى كل، فهناك القليل من الشك بأن السادات قد هدف الى تحقيق هذا الهدف الكلي عبر ملاقحة بين الوسائل الدبلوماسية والعسكرية فيما لا يمكن معرفة الطبيعة المحددة للمشاركة المتوقعة من القوات المسلحة المصرية. ولكني سأخمن أن أهداف المعركة العسكرية التي أنيطت بالجنرال أحمد اسماعيل، الذي تقلد منصب قائد الجيش ووزير الدفاع في اكتوبر 1972، كانت في جوهرها كما يلي: (أ) الهدف الكلي للعملية هو تقديم (شرارة) لإشعال مشكلة الشرق الأوسط الراكدة، وإشراك وجذب الانتباه النشط للقوى العظمى.

(ب) من داخل العملية، نرغب في تحطيم أسطورة الآلة العسكرية الإسرائيلية المنيعة واعتماد إسرائيل على حدود «آمنة»، وإعادة الروح المعنوية المصرية و(العربية) بما يكفي للسماح للمصريين لمقابلة الإسرائيليين على طاولة المفاوضات.

(ج) مع الإبقاء على هذه النهاية قيد النظر، عليك أن تعبر قناة السويس بالقوة وأن تدمر التحصينات الإسرائيلية على الضفة الشرقية (المسماة بخط بارليف).

(د) عليك من ثم تأسيس رؤوس جسور على الضفة الشرقية تكون من القوة بمكان لمقاومة الهجمات الإسرائيلية المرتدة في انتظار بداية العملية التفاوضية.

ثانيا: التحضيرات : خلفية:

4 ـ يظهر إلقاء ومضة على الموروث العسكري لقائد الجيش حجم المهمة الملقاة على عاتقه. ولا شك أن الخطط لاستعادة سيناء قد بدأت تعشعش بعد زمن ليس بالبعيد عن هزيمة 1967، ولكن طرد الخبراء العسكريين السوفيات في يوليو 1972، والذي تبعه إعفاء الجنرال صادق وزير الدفاع السابق من منصبه في أكتوبر من ذلك العام، قد خلق وضعا جديدا كليا.

5 ـ من المنصف أن نقول، إنه لا أحد خارج مصر، مقابل قليلين جدا في داخلها، قد اعتقد في ذلك الوقت، بأن مصر تملك فرصة نحو حرب أخرى مع إسرائيل. وحتى أولئك المصريون الذين أبقوا على عواطفهم لجهة ضرورة أن تذهب مصر الى حرب، كانوا يشعرون بثقة ضعيفة تجاه ناتجها، فالقوات المسلحة، وعلى نحو لا يثير الدهشة، كانت منهارة المعنويات فيما لا يعتقد رجالها بأن في وسعهم القتال، وكانت للروس وبوضوح شكوكهم. والمثير للغضب أكثر،أن قائدهم السابق الجنرال صادق قام بمحاولة ضعيفة لإخفاء قناعته الشخصية بأن مصر لن تكون في وضع تتحدى فيه اسرائيل مرة ثانية لبضع سنين. فالجنرال صادق كان معارضا عنيدا للوجود العسكري السوفياتي في مصر مبررا قناعته بأن مصر غير مستعدة للقتال بالرجوع الى النوعية الفقيرة من العتاد العسكري السوفياتي.

6 ـ ربما لم ينبع قرار الرئيس السادات بإقصاء الجنرال صادق فقط من رغبة لاختبار عملية انهيار المعنويات، والتي كانت وقتها قد بدأت في التأثير بقوة على المدنيين أيضا، ولكن أيضا، لتسريع عملية التخطيط للحرب. فأحل محله الجنرال أحمد إسماعيل، الأكبر سنا وعديم الخيال، ولكنه حازم وصعب المراس وأبوي، ويمكن للسادات أن يراهن على ولائه. فيما جاء تبرير التعيين بالنتائج، حيث تمكنا نحن من مراقبة إعادة نشر صواريخ أرض ـ جو وارتفاع في إيقاع جرعات التدريب، فيما عنت إزالة اليد الضاغطة للخبراء السوفيات أن المصريين قد أصبحوا الآن سادة على بيتهم، وبوسعهم وضع خططهم الخاصة بهم وفقا لأفكارهم. وكذلك أصبحوا ممتلكين لترسانة من الأسلحة الحديثة، التي أكدتها لنا وبصورة خاصة السفارة الروسية مبكرا في فبراير1972 ، وهي ترسانة كافية لتمكين مصر من محاربة اسرائيل مرة أخرى إذا رغبت في ذلك. ولم تكن الوسائل العسكرية الى حد كبير، بقدر ما هي الإرادة، التي كانت مفقودة فيما وراء الكواليس، وها هو ذلك الافتقاد يحصل على إمدادات.

* التقدير 7 ـ بعد أن بدأ الجنرال اسماعيل وفريق تخطيطه (برئاسة الجنرال الجمسي غير المعروف الى وقت قريب) في رسم ومراجعة خططهم، جاء تقييمهم لمراكز القوة والضعف لدى الجانبين على جبهة السويس، ولا بد لهكذا تقييم أن يكون قد رجح كفة المزايا لصالح اسرائيل بقوة، فالإسرائيليون سيكونون مدافعين عن حصن منيع (خط بارليف)، الذي بلغت كلفته 300 مليون دولار خلال السنوات الست الماضية، وفي مواجهته ممر مائي لا يقهر فيما يكون بوسعهم الرهان على دعم أميركي مستمر، ومن الأرجح أن يبرهن الطيران الإسرائيلي على تفوق في القتال على الطيران المصري، سواء على مستوى الرجال أو العتاد. وللإسرائيليين سمعة في المهارة والخيال في استخدام الأسلحة في الظروف الصحراوية. ونقاط القوة الإسرائيلية هذه مكونة، الى حد ما، من نقاط الضعف المصرية التقليدية : أي الغطاء الجوي الفقير (تجلى هذا العامل وحده في مسار حرب 1967)، في مقابل وعدم حيطة وراثي وسط كل الضباط والرجال، وقد أسفر عن افتقاد للمبادرة والمرونة في الميدان. والأمية بين الرتب الدنيا في تناقص ولكنها لا تزال منتشرة، وهناك أيضا تقليد بسيادة الفقر في مجال الاتصالات وعدم كفاية الدعم اللوجستي.

8- ولكن هناك أيضا عناصر أخرى على الصفحة الأخرى من دفتر الحسابات. فتعداد سكان اسرائيل الصغير يجعلها بقابلية وراثية للتأثر بتبعات قتال عنيف يستمر لأكثر من أسبوعين أو ثلاثة، ومن هنا فهي في وضع يجعلها تستطيع تحمل الخسائر بصورة أقل من مصر، ولكن اقتصادها أيضا سيخاطر بنقلات تسببها التعبئة الطويلة بأعلى الوتائر.. ومن المحتمل أيضا أن يكون الجنود والضباط الإسرائيليون مفرطين في الثقة كنتيجة لسهولة النجاحات السابقة، ومفرطين في الاعتماد على قوة القتل لسلاحهم الجوي. وللمصريين من جانبهم ورقة أو ورقتان تحت أكمامهم، فبوسعهم أن يرسموا على تفوق عددي خاصة في مجال القوة المقاتلة، وكذلك على معظم أنواع العتاد، وهم يعتقدون بأن في وسعهم إحلال الخسائر بمرور بعض السنين إذا دعت الحاجة. 9- وإذا نجحوا في دفع السوريين، وربما الأردنيين، في الانضمام للحرب، فستجد اسرائيل نفسها متورطة في جبهتين أو ثلاث جبهات في تزامن واحد: وخطوط اتصال اسرائيل بسيناء تم تمديدها بصورة غير مريحة، وبوسع المصريين أن يتوقعوا أنهم يستطيعون المضي بحرب طويلة بصورة أسهل مما يتوافر لإسرائيل. والشجاعة والروح القتالية لدى الجندي المصري العام مشهود لها منذ زمن حتى من الإسرائيليين، وهناك أرضية للأمل في التغلب بصورة كبيرة على مشاكل العلاقات بين الضباط والجنود والتي ظهرت بصورة مؤلمة في 1967، وذلك في أعقاب إعادة تنظيم بما فيها تأسيس أكاديميات تدريب جديدة للضباط، ونظام للترقي أكثر مهنية (أي أقل سياسيا)، ولا جدال أن لسلك الضباط الجدد الآن حسا مؤسسيا أقوى.

* الخطة العسكرية.. وحلقات القتال الثلاث الخطة 9 ـ حملت الخطة المصرية التي وضعها الفريق الجنرال الجمسي، اسم « عملية بدر »، تذكيرا بالانتفاضة التي سبقت دخول النبي لمكة، (هكذا وردت في الوثيقة، ومن الواضح أن السفير يقصد المدينة، الإيضاح من «الشرق الأوسط»)، وقد نجحت بذكاء في الجمع بين العناصر الأساسية التالية: المفاجأة، الجبهة العريضة، وخطوط دفاع قوية، والتركيز على صواريخ أرض ـ جو (سام)، وصواريخ مضادة للدبابات مصحوبة بالمشاة أكثر من الأسلحة الهجومية التي تمثلها الآليات والقوة الجوية. والهدف واضح وهو إفقاد الإسرائيليين توازنهم من أجل تقليل الخسائر خلال عبور القناة والهجوم على خط بارليف والاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الضفة الشرقية قبل أن يتمكن الإسرائيليون من الرد أو الانتقام. ويكون ما ورد أعلاه هو الحلقة الأولى.

الحلقة الثانية تكمن في تدعيم الموقف على الأرض التي كسبوها بنشر خط الدفاع ليس لمدى أكثر من 10 أميال شرق القناة. في المقابل، افترضت الخطة مع الحلقة الثالثة فيها، أن الإسرائيليين سيبدأون الهجوم المضاد ولكنهم في تلك المرحلة سيجدون أنفسهم ملزمين بالهجوم على مواقع محصنة بصواريخ سام، ومن هنا يكون المصريون مرة أخرى أمام دورهم الدفاعي المعد سلفا. لا يزال من غير الواضح، ومن الوارد أن لا تتم معرفة ذلك على وجه التأكيد، ما إذا كانت هناك مرحلة رابعة قيد التأمل. الرئيس السادات أخبرني يوم 7 أكتوبر بأنه أعد عدته للمضي بالقتال لمدة 10 سنوات. في غضون ذلك تم تحديد يوم للهجوم تخيروا له يوما بقمر ساطع مع تيارات مائية هادئة ومواتية في القناة في مقابل أقصى حالة من عدم الاستعداد لدى الإسرائيليين. وقع يوم 6 أكتوبر في رمضان، وبرغم أن المصريين كانوا غامضين في مدلول ذلك، لكن اليوم صادف أيضا العيد اليهودي (يوم كيبور)، وهو يوم (الكفارة)، أما السوريون الذين سيكون دورهم بالمشاركة في الحملة القادمة ذا أهمية محورية، فربما كانوا طرفا في التخطيط للحرب منذ بداية العام، ولكن من غير المحتمل أن تكون القرارات السياسية النهائية قد تم اتخاذها قبل اجتماعات المستويات العليا في سبتمبر، فيما من المحتمل أن تكون الاعتبارات المصرية هي التي سادت في اختيار ساعة الهجوم. وعلى كل حال، ووفقا للجنرال إسماعيل، كان اختيار الساعة الحقيقية للهجوم عرضة للنقاش وتم اتخاذه قبل أيام قليلة من بدء المعارك.

10 - برغم أن التخطيط العسكري ربما يكون قد استمر لبضع سنوات، الا أن الجنرال اسماعيل زعم أنه هو الذي بدأ التخطيط لعبور شامل وتام للقناة بعد توليه منصبه في أكتوبر 1972. وقتها، يكون السادات قد توقع افتراضا أنه سيحارب، ولكنه لم يحدد يوما في ما لم يستبعد كليا احتمال أن يصنع بعض التقدم بوسائل سلمية. ولكنه أخبر في بدايات عام 1973 صحافيا لبنانيا بأنه فقد الأمل «في أن تضطلع أميركا بتوجه موضوعي»، فزيارة حافظ اسماعيل لأميركا في نهاية فبراير تبعتها مباشرة أخبار عن صفقة أميركية اسرائيلية لطائرات الفانتوم (لم يحطه الأميركيون بها)، وهناك عدم الانتباه الذي لاقته مشكلة الشرق الأوسط في قمة نيكسون برجينيف في يونيو، وهناك الفيتو الأميركي على قرار مجلس الأمن في 26 يوليو، وقد أكدت كل تلك الوقائع طريقة التفكير التي كان لها أن تسود. ولكن خطة الحرب اعتمدت على عون اقتصادي وغيره من الدول المنتجة للنفط ولا بد لمسألة كهذه أن تكون ضمن اهتمامات القادة المصريين خلال أشهر الصيف. بحلول يوم 13 سبتمبر وحين أسقط الإسرائيليون 13 طائرة سورية في معركة على الساحل السوري (هكذا وردت في الوثيقة والتقدير أن رقم 13 يبدو كما لو أنه قد انتقل طباعيا من بداية الفقرة، الإيضاح من «الشرق الأوسط»)، في تلك اللحظة يبدو أن كل شيء قد نضج. وبقدر ما تعلق الأمر بالمصريين، ربما يكون نضوج الأشياء قد حدث مع تشكيل حكومة جديدة في مارس، إذا لم يكن قبل ذلك. في المقابل، إذا كان السوريون لا يزالون في حاجة لدفعهم، فقد أدت ضربات 13 سبتمبر الإسرائيلية تلك المهمة.

* الخداع 11 - كان عنصر المباغتة في الإستراتيجية المصرية محوريا فيما اعتمد على إقناع العدو بأن مصر ليست في مزاج يسمح لها بالهجوم، ولا بد أن يعود الفضل في نجاح هذه المهمة الصعبة الى الرئيس نفسه، فالخطة وكما خرجت لم تحمل فقط بصمته التي لا تخطئها العين، ولكنها اعتمدت عليه شخصيا ليراها تمضي. وفي هذا السياق علينا أن نعطي تقديرا أكبر لتجربته الطويلة في التآمر والمؤامرة، ومن المؤكد أنه وظفها بطريقة جيدة، إذ كان عليه أولا أن يحصن موقعه، فهو ومع تعاطيه الحاد مع انتقادات الطلاب والصحافيين مطلع العام، قام بتشكيل مجلس وزراء جديد في 26 مارس بنكهة مدنية ظاهرة، وقد احتفظ فيه بالرئاسة لنفسه، ربما ليتجنب الاحتكاكات بين السياسات القديمة والجديدة التي يكون عليه ملاحقتها في الشهور القادمة، ومن ثم تقدم ليلعب اللعبة القديمة لصراخ وحش لم يبلغ فحولته، فيما تم عن عمد رفع السخونة العسكرية والسياسية خلال شهر مايو ـ كمقدمة أو استهلال ـ وبهكذا هدف أحيط الصحافيون ـ لقمة نيكسون برجينيف في 18 يونيو. وسمح للاشاعات بالانتشار بحرية في القاهرة لجهة حرب قادمة وتحركات واسعة للقوات المسلحة وممارسة التعبئة، بل ان إشارات بأن اكتمال القمر في منتصف يونيو قد يكون إشارة محتملة لهجوم مصري قد صدرت عن بعض المراقبين.

12 ـ في المقابل، وحين لم تتشكل صورة فعل مصري بعد انتهاء قمة نيكسون ـ برجينيف، استرخى الجميع فيما مضى السادات خلال شهري يوليو وأغسطس يغذي تلك الحالة باحاديث تآمرية عن السلام، مثلما دعا المؤتمر الوطني في الخريف لدراسة مشاكل مصر على المدى الطويل وتحدث عن التحرير الاقتصادي وكأن ذلك هو اهتمامه الأساسي (رغم أنه جعل مسألة تحرير سيناء هدفا أساسيا له)، بل انه خرج عن سياقه في الذكرى الثالثة لوفاة جمال عبد الناصر (28 سبتمبر)، الى القول إنه لم يشر الى الحرب كوسيلة لتحقيق غايات مصر. وقد تأكدت أنا الآن من السبب، بعدما كنت قد هنأته على ذلك الخطاب قبل فترة قليلة من اندلاع الحرب، فبدا لي مسرورا كتلميذ مدرسة. تم الإعلان عن أن وزير الدفاع الروماني سيزور مصر يوم 7 أكتوبر، وأوردت «الأهرام»، من الواضح بصورة موجهة، أن ضباط القوات المسلحة المصرية سيسمح لهم بأداء العمرة مع نهايات شهر رمضان (بدأ يوم 25 سبتمبر). كان من المعروف جيدا أن تدريبات عسكرية واسعة للجيش تأخذ مكانها على ضفة القناة، ونحن لاحظنا شحنات لآليات ثقيلة تتجه نحو القناة مع نهاية سبتمبر، كجزء من تلك التدريبات، ولكن أحداثا كهذه أصبحت معروفة، فيما انتشرت أخبار عبر قنوات كثيرة بأن هذه التدريبات ستنتهي يوم 7 أكتوبر. كما وصلتنا في نفس هذا الوقت تقارير عن وصول لصواريخ سام -6 وصواريخ ساغر المضادة للدبابات، ولكن تم التقليل من شأنها بصورة كبيرة أو أخذت كشيء يتعلق بمنظور في المدى البعيد.

* ثالثا: القتال المرحلة الأولى:

* أصبحت تدريبات القناة فجأة ومن غير إنذار (حتى بالنسبة للجنود المشاركين فيها) أمرا حقيقيا، والى ذلك مضت الحلقة الأولى من الخطة المصرية كما تعمل الساعة وأسفرت، وعلى غير المتوقع عن خسائر مصرية طفيفة، بدأ الهجوم أولا بقوارب مطاطية ومن بعد ذلك بحوالي 11 جسرا عائما بنيت بسرعة فائقة تحت وابل من القصف بالمدفعية وهو الآخر تحت وابل من الهتاف وفق ما ورد بـ«الله أكبر» (أي الله عظيم) رددتها مكبرات صوت على طول الجبهة، وقد أدت هكذا هتافات الى شحن الجنود بطاقات روحية الى الحد الذي زعم فيه كثيرون بأنهم رأوا كلمات (الله أكبر) مكتوبة في سماء سيناء، فيما ضرب أحدهم على وتر فكرة ذكية بتزويد القادة ممن يعبرون الى سيناء بأعلام مصرية لتثبيت أي منها على رأس كل نقطة عالية حال ما يتم الاستيلاء عليها. كانت الجسور مع حلول الظلام آمنة، وبحلول مساء 8 أكتوبر كانت كل الضفة الشرقية تحت القبضة المحكمة لليد المصرية ومعها انتهت الحلقة الأولى.

* الحلقة الثانية:

14 - في الفترة من 9 الى 15 أكتوبر، وبينما المعركة على مرتفعات الجولان على أشدها، أغرق المصريون بالرجال والمعدات الضفة الشرقية الى أن كان لهم 5 فرق من المشاة ربما بلغ عددهم 100.000 عنصر مدعومين بالسلاح متركزين في مواقع حيوية، فيما بقيت القوة الكبرى منهم كاحتياطي غرب الضفة. وزعم الجنرال اسماعيل خلال الأسبوع أنه دمر 150 دبابة اسرائيلية من دون أن يغامر بالتحرك من مواقعه الجديدة، التي كانت وقتها قد امتدت الى أكثر من 10 أميال خلف القناة، فيما ظل الإسرائيليون يتعاطون مع معارك سورية ثقيلة على عتبة بابهم حتمت عليهم أن يوجهوا جهدهم الأساسي لاحتوائها أولا ومن ثم طردها. وعلى جبهة سيناء أيضا واجهوا مصاعب غير متوقعة في الجو، إذ يبدو أن سلاح الجو الإسرائيلي قد حاول في وقت مبكر تدمير سلاح الجو المصري وهو على الأرض مثلما فعلوا بنجاح في 1967، ولكن المصريين قد استوعبوا درسهم، وسلاح جوهم الآن في مأمن تحت أغطية خرسانية، حينما لا يكون محلقا فيما وطدت قواتهم البرية مواقعها في حدود مدى حزام صواريخ سام بالضفة الغربية مستخدمين هذه الشاشة من الصواريخ كنوع من أنواع الدفاع الفعالة.

* الحلقة الثالثة:

15 - افتتحت الحلقة الثالثة من القتال بتقدم مصري بحوالي 6 ـ 10 كيلومترات على طول الجبهة، ومن الواضح أن ذلك جاء تجاوبا مع طلب سوري لتخفيف الضغط على الجبهة الشمالية، وتبع ذلك وبسرعة الهجوم المرتد الإسرائيلي الذي طال انتظاره، وقد بدأ ذلك يوم 15 أكتوبر بتسرب قوة مهام خاصة صغيرة عبر النهاية الشمالية لبحيرة بيتر الكبرى، وفي اليوم التالي، وبعد معركة دبابات كبرى نجح الإسرائيليون في تنظيف ممر الى القناة تمكنت ثلاثة ألوية مسلحة من الانتقال الى الضفة الغربية، فيما تزامنت النقطة التي تم اختيارها للهجوم مع الخط أو «الفجوة» بين الجيشين المصريين الثاني والثالث. وبكل المقاييس، فقد كان المصريون بطيئين جدا في التحقق من مدلولات هذا الاختراق الإسرائيلي، واضاعوا وقتا ثمينا قبل أن يقدموا على الهجوم المضاد وفوق ذلك بقوة غير كافية، وقد كسب الانطباع أرضيته لدى اسرائيل، فيما أعلن المصريون أن العبور الإسرائيلي يتسع وأن القوات الإسرائيلية تضرب في كل الاتجاهات، فتاه سلاح الجو المصري بطلعات في السماء ولكن من دون أثر فعال.

16 ـ ظل الوضع على الأرض مرتبكا ومربكا بحلول وقت وقف إطلاق النار الذي تحددت له الساعة 7 بعد الظهر من يوم 22 اكتوبر، ولكن بدا أن الإسرائيليين قد أمنوا رقعة على الضفة الغربية لبحيرة بيتر باتساع يتراوح بين 10 الى 15 كيلومترا بامتداد من نقطة تبعد 10 كيلومترات جنوب الإسماعيلية الى نقطة ما شمال طريق السويس، ويبدو أنهم لم يقطعوا طريق السويس الى وقت ما قبل 23 أو 24 أكتوبر، ومن ثم حاصروا تلك العناصر من الجيش المصري الثالث في السويس وفي الضفة الشرقية. والى ذلك أصبح وقف إطلاق النار الثاني الذي حمله قرار الأمم المتحدة رقم 339 يوم 23 أكتوبر فعالا بوصول البعثة الأولى من قوات طوارئ الأمم المتحدة الى القاهرة ليل 25 أكتوبر، فيما كان الإسرائيليون وبحلول ذلك الوقت قد عزلوا حوالي 20 ألف جندي مصري من الجيش الثالث عن قاعدة إمدادهم.

Share
Click to listen highlighted text! Powered By GSpeech